الرئيسية / صوت الوطن / ملاحظات حول تنقيح فصول من مجلة الشغل: الوقائع والممارسة تكذّب الخطب الديماغوجية
ملاحظات حول تنقيح فصول من مجلة الشغل: الوقائع والممارسة تكذّب الخطب الديماغوجية

ملاحظات حول تنقيح فصول من مجلة الشغل: الوقائع والممارسة تكذّب الخطب الديماغوجية

بقلم منذر خلفاوي

طالبت القوى الثورية والديمقراطية طيلة عقود بإلغاء التشغيل الهش وكل أشكال عبودية رأس المال، كما نادت بحق الشغل للجميع تكريسا لفصول الدساتير التي تعلن حق الشغل للجميع والمساواة أمام القانون، كما طالبت المنظمات والقطاعات النقابية بمراجعة مجلة الشغل برمتها الخ. لكن الدكتاتورية في مختلف الفترات جعلت من الشغل مزية تمنّ بها على مواليها وتحرم المعارضين وعائلاتهم منه. وكان الإقصاء يتمّ بما يعرف بالفرز الأمني لاستثناء النشطاء في الحقل الطلابي والحقوقي والنقابي وتواصل الأمر في ظل حكم قيس سعيد إذ يحرم مناهضو الحكم من صحافيين ومدونين وسياسيين من العمل ويتمّ اعتقالهم والزجّ بهم في السجون عبر تطبيق المرسوم 54 السيء الصيت. وكعادة الشعبوية التي تسعى إلى رفع الشعارات الديماغوجية عبر أبواق الدعاية والمريدين دون نتائج على أرض الواقع والادعاء بأنّ تعديل فصول من مجلة الشغل هي ثورة تشريعية لمحاربة التشغيل الهش والمناولة.
لقد قرر قيس سعيد في مجلس وزاري يوم 13 مارس تنقيح مجلة الشغل في بعض الفصول المتعلقة بالمناولة وعقود الشغل الذي سيعرض على مجلس الدمى الذي سيمرره كما حصل مع قانون الشيكات ومع الدستور…الخ

الشعبوية تعادي الأجسام الوسيطة

كما جرت العادة لم يقع تشريك المعنيين بالأمر في مشروع التعديل فلا الاتحاد العام التونسي الشغل ممثل العمال ولا منظمة الأعراف شاركا في النقاش كما وقع تهميش المجلس الاقتصادي والاجتماعي في حين يتطلب الأمر مثلما يتمّ في البلدان الديمقراطية نقاش مجتمعي لأهمية الموضوع. لكن منظومة الحكم القائمة على الحكم الفردي تدّعي أنها تعرف ما يريد الشعب وليست بحاجة إلى الوسائط من أحزاب وجمعيات، لذلك نعتبر أنّ ما يقع سنّه من قوانين وأوامر فاقد للشرعية مهما حاولت السلطة وأبواقها الادعاء بأنها ثورة تشريعية إذ يعرف القاصي والداني أنّ الواقع غير ذلك وهو ما سنأتي عليه.

أوضاع الطبقة العاملة في تونس: عمل هش لا يوفر الكرامة

تمرّ بلادنا منذ عقود بأزمات اقتصادية وسياسية نتيجة التبعية للدوائر الأجنبية واتباع منوال تنمية متخلف لا شعبي ليبرالي قائم على الاستغلال والتهميش وهو اقتصاد مناولة لفائدة الشركات متعددة الجنسية. ويمكن الجزم أنّ أجور العمال في القطاع العام والخاص هي أجور بؤس وسخرة إذ أنّ معدل الأجور أقل من 300 أورو أي 900 د ما يسمح بالقول إنه عمل غير لائق لا يحفظ كرامة العمال والموظفين في القطاع العمومي وبصفة خاصة في القطاع الخاص في ظل التضخم وغلاء الأسعار وتدهور قيمة الدينار، وهو ما تعكسه نسبة البطالة المرتفعة (أكثر من 16 %) وهجرة الكفاءات من حملة الشهادات أو هجرة الفقراء في قوارب الموت، ولا ننسى ما تعانيه العاملات الفلاحيات من أجور بؤس وفواجع حوادث النقل القاتلة اليومية في ظل حكم سعيد.

