الرفيق بريان بيكر، الأمين العام لحزب التحرر والاشتراكية بالولايات المتحدة الأمريكية:
إدارة ترامب تتزعم الفاشية الجديدة المتصاعدة، والعدوان الصهيوني والامبريالي سيؤدي إلى نهوض الحركة الثورية العربية والأممية
تواصل “صوت الشعب” لقاءاتها مع قادة الحركة الثورية الأممية، والحوار هذه المرة مع الرفيق “بريان بيكر” الأمين العام لحزب التحرر والاشتراكية بالولايات المتحدة الأمريكية، هذا الحزب الذي عرف بالنشاط الدؤوب لمناضلاته ومناضليه دفاعا عن الحقوق الأساسية للطبقات والفئات المضطهدة، وساهم في التعبئة الجماهيرية للتحركات المناهضة للعدوان الصهيوني والامبريالي على الشعب الفلسطيني وقاد العديد من الأنشطة التي تصادمت مع الامبريالية في عقر دارها. الحوار حاول ملامسة أهم انشغالات الحركة الثورية العالمية في المدة المنقضية سواء بعودة ترامب إلى البيت الأبيض وما رافقه من تحولات في السياسة الأمريكية المحلية منها والخارجية وخاصة من جهة المخاطر المتصاعدة على السلم سواء بدعم العنجهية الصهيونية أو بالتدخل في كل مناطق العالم لفرض الانصياع للإرادة الأمريكية تحت وقع التهديد والتلويح بالقوة.
استنادا إلى المواقف الثورية الواضحة من سياسات رأس الامبريالية العالمية، ومن فم الغول الأمريكي الكاسر، أجاب الرفيق “بريان بيكر” مشكورا على أسئلتنا.
الرفيق بريان، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض شرع في اتخاذ عديد الإجراءات والقرارات تشمل جميع القطاعات، كيف تقرؤون هذه الإجراءات، وما هي انعكاساتها المحلية والدولية على الولايات المتحدة؟
لقد كانت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عنصرا مهما في التغيير الحاصل على المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة وسيكون له تأثير عميق على السياسة العالمية. ففي داخل الولايات المتحدة، يحاول فريق ترامب انتزاع أو محو أو التراجع عن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي أنجزتها حركة الحقوق المدنية الجماهيرية التي هزت الولايات المتحدة بين عامي 1955 و1970. فخلال السنوات الست الأخيرة من تلك الفترة الزمنية، كان السود الأمريكيون، الذين بلغ عددهم عشرات الملايين، في حالة تمرد وعصيان فعلي. وأدت حركات التمرد الهائلة في عام 1964 في مدينة نيويورك، وفي عام 1965 في لوس أنجلوس، وفي عام 1967 في نيوارك بنيو جيرسي وديترويت في ميشيغان؛ وغيرها من المناطق الحضرية، إلى نشر القوات العسكرية الأمريكية في العديد من أهم المدن داخل الولايات المتحدة. عندما اغتيل الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور في 4 أفريل 1968، كانت أكثر من 120 مدينة مسرحًا لأعمال تمرد من قبل مجتمع السود. في السنوات التي تلت ذلك، فرضت على الحكومة الأمريكية العديد من التنازلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كان لها أثر في توسيع نطاق الحقوق الديمقراطية داخل الولايات المتحدة، ليس فقط لمجتمع السود، بل أيضًا للنساء والتجمعات المضطهدة الأخرى، كما أدت أيضا إلى فرض قانون جديد يمنع الشركات الأمريكية من تلويث المياه والهواء كما كانت تفعل.
