بدعوة من الاتّحاد العام لطلبة تونس وانخراطا في النّداءات الفلسطينية والأممية لتنظيم إضرابات عامّة في مختلف أنحاء العالم رفضا لمجازر الإبادة الوحشيّة التي يرتكبها الكيان النازي ضد الشعب الفلسطيني لمدّة عام ونصف ومطالبة بوضح حدّ لها، خرجت يوم الاثنين 7 أفريل 2025 عديد المسيرات الطلّابية في العاصمة وفي أغلب جهات البلاد شارك فيها إلى جانب الطلّاب تلامذة المعاهد الثانويّة. وقد مثّلت هذه التحرّكات استفاقة فعلية للشّبيبة التونسية وربطا بإرثها النضالي التاريخي العظيم كلّما تعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية. لقد تحرك الشارع التونسي خلال العام ونصف المنصرم لكنّ هذه التحركات التي ساهم فيها الطلاب والأحزاب التقدمية ظلّت ضعيفة ولم ترتق إلّا في مناسبات محدودة لمستوى الحدث. لكنّ الاستجابة لدعوة الاتحاد العام لطلبة تونس كانت هذه المرّة واسعة فتحرّك الطلّاب في كل الأجزاء الجامعية بما فيها الأجزاء التي كانت منشغلة بإجراء امتحانات ولم تتوان هياكل الاتحاد عن التنسيق مع نقابات الأساتذة والموظفين والعملة في استعادة لتقاليد نضاليّة عملت الرجعية على وأدها. وقد توجهت المسيرات إلى ساحات المدن وإلى المؤسسات المطبّعة والداعمة للكيان الغاصب وفي مقدمتها “مغازة كارفور” وفروعها الجهوية.
لقد استعاد تقدميو تونس وأنصار الحركة الطلابية ومنظمتها النقابية الثقة في كون الحركة الطلابيّة والشّبابية التّونسيّة لا تقلّ جرأة ولا شجاعة عن الحركة الطلابية العالمية التي أبلت بلاء نضاليا رائعا في أغلب دول المراكز الامبريالية وفي العديد من بلدان “الجنوب” من بينها بعض البلدان العربية مثل الأردن والمغرب. لقد دبّ الشكّ طوال فترة من الزمن في إمكانية استعادة الحركة الطلابية التونسية ومجدها ودورها الريادي عربيا وأمميّا في الوقوف إلى جانب القضايا العادلة ومنزلة الدكتاتورية في الداخل. وفي سياق حالة الشكّ هذه تسربت أفكار اليأس والإحباط لضرب العزيمة لدى قطاع مهمّ من الشعب التونسي ونخبه، وهي أفكار طالما حرصت القوى الرجعية من السلطة إلى القوى الدائرة في فلكها على ترويجها كي تسهّل عملية ترويض قوى الرفض والاحتجاج في المجتمع وهي تعي جيدا دور الطلّاب والنّخب التّقدميّة عموما في شدّ أزر الطّبقات المسحوقة والكادحة ودعم القضايا العادلة قوميّا وأمميّا خاصّة في حالات الجزر والتّراجع.
لقد أثبتت التّجربة في كل البلدان أهمّية حضور الشّباب في الحراك الاحتجاجيّ والنّضالي لإسناد الشّعب الفلسطيني الذي تحالفت ضدّه كل الامبرياليّات وعلى رأسها الولايات المتحدة وأغلب الأنظمة التابعة والرجعية في العالم وفي مقدمتها الأنظمة العربيّة. إن الشعب الفلسطيني يجد إلى جانبه بعض الأنظمة التقدمية خاصة في أمريكا الجنوبية (كوبا، فنزويلا، بوليفيا،كولمبيا، الشيلي..) أو إفريقيا (جنوب إفريقيا)، ولكن الثابت في حركة الإسناد هو إسناد الشعوب والقوى التقدمية وتضامنها. وأن يكون الشعب التونسي وقواه التقدمية وشبابه ونساؤه وعماله ومثقفوه إلى جانب فلسطين فهذا هو الوضع الطبيعي الذي تعمل السلطة على ضربه. إنّ الشعبوية الحاكمة تغالط الشعب بشعارات فضفاضة حول فلسطين، لكن عورتها انكشفت حين تدخل قيس سعيد شخصيا لإيقاف النظر في قانون لتجريم التطبيع معتبرا إياه مضرا بمصالح تونس، وهو بذلك يكون قد مارس بالضبط مثل أسلافه حكام النهضة والنداء الذين رفضوا النظر أصلا في مشروع القانون بنفس التعلة، وهو ما يؤكد جوهرهما المتماثل.
لقد أثبت شباب تونس بهبته البطولية أنه حيّ ويقظ وله مبادئ وقيم وهو منحاز لفلسطين شعبا وقضية ومقاومة، ولقد كانت الكلفة غالية يوم 7 أفريل إذ قدمت الحركة الطلابية شهيدا هو الطالب فارس خالد، شهيد الراية الفلسطينية والذي قرر الاتحاد العام لطلبة تونس أن يحول ذكراه إلى يوم سنوي للراية الفلسطينية، وقد عبرت عديد الفعاليات الطلابية العربية والأممية انخراطها في هذا التخليد في أفق اليوم الأممي للشباب المساند لفلسطين. وللتذكير فان هبة الشباب الطلابي قد تزامنت مع إحياء الشعب التونسي للذكرى 87 لذكرى أحداث 9 أفريل 1938 التي خرج فيها الشعب التونسي بقيادة شبابه ومشاركة واسعة لنسائه و كادحيه إلى الشوارع للمطالبة ببرلمان تونسي وحكومة وطنية وهو ما واجهته الإدارة الاستعمارية بالرصاص إذ سقط عشرات الشهداء في سبيل تحرر تونس وانعتاقها وتمتع شعبها بسيادته وهو ما لم يتحقق بعد رغم التضحيات الكبيرة أثناء الاستعمار المباشر وبعده وبعد الثورة التي التفت عليها كل القوى الرجعية بما فيها الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تجثم اليوم على صدر الشعب التونسي.
لقد حقق الشباب الطلاب والتلمذي يوم 7 أفريل إنجازا هاما والمهم اليوم الحفاظ عليه وتطويره لتستعيد الحركة الشبابية التونسية بريقها وهو أمر ليس صعبا إذا توفر الوعي والإرادة.
