الرئيسية / صوت النقابة / العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال
العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال

العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال

بقلم جيلاني الهمامي

مفهوم أن يسود الساحة النقابية كغيرها من الساحات والفضاءات خلال شهر رمضان الركود والكساد، رغم أنه كان من المفروض أن تكون نشيطة ومتحركة لأكثر من سبب وبالأخص منها الأزمة الداخلية التي عرفتها القيادة النقابية، وبالتالي المنظمة ككل، منذ الصائفة الماضية. ويُنْتَظرُ اليوم، وقد انقضى شهر الصّيام، أن تعود الحياة إلى سالف حركتها وأن تستأنف كل الأطراف المتصارعة على الساحة النقابية نشاطها ذلك أن تعليق صراعاتها قبيل حلول شهر رمضان لم يكن على معنى طي الصفحة بشكل نهائي. ولا نخال أن الإعلان عن حل الاعتصام من قبل خماسي المكتب التنفيذي كان يعني بالنسبة إليهم التخلي عن مطالبهم. بل بالعكس فقد نادوا يوم الخروج من الاعتصام إلى انعقاد الهيئة الإدارية الوطنية في أجل لا يتجاوز منتصف شهر مارس المنصرم وهو ما لم يحصل ويمثل مدعاة إلى عودة الصراع بهذه الدرجة أو تلك من القوة وإن على سبيل ممارسة الضغط فحسب. وكانوا أيضا وعدوا بـ “إطلاق مبادرة للإنقاذ تحترم ضوابط القانون الأساسي للمنظّمة ونظامها الدّاخلي يَتِمُّ طرحُها داخل الأُطر القانونية لضمان نجاحِها” وهو ما لم نَرَ له أثرا أيضا ولا نعلم ما إذا تمّ صَرْفُ النظر عنه أم أنّه تعطّل فقط بسبب شهر رمضان.
ومن جهة أخرى كان معتصمُو “المعارضة النقابية” قد رفعوا اعتصامهم أياما قليلة بعد انتهاء اعتصام الخماسي مبررين ذلك بأن الاعتصام كان “مجرّد محطّة من المحطّات ستليها محطات عديدة” ما يعني أنهم عائدون للنضال بعد أن “يسترجعوا أنفاسهم لمواصلة النضال بأشكال أخرى وبكل الأشكال المشروعة”.
ومعلوم أن ما جدّ من تطورات خلال شهر رمضان قد يكون له تداعياته على الوضع النقابي بهذا القدر من التأثير أو ذاك. فكمال المدوري الوزير الأول السابق، والذي حسبما راج في الأوساط النقابية، كانت قيادة الاتحاد تعوّل عليه في إصلاح ذات البين في علاقة الاتحاد وقيس سعيد، تمت تنحينه وبالتالي ضاعت، برحيله فرصة عودة قنوات الاتصال بين الاتحاد والحكومة وضاعت فرصة إمكانية فتح باب المفاوضات من جديد حول الزيادة في الأجور والملفات القطاعية المتكاثرة والتي تَحْدُثُ بصددها توترات متزايدة. فهل ستستمر القيادة النقابية في اتباع سياسة الصمت حيال سياسة الدولة مع الملفات الاجتماعية التي يرتبط بها وجود النقابات ومصيرها أصلا؟
وبصرف النظر عن كل هذا فإن المتتبع للحياة النقابية لا يمكن أن يمنع نفسه من طرح السؤال التالي: هل انتهت الأزمة النقابية؟ وإن كان ذلك صحيحا كيف انتهت وكيف يرتسم الوضع النقابي الجديد، أي وضع ما بعد الأزمة؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة هو الذي سيبدّد الغموض الذي يكتنف الأوضاع النقابية اليوم بعد شهر من “الهدنة الداخلية” المؤقتة، علما وأن غرة ماي عيد العمال العالمي، المناسبة النقابية الأبرز، على الأبواب.
معلوم أن عنوان أزمة الاتحاد الحالية هو انشقاق المكتب التنفيذي إلى شقين ومن ورائه كامل هياكل الاتحاد القيادية على وجه الخصوص (الهيئة الإدارية الوطنية والمكتب التنفيذي الموسع الخ…). ومازال هذا الانقسام بنفس درجة الحدة التي عرفها قبل شهر رمضان وقبل فك الاعتصام. وقد جاء في رسالة الأمين العام إلى بعض الهياكل الوسطى (اتحادات جهوية…) أن المكتب التنفيذي المجتمع يوم 25 مارس الماضي(1) سجّل غياب الخماسي كالعادة (منذ المجلس الوطني الفارط أي منذ أكثر من 6 أشهر). ما يعني أن أعلى مؤسسة قيادية في الاتحاد مازالت تعمل بثلثيها فقط فيما يقاطع ثلثها الآخر كافة أشغالها. وما يعني أيضا أن الأزمة مازالت تراوح مكانها. ومن جهة أخرى فإن هذا الثلث الذي قام باعتصام في مقر المنظمة وأرسل للعالم قاطبة ما مفاده أن الاتحاد منقسم الصفوف ويتخبط في أزمة كبيرة كان عند فك اعتصامه طالب بعقد هيئة إدارية كمنطلق لمعالجة الأزمة وتجاوزها. وهو ما لم يستجب له بقية الأعضاء (العشرة بقيادة الأمين العام) ولا يبدو بحسب الرسالة التي بعثها الأمين العام لبعض الاتحادات الجهوية أنه سيلبي هذا الطلب وبالتالي لن يعقد الهيئة الإدارية إلا متى رأى ذلك حيث جاء في النقطة الخامسة من الرسالة المشار اليها “النقاش حول تحديد موعد لعقد هيئة إدارية وطنية مسبوقة بمكتب تنفيذي موسع ومجلس القطاعات”.
ما يستشف من هذا أن المكتب التنفيذي (الشق الأغلبي) ليس منزعجا من استمرار الانقسام صلب المكتب التنفيذ ولا يرى ما يدعوه للتعجيل بعقد الهيئة الإدارية على الأقل للتأشير على أنه يسعى وراء كل ما من شأنه أن يخفف من حدة الأزمة. وفي ضوء ذلك يصبح الحديث عن “تحديد الصيغ والإجراءات للتعبئة من أجل فرض استحقاق المفاوضات الاجتماعية في ظل تهرّب بقية الأطراف الاجتماعية ورفضها للحوار” حديثا غير ذي معنى. ألا يعلم “مجوعة العشرة” أن بقية الأطراف الاجتماعية، الحكومة واتحاد الأعراف، سيظلان يتهربان من الحوار طالما أن الاتحاد في أزمة؟ ألا يعلمون أن هذه الأطراف يتصيدون مثل هذه الفرص حتى ينسفوا أسس أي حوار اجتماعي وينكرون على العمال أبسط الحقوق ويتراجعون في كل المكاسب بما في ذلك مكسب المفاوضات؟ ألا يدركون أنه لن يكون بمقدور الاتحاد القيام بـ”التعبئة” اللازمة “من أجل فرض استحقاق المفاوضات الاجتماعية” وهو منقسم الصفوف وفاقد للمصداقية في نظر قواعده وإطاراته كما في نظر الرأي العام ككل؟
يعاني العمال وسائر الكادحين من غلاء المعيشة وتدهور مقدرتهم الشرائية ومن فقدان العديد من المواد الأساسية ومن تردي خدمات النقل في المدن الكبرى وبين المدن ومن غلاء الأكرية وآثار المضاربة والسمسرة في هذا القطاع كما يعانون من تردي خدمات الصحة في المستشفيات العمومية والمستوصفات ومن سوء خدمات التغطية الصحية ومن تردي توعية التعليم وجسامة تكاليف التعليم الموازي والخاص ونفقات الدروس الخصوصية وتكاليف رعاية الأطفال وغياب المحاضن والروضات ومن صعوبات أخرى كثيرة ومتنوعة في علاقة بجوانب كثيرة من حياتهم. وتتفاقم هذه المصاعب مع انحباس المفاوضات الاجتماعية التي كانت تتولى ترقيع الأوضاع بزيادات تمنحها الدولة وأصحاب المؤسسات باليد اليمنى ويسحبونها باليسرى عبر العديد من الأساليب والإجراءات ولكنها ومهما كان من أمر كانت تخفف من أوجاع الفقر والفاقة ولو لحين. واليوم ومنذ 2021 تنكّرت الدّولة في ظلّ حكم قيس سعيد لسياسة التفاوض والحوار الاجتماعي التي أَرْسَتْهَا تشريعات الشغل وتاريخ طويل من العلاقات بين الأطراف الاجتماعية منذ منتصف السبعينات. قابلتها البيروقراطية النقابية بالتقوقع والانكفاء على الذات والسكوت المرادف للتواطؤ.
فماذا في جعبة المكتب التنفيذي ليقدمه الشغالين في التجمع العمالي الذي تقرر تنظيمه يوم غرة ماي القادم؟ هل سيكتفي بالتشكي من مماطلة الأطراف الاجتماعية وتجاهلهم مراسلات الاتحاد مثلما جاء في مداولات مجمع القطاع الخاص يوم 3 أفريل الجاري؟ أم هل سيعترف على رأس الملأ بمسؤوليته في النكبة التي عاشتها وتعيشها الحركة النقابية واتحاد الشغل في ظل قيادته؟ أم سيستمر في الهروب إلى الأمام غير عابئ بكل ذلك، لا يهمه إلا المصالح الشخصية “لزعماء” لم يبق لهم من الشرعية غير ما ضمنوه في النظام الداخلي المنقلب عليه في “بدعة” المؤتمر غير الانتخابي وما راكموا من خبرة في التعلق بالكرسي؟
إن غدا لناظره قريب، وغدا غرة ماي 2025 وسنرى.
(1) لم يصدر الاجتماع كما جرت العادة بيان المكتب التنفيذي حول فحوى هذا الاجتماع وقراراته.

إلى الأعلى
×