يهيمن على حكومة ترامب الأيديولوجيون اليمينيون الذين يمثلون القطاع الأكثر رجعية من الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الولايات المتحدة، وأجندتهم المحلية الأساسية هي القضاء على كل تلك الحقوق والمكاسب التي افتكتها الجماهير بعد عناء وتضحيات النضال في الستينيات، أو استعادتها بعد نضالات عنيدة. وعلى الصعيد الدولي، تتسم سياسة ترامب الخارجية أيضًا بالرجعية الشديدة ولكنها تختلف عن السياسة الخارجية للمحافظين الجدد لإدارة بايدن. لقد اتجه بايدن وفريقه في السياسة الخارجية الى أن الولايات المتحدة يمكن أن تضرب روسيا بالهراوة لإخضاعها، وأن العقوبات القاسية وتوسيع حلف الناتو سيؤدي إلى تغيير النظام داخل روسيا. لقد كانوا يأملون في عودة حكومة شبيهة بحكومة يلتسين في روسيا التي كانت تعمل كمستعمرة جديدة بحكم الأمر الواقع للإمبريالية الأمريكية. في المقابل، تقوم سياسة ترامب الخارجية على التسليم بفكرة أن قطع رأس روسيا وتحويلها إلى مستعمرة جديدة غير قابلة للتحقيق. يعتقد ترامب أن روسيا قوة كبرى لها مصالح وطنية يجب الاعتراف بها وأن الولايات المتحدة يمكن أن تنخرط في تحرك دبلوماسي تجاه روسيا. وهذا في أحد معانيه اعترافٌ بأن العالم قد أعيد تشكيله إلى ما يُعرف جماهيريا بـ” التعددية القطبية“ في مقابل ”الأحادية القطبية“ التي سمحت للولايات المتحدة بممارسة هيمنة غير منقوصة في السياسة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
ترامب يعود إلى الوراء في اتجاه الجناح ”الواقعي“ من الطبقة الحاكمة الذي كان يتجسد سابقًا في التوجهات السياسية لهنري كيسنجر ونيكسون. كما يأمل ترامب وفريقه في إبعاد روسيا عن شراكتها الاستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية. وهم يلوحون أمام بوتين باحتمال عودة روسيا إلى مجموعة السبع. نحن في المرحلة المبكرة من هذه العملية، ولكن افتراضنا هو أن ترامب سيفشل في كسر العلاقة بين الصين وروسيا. وكما نرى من خلال أحداث الساعات والأيام الماضية، فإن سياسة ترامب الخارجية تركز أيضًا على تدمير الشعب الفلسطيني. ومن الصعب أن نتصور سياسة أكثر وحشية من سياسة إدارة بايدن تجاه الشعب الفلسطيني، ولكن ترامب مستعد لتجاوز الإدارة السابقة في تبنيها العلني لحرب الإبادة الجماعية المتصاعدة التي يشنها النظام الصهيوني.
تزامن انتخاب ترامب مع بوادر تغيرات عالمية هامة، بما في ذلك صعود الفاشية الجديدة في العديد من الدول الغربية والتهديدات بالتدخل والعدوان. كيف تقرؤون اتجاه هذه التطورات محليا وعالميا؟
يروج ترامب وموسك وجي دي فانس وبيت هيغسيث وشخصيات بارزة أخرى داخل إدارة ترامب الحالية علنًا للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا اللاتينية. وهذا يمثل تغييرًا في السياسة الخارجية الأمريكية. ففي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة، تصور صانعو السياسة الأمريكية نظامًا عالميًا جديدًا يقوم على إدخال الطبقات الحاكمة في أوروبا واليابان تحت وصاية الإمبريالية الأمريكية. وسمح هذا الترتيب للقوى الرأسمالية الأخرى بالوصول إلى السوق العالمية، ولكن على أساس أن تعمل هذه القوى كشركاء صغار للإمبريالية الأمريكية في حربها ضد المعسكر الاشتراكي، وأن تمنع صعود المنظمات الشيوعية اليسارية أو عودة ظهور القوى القومية اليمينية المتطرفة التي قد تسعى إلى إعادة عسكرة بلدانها والسعي إلى مسار مستقل عن الإمبريالية الأمريكية. يحاول ترامب وفريقه الحفاظ على الهيمنة الأمريكية، ولكن على أساس مختلف. فهم يريدون تشكيل تحالف قائم على السياسات اليمينية المتطرفة، وبالتالي، فهم يريدون رفع الحظر المفروض على دعم الولايات المتحدة للأحزاب اليمينية المتطرفة وشبه الفاشية في أوروبا.
يشهد الشرق الأوسط تحولات كبيرة تمهد الطريق لإعادة تشكيل المنطقة. كيف تنظرون إلى هذه التغيرات، وما هي انعكاساتها على صراع القوى العالمية من اجل الهيمنة؟
لقد أنهى الكيان الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة. وقد فعل ذلك بدعم كامل من إدارة ترامب. وترامب ملتزم بالتطهير العرقي لغزة والإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني. ولأن معظم الأنظمة في العالم العربي لم تبدِ أي مقاومة لا للعدوان ولا للدعم الامريكي، فإن ترامب ونتنياهو يشعران بالحرية الكاملة لفعل أي شيء. كان إسقاط نظام الأسد في سوريا مشروعًا رئيسيًا طويل الأمد للإمبريالية الأمريكية. وقد ساعد تحقيق هذا الهدف على تغيير علاقة القوى في المنطقة لصالح الإمبريالية والصهيونية. فرغم اغتيال قاسم سليماني وتمزيق ما يسمى بالاتفاق النووي، توصلت إدارة ترامب الآن إلى استنتاج مفاده أن إيران قوية بما فيه الكفاية بحيث لا يمكن تدميرها بسهولة. في الأسابيع الأخيرة، طرح ترامب إمكانية استئناف المفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكن الحكومة الإيرانية رفضت هذه المبادرات. إن غطرسة ترامب الإمبريالية المكشوفة تجاه إيران واضحة جدًا لدرجة أنه من الصعب على أي حكومة إيرانية أن تأخذ عرضه للتفاوض على محمل الجد.
كيف تنظرون إلى دور القوى الثورية والتقدمية في دول المركز والدول التابعة على حد سواء، وما هي رسالتكم إلى القوى الثورية والشعوب العربية؟
نحن نعتقد أن جماهير الشعوب هي التي ستحدد النتيجة التاريخية للصراع في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع. وهذا ليس مجرد ادعاء بلاغي. ما على المرء إلا أن ينظر إلى التاريخ ليرى أن التغيير الاجتماعي الفعلي والعميق والتحول الجذري يحدث بفعل أفعال جماهير الشعوب. هذه عملية طويلة ومعقدة، وعادةً ما تبدأ بصراعات داخل قطاعات النخبة صُلب الطبقة الحاكمة في أي مجتمع، ولكن عندما تصل الجماهير العريضة من الشعب إلى المسرح السياسي يحدث التغيير الحقيقي. إن نضال الشعب الفلسطيني هو اليوم مركز الحركة العالمية المناهضة للإمبريالية. إن صموده هو مصدر إلهام لجميع المضطهدين الذين يسعون إلى التحرر. لقد عانت القوى اليسارية الثورية والشيوعية في العالم العربي والمغاربي من انتكاسات كبيرة خلال العقود الأخيرة. ولكن هذا يشمل أيضا جميع أنحاء العالم، وليس فقط المنطقة المغاربية والعربية.
نحن على ثقة بأن الصعوبات والتحديات العالقة الناجمة عن وجود النظام الإمبريالي ستؤدي حتما إلى نهوض القوى الاشتراكية والثورية والشيوعية في المنطقة العربية والمغاربية وفي جميع أنحاء العالم. إننا نشهد انتعاشاً للحركة الاشتراكية داخل الولايات المتحدة. إن حزبنا ينمو بشكل نشيط. في العام الماضي هزت الولايات المتحدة حركة جماهيرية متضامنة مع شعب فلسطين. والأهم من ذلك أنها حركة شبابية ربطت بين نضال الشعب في غزة والنضال الخاص ضدّ تزايد الفقر وعدم المساواة والتشرد وغيرها من الأزمات التي تسببها الإمبريالية داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
حاوره علي الجلولي