الرئيسية / صوت المرأة / فلسطينيات… في قلب النضال ضد الاحتلال
فلسطينيات… في قلب النضال ضد الاحتلال

فلسطينيات… في قلب النضال ضد الاحتلال

بقلم مريم النوري

حتى وإن ورد النضال مذكرا فإن البندقية رمز الكفاح، رمز المقاومة لا تتخلى عن صيغتها المؤنثة، هن مؤنثات وهن بكل بساطة صانعات للتاريخ، للحاضر وحتى للمستقبل، هن حاملات للبندقية على كتف، حاملات للعهد على كتف آخر، وعلى الكف قابضات على قصفة الزيتون، قابضات على الأرض والجذور والغصون…

الشرارة الأولى… في وجه العدوان

توالت النكبات منذ الاحتلال الفرنسي ولم تتوالى على المرأة الفلسطينية الصامدة في وجه كل أشكال العدوان. إذ ميّز نضالاتها في كل الفترات، انخراطها في المقاومة والعمل السياسي المبكر ممّا جعلها في طليعة حركة التحرر منذ ثورة 1929، معها انطلقت مساءلة نضال المرأة الفلسطينية إلى ما قبل قيام دولة الاحتلال وكانت أهم ركائز النضال ضدّ المستعمر البريطاني منذ عشرينات القرن الماضي فلم تكن المرأة الفلسطينية كما صوّرها الإعلام الغربي الامبريالي ضعيفة تتصدى للمعتدي على الأرض والعرض بالنواح والعويل ولم تقف مكتوفة الأيدي بل كانت وما تزال رائدة في حركة المقاومة.
مثل منتصف العشرينات أوج تطور وعي المرأة الفلسطينية واتحادها وانخراطها في الكفاح، إذ برز فيها تنظم النساء الفلسطينيات في الحراك بعيدا عن كل أشكال العشوائية والعفوية بل كانت منظمة توّجتها سنة 1928 بتأسيس جمعية السيدات العربيات التي مثلت الشرارة الأولى لتنظيم المرأة الفلسطينية لتعقد أواخر العشرينات سنة 1929 مؤتمرا نسائيا بمدينة القدس.
إبّان الانتداب اتّخذ نضال المرأة الفلسطينية، نشاطا منتظما، غير عشوائيا تمثل في المشاركة الفاعلة في المؤتمرات التي كانت تعقد بصورة منتظمة مع قيادات نسائية برزت في المشهد النضالي الوطني ساهمت في رسم المعالم الأولى للكفاح الفلسطيني الشعبي وجزء من حركة التحرير الفلسطينية إذ أيّد المؤتمر النسائي العربي الفلسطيني الأول قرارات الشعب بإلغاء اتفاق بلفور وإجهاض حركة الاحتلال المقنع والتوقف الفوري عن دعم الهجرات والتسللات الصهيونية إلى الأراضي الفلسطينية.
إبّان إعلان انتهاء أشغال المؤتمر النسائي سرعان ما اتّخذت مخرجات المؤتمر قمّة الأخبار على الصحف والعواميد ففي تلك الفترة حسب ما يمكن تحصيله من أرشيف الصحف نجد عنوانا صدر في الصفحة الأولى لصحيفة مرآة الشرق جاء على النحو التالي: “مؤتمر السيدات وطنية السيدات الملتهبة نساء فلسطين وثبن إلى الأمام فليس هناك قوة تقف في سبيلهن” وفي تفاصيل الخبر: “للمرة الأولى في تاريخ فلسطين، يُعقد مؤتمر السيدات، وللمرة الأولى ترفع المرأة الفلسطينية صوتها عاليًا للاحتجاج على الظلم وعلى الاستبداد وعلى وعد بلفور الجائر. فتجلت في هذا المؤتمر أرقى العواطف البشرية وأنبل النفوس وأسمى المبادئ. بدأ المؤتمر الساعة العاشرة صباحًا في بيت عوني بك عبد الهادي بعد أن اكتمل عدد الوفود من أكثر مدن فلسطين، أمّا المدن التي لم تتمكن من إيفاد وفودها، فقد أرسلت عدّة برقيات تؤيد فيها المؤتمر وتفوّض لجنة القدس الإدارية أن تنوب عنها، وقد انتخب المؤتمر رئيستين؛ هما عقيلة عطوفة موسى كاظم باشا الحسيني، وصاحبة الفضل والعفاف الست محفوظة النابلسي. كان أول ما بدأ المؤتمر به أعماله أن وقفت السيدات صامتات مدة 3 دقائق على أرواح الشهداء، فتجلى في هذا الموقف الرهبة والسكون والحزن الصامت وكان المنظر مؤثرًا للغاية.