الدولة تمارس المناولة والتشغيل الهش

لقد تمّ إصدار مجلة الشغل سنة 1966 وتمّ تعديل بعض فصولها في 16 جانفي 1996 ولم يتمّ تحيينها منذ ذلك التاريخ رغم ما تحتويه من مظالم في حق العمال وبصفة خاصة النساء والأحداث رغم تطور عالم الشغل وهي تتضمن فصول وثغرات لصالح رأس المال تعكس موازين القوى الطبقية وطبيعة المنظمة الشغيلة كنقابة إصلاحية مساهمة.
إن التشغيل الهش والمناولة متضمنة في مجلة الشغل ما يسمح للمؤسسات العمومية والخواص بالاستغناء عن اليد العاملة بعد مدة عمل دون ترسيم كما يسمح لشركات المناولة التي انتشرت بكثرة وأثرى أصحابها – وأغلبهم على رأسها قيادات أمنية وعسكرية متقاعدة حسب موقع الكتيبة التي قامت بتحقيق حول الموضوع – باستغلال العمال والعاملات وسرقة عرقهم خاصة في مجالات الحراسة والتنظيف والرسكلة وغيرها.
تشغل مؤسسات الدولة من وزارات التعليم والتعليم العالي والبلديات والبنوك العمومية وأغلب المؤسسات والمنشآت العمومية عمالا وموظفين بعقود عمل وقتية مثلما هو حال الأساتذة والمعلمين النواب والعملة والدكاترة الخ كما تشجع الدولة المهن الحرة على التشغيل الهش فيما يسمى عقود التأهيل للحياة المهنية التي تعفي المشغل من دفع الضرائب ولا يدفع سوى جزء من المرتب لا يتجاوز 200 د وتتحمل السلطة دفع بقية الأجرة 200 د وهي أجرة سخرة. كما يتواصل تشغيل عمال الحضائر مما دفع أغلب هذه القطاعات الى النضال منذ مدة طويلة من أجل الحق في الانتداب وهي تتعرض للقمع والتنكيل.
الى جانب ذلك يتم انتداب موظفين وعملة في وظائف تندرج في المهام الاصلية للشركات والمؤسسات والبنوك بصفة غير قانونية عبر شركات المناولة دون أي رقابة لضمان حقوق الأعوان (التغطية الاجتماعية والأجر المحترم والتغطية الصحية والعطلة السنوية وساعات العمل …الخ) وأكثر من ذلك تقوم هذه الشركات بالدعاية في الجامعات العمومية والخاصة لاستقطاب أصحاب الشهادات وتقوم بالحملات الإشهارية عبر وسائل الإعلام الرسمية.
لقد رفعت الجماهير شعار الشغل والحرية والكرامة الوطنية أثناء الثورة وفرضت في فترة الحكومة الانتقالية إدماج كل الأعوان المباشرين قبل 2011 وعددهم 31 ألف عامل وظلت الدولة تمارس التشغيل الهش طيلة 13 سنة منها خمس سنوات في ظل حكم قيس سعيد الذي وعد وأمضى أمرا بتشغيل من طالت بطالتهم قبل الانقلاب ليتنكر لهم بعد ذلك.

ملاحظات حول مشروع التنقيح

يحتوي مشروع التنقيح على نفس الآلية لترسيم الأعوان الوقتيين بالحفاظ على إمكانية فسخ العقد بعد فتري تربص أولى وثانية لمدتين بستة أشهر لكل واحدة وهو ما يسمح بالتخلي عن الأجير بعد انتهاء التربص كما يسمح مشروع تنقيح القانون باستعمال العقود المحددة الزمن في حالات عديدة مثل أوقات ذرة الإنتاج أو في الأعمال الموسمية الخ التي سيتم اعتمادها من طرف أصحاب الشركات بصفة دائمة بدعوى تطبيق القانون.
من ناحية أخرى وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والعجز في الميزانية والالتجاء للقروض الخارجية والداخلية لتسديد العجز وتعدد غلق المؤسسات وطرد العمال فلن تقدر منظومة الحكم على إدماج الـ250 ألف عامل مناولة كما يتساءل المختصون عن كيفية تتفاعل أصحاب الـ 40 ألف مؤسسة صغرى ومتوسطة مع الأمر وهي مهددة بالإفلاس والغلق وضخ مزيد من اليد العاملة إلى البطالة وهل يمكن للسلطة التصدي إلى ما ستلجأ إليه الشركات كما هو حاصل اليوم من التشغيل في اقتصاد الظل ما يعني بدون تغطية اجتماعية ودون التصريح بالأعوان في ظل عدم قدرة وعدم جدية السلطة في الرقابة والمتابعة.

لا كرامة ولا مساواة في ظل الشعبوية

إن الحل الحقيقي لتحسين أوضاع الطبقة العاملة وعموم الكادحين في المدينة والريف ولإلغاء التشغيل الهش والمناولة في اليد العاملة بصفة جذرية يتطلب القضاء على منظومة الحكم الرجعية والتابعة التي تخدم البرجوازية الطفيلية وتفاقم الفقر والبؤس والأمراض والبطالة وعبر إرساء الديمقراطية الشعبية التي تحقق الشغل اللائق والكرامة والسيادة الغذائية وهو ما يتطلب عملا جبارا للقوى الثورية وفي صدارتها حزبها ورفع الوعي الطبقي للطبقة العاملة والفلاحين لتجاوز حالة التشتت ومسك مصيرها بيدها. أن الواقع الموضوعي يؤكد أن الأسباب التي أدت إلى ثورة 2011 متوفرة وأن الغشاوة حول منظومة الحكم بدأت تنقشع تدريجيا.

إلى الأعلى
×