لم تخل الجلسة الثانية لما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة التي انعقدت اليوم 11 أفريل 2025 بالمحكمة الابتدائية تونس 1 من الأجواء المشحونة المتسّبب فيها رأسا منظومة الانقلاب الفاشية. فقد عمدت مرة أخرى إلى تغييب “المتّهمين” و إجراء المحاكمة عن بعد وهو ما حمل هؤلاء مرة أخرى على رفض المشاركة في هذه المهزلة كما حمل لسان الدفاع على التنديد برفض مطلبهم الذي قدّموه في الجلسة الأولى القاضي باحترام شروط المحاكمة العادلة وإحضار منوّبيهم كي يتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم أمام الرأي العام ووسائل الإعلام والردّ على التهم الخطيرة الملفقة ضدّهم.
ولم تكن ظروف الجلسة الثانية أفضل من ظروف الجلسة الأولى بل كانت أفظع منها بكثير، فخلافا للجلسة السابقة تمّ فرز الحضور. أغلق البوليس كافة المنافذ المؤدّية إلى قاعة الجلسة وكان مصحوبا بقائمة اسمية فيها أسماء الأشخاص الذين سيسمح لهم بمتابعة الجلسة. لقد تمّ السماح بحضور فرد واحد عن كل عائلة “متهم” وحتى هذا الإجراء لم يقع احترامه، إذ منعت زوجة نور الدين بوطار مدير إذاعة موزاييك من الدخول كما حاول البوليس منع عز الدين الحزقي والد جوهر مبارك من الدخول مطالبا إيّاه بالاستظهار ببطاقة هوية ولمّا بطلت هذه الذريعة طلب منه البوليس الذي كان يتصرّف في المحكمة كأنها مركز شرطة نزع تبّان كان يحمل صورة ابنه ولم يقع السماح له بالدخول إلّا بعد مشادات طويلة. كما منع ابن غازي الشواشي من الدخول بذريعة أنّ والدته قد دخلت إلى القاعة ولم يسمح له بالالتحاق بالقاعة إلا بعد أن غادرت، وفي الوقت الذي سمح لممثّلي عن السفارات الأجنبية والمنظّمات الدولية بالدخول فقد منع عدد من الصحافيين التونسيين من دخول الجلسة من بينهم جيهان علوان عن الإذاعة الوطنية و زياد الهاني ومنية العرفاوي عن جريدة الصباح وخولة بوكريم عن موقع تونس ميديا ولطفي الحاجي مدير مكتب الجزيرة بتونس أمام صمت بعض زملائهم الذين لم يحتجّوا عمّا حصل، كما منع عدد من ممثلي المنظمات الحقوقية والأحزاب التونسية من الدخول وتعلّل البوليس بأنّه يطبّق التعليمات، والأخطر من ذلك كلّه أنّ أعوان البوليس الذين كانوا يسدّون الباب في وجه القادمين إلى الجلسة لم يتورّعوا في أكثر من مرة عن مطالبة المحامين ببطاقتهم المهنية وهو ما دفع بهؤلاء إلى الاحتجاج.
الصحافيون ممنوعون من دخول قاعة الجلسة تنفيذا للتعليمات
تعرّض عدد من الصحفيين والصحفيات للمنع من دخول قاعة الجلسة لتغطيات الحدث من قبل أعوان الأمن تنفيذا للتعليمات كالعادة. وهو ما اعتبرته نقابة الصحافيين سياسة تمييزية تمارسها المحاكم التونسية بين وسائل الإعلام تمسّ بمبدأ علنية الجلسات والمرافعات المنصوص عليها بالفصل 143 من مجلة الإجراءات الجزائية. كما ندّدت في بيان أصدرته بضرب مبدأ علنية الجلسات، منبّهة الرأي العام إلى خطورة هذه الممارسات التي تمسّ من حقهم في الحصول على المعلومة في ملفات تهمّ الرأي العام وذات أهمية سياسية وحقوقية كبيرة.
محاكمة صورية ترعب النظام
وكانت قوات البوليس قد تدخلت يوم أمس 10 أفريل 2025 بشكل تعسفي ودون أيّ موجب قانوني أو إذن قضائي لمنع تنظيم محكمة صورية بفضاء الريو بالعاصمة بمبادرة من مجموعة من الجمعيات والمنظمات الحقوقية وهو ما يعدّ سابقة خطيرة ومؤشّرا إضافيا على تصاعد القمع الذي لم يعد يستثني أحدا حتى المبادرات الرمزية.
وأكّد البيان الصادر عن المنظّمات والجمعيات أنّ ما حدث هو امتداد لسياسات الترهيب والقمع التي تمارسها السلطة الحالية ضدّ كلّ صوت حرّ وضدّ كلّ مبادرة حقوقية خارجة عن مسار الولاء والطاعة، داعين جميع مكونات المجتمع المدني في ذات السياق إلى اليقظة والتحرّك المشترك من أجل التصدّي لهذا الانحدار الخطير في الحريّات والعمل على ضمان عدم تكرار مثل هذه الاعتداءات في حق أيّ فضاء ثقافي أو حقوقي.
إنّ هذا الخوف المتواصل من منظومة الانