استأنف ليلة 17 مارس الجاري جيش الاحتلال الصهيوني عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة، ممّا أدّى إلى استشهاد أكثر من 590 فلسطينيا أغلبهم من الأطفال والنساء علاوة على مئات المصابين الآخرين. ومازال هذا العدوان مستمرا حتى الساعة ولا شيء يشير إلى أنه سيتوقف. وبطبيعة الحال فقد أعطى مجرم البيت الأبيض دونالد ترامب الضوء الأخضر للنازي نتنياهو لارتكاب هذه الجريمة في خرق واضح منهما للاتفاقية المبرمة مع المقاومة والتي تنصّ على الانتقال إلى المرحلة الثانية حال انتهاء المرحلة الأولى وبدء التفاوض على استكمال بنود الاتفاق التي من شأنها أن تؤدّي في المرحلة الثالثة والأخيرة إلى وقف العدوان نهائيا وخروج المحتل من غزة وإعادة الإعمار. لكن حكومة الكيان الغاصب تحاول بدعم من ترامب تركيع المقاومة وإجبارها على القبول بشروطهما الجديدة التي تهدف إلى الحصول على إطلاق سراح الرهائن دون وقف العدوان بل دون توقف الكيان عن تنفيذ المشروع الصهيو أمريكي الرامي إلى تهجير أهالي غزة.
لقد تمرّغ أنف الاحتلال في وحل غزة أثناء العدوان الذي دام أكثر من 15 شهرا، ناهيك أنه لم يقدر خلال هذه المدة الطويلة على تحقيق أهدافه وعلى رأسها القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وتحرير رهائنه، وهو يحاول اليوم بعد كل المتغيّرات الجيوسياسية التي تمّت في المنطقة وبعد وصول الفاشي ترامب إلى البيت الأبيض الالتفاف على الاتفاق الذي أبرمه مكرها مع المقاومة والعودة إلى الحرب علّه يحقّق ما لم يحققه في المرحلة الأولى.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه سفن ناتنياهو وترامب. فقد أثبتت المقاومة خلال الفترة السابقة قدرة كبيرة، رغم التضحيات الجسيمة، على حسن إدارة الحرب ثم التفاوض رغم الاختلال الرهيب لميزان القوى ورغم التحوّلات الجيوسياسية الكبرى في المنطقة و هي تحوّلات في غير صالح المقاومة و القضية الفلسطينية. ولا نعتقد اليوم أنّ العدوّ سيقدر على تحقيق ما لم يحققه بالأمس حتى لو كان التقتيل أشنع والدمار أكبر. فالشعب الفلسطيني ومقاومته ما يزالان قادرين على الصمود والتحدي بينما المجرم نتنياهو يعاني من أزمة داخلية خانقة قد تعصف به. فهو تلاحقه قضايا فساد ويواجه يوميا المظاهرات في الشارع، فيما خيّر الآلاف مغادرة الكيان بينما ما يزال معمّرو الشمال يرفضون العودة بعد أن أصبحوا مرضى بمتلازمة حزب الله.
لقد خرج المجرم نتنياهو متبجحا بأن عدوانه على غزة لن يتوقف إلا بعد تغيير وجه الشرق الأوسط قاصدا إلغاء المقاومة وشطب الشعب الفلسطيني من أرضه في غزة والضفة والقدس وبناء “إسرائيل الكبرى” مدعوما من المجرم ترامب ومن غلاة الإمبريالية العالمية وتواطؤ أنظمة العمالة والخيانة العربية.
لكن لا نتنياهو ولا ترامب يريدان الانتباه إلى أنّ إرادة الشعوب لا تقهر وأنّ الاحتلال إلى زوال مهما طال ليله، وأنّ شعب الجبارين لم يزده الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدره منذ 77 عاما إلا تمسّكا بأرضه مهما كان حجم التضحيات. لقد قدّمت غزة أروع صور الصمود، وها هي الضفة تسير على خطاها رغم رصاص المستوطنين المتحالف مع رصاص غدر محمود عباس. وتبقى القدس عاصمة فلسطين أيقونة التشبث بالأرض والهوية.
إنّ شعوب العالم وقواه التقدمية التي أسندت الصمود الفلسطيني مطالبة اليوم بمضاعفة الجهد لإفشال الهجوم النازي. وعلى شعبنا نفض الغبار وتحمل مسؤوليته تجاه شقيقاتنا وأشقائنا في فلسطين، إنّ دفاعنا عن فلسطين هو دفاع عن أنفسنا وعن وجودنا المستهدف في مجمل المنطقة من قبل المتوحش الامبريالي الكاسر.