السلاح والنضال.. واجهة للكفاح

لم يتوقف نضال المرأة الفلسطينية على عقد المؤتمرات بل حشدت المسيرات ونظمت الاحتجاجات ورفعت العرائض إلى المفوض السامي وامتدّ النضال إلى أبعد من ذلك، إلى إمداد حركة المقاومة المسلحة ضدّ الاستعمار البريطاني لا فقط من خلال تزويدها بالدعم المادي بل أيضا بالسلاح وبحشد الشعب حول المقاومة وإمدادها بالحضانة الشعبية التي كانت تستمد منها المقاومة شرعية رصاصتها في وجه المستعمر. فآزرت المعتقلين وعائلاتهم، وشدّت همم عائلات الشهداء وشيّعتهم بالزغاريد الحبلى بصوت الحرية، أثبتت جدارتها وصلابتها في وجه المحن وكانت خير سند لقضيتها وللثوار.
لم يتّسم دور المرأة الفلسطينية بالسلبية أو بالانهزامية فعلى الرغم من النظم الاجتماعية البالية التي تضعها موضع أدني من الرجل وعلى الرغم من التهديد المسلط من المحتل بهدم منزلها واعتقال أفراد عائلتها وحرمانها من رعاية أطفالها، لم تتوانى في الانخراط في الكفاح المسلح ووضع البندقية على الكتف والإصبع على الزناد وتوجه رصاصها نحو المحتل تحت شعار الأرض قبل العرض.
من الصعوبات التي واجهتها هو مجتمعها المحافظ الذي يراقب فيه الأهل بكل دقة تصرفاتها واعتبارها مخلوقا ضعيفا يحتاج إلى الحماية، تلجأ في أغلب الأحيان إلى إخفاء الانتماء إلى المنظمات خشية منعها من مواصلة نضالها.
تنامى دور المرأة الفلسطينية أكثر فأكثر بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني وانطلقت أكثر في كسر الأعراف الاجتماعية، فقد شعرت أنّ الاحتلال يهدد كيان شعبها ووجوده على أرضه، عانت المعتقل وخرجت منه أكثر إصرارا وقناعة على مواصلة النضال في سبيل تحرير شعبها.
انتمت مجموعة من النساء الفلسطينيات في نابلس إلى فرق التدريب على السلاح بين العامين 67 و68 وانتظمت فرق لمقاومة الاحتلال في الداخل المحتل وكانت أسماء عديدة في مقدمتها وقيادتها منهن فاطمة برناوي التي دوّنت أول عمليات المقاومة بتفجير سينما تسيون الصهيونية، اعتقلت فيما بعد هي وكل أفراد عائلتها وحكم عليها بالسجن المؤبد.
من الجدير بالذكر أن المرأة الفلسطينية بعد 1967 لم يشهد نضالها اختلافا في وتيرة الكفاح بين المرأة الغزاوية وفي الضفة بالعكس قد تنامي أكثر فأكثر سنة 1968 وبلغ أوجه سنة 1969 عبر اعتراض مركبات العدو بالعبوات الناسفة والعبوات الحارقة “مولوتوف” والعمليات الفدائية التي ميّزت العمليات في الداخل.
عملية اختطاف الطائرة الصهيونية، فبينما كان الرصاص على الأرض كانت ليلى خالد في السماء تخطف الطائرات تبث في قلوب الصهاينة أشد الرعب تدفعهم إلى جحورهم ومخابئهم، تنذرهم النيران الحمراء التي تسقط على رؤوسهم المذلة.

تلد النضال وتربّيه

القضية الفلسطينية، قضية المرأة، قضية امرأة أبت أن تذلّ وأن تخسر كيان شعبها، قضية امرأة شاركت في النضالات بكل أشكالها وقادت مسيرات واحتجاجات شعبها، منذ انطلاق الاحتجاجات سنة 1969، محطات 1971 وإضرابات الجوع في السجون، 1974 ومساندة نساء العالم النصيرات للقضية، لم تكن منغلقة على واقعها فقط بل كانت تحمل قضية شعب تصدرها إلى العالم كله تعطيها طابعها الأممي، كل هذه المسيرة لا يمكن أن تخفي الجانب الآخر من صلابتها، فالمرأة الفلسطينية هي عماد المجتمع الفلسطيني فهي تلد الثوار وتربّيهم على المقاومة وتزرع فيهم الثقافة الوطنية والانتماء للأرض وغصن الزيتون، لم يترك الاحتلال الرجال في حالهم بل كان يزجّ بهم في سجونه خشية انضمامهم إلى المقاومة والكفاح المسلح، لم تترك المرأة الفلسطينية وحدها بل التفت حول نفسها في مجمعات نسائية لتعليم الاقتصاد المنزلي والحرف اليدوية لتعويض غياب أزواجهن وأبنائهن، تربّي أجيالا قادمة من المقاومين للاحتلال، فهي الشاكرة الوطنية الحية وهي غصن الزيتون الحي، فالمرأة الفلسطينية تزرع الوطنية والارتباط بالأرض كما تزرع أعواد الزيتون، فمهما حاول الاحتلال أن يثنيها عن النضال بالتهديد والاعتقال والتشريد تبقى محافظة متشبثة حالمة بالتحرر.
على الرغم من أنّ تاريخ القضية الفلسطينية لم يذكر الكثير عن دور المرأة الفلسطينية حركة التحرر الوطني وبلغ إلى حدود تهميشها في بعض المحطات الفارقة في تاريخ القضية إلا أنه لم ولن يكفي لمحو صلابة امرأة اتخذت النضال منهجا وأرضها وشعبها دينا، فمهما همّش دورها في كتب التاريخ ومهما صورها الإعلام الامبريالي على درجة من الضعف لا تزال إلى اليوم تضرب عنوانا للمقاومة والفدائية.

إلى الأعلى
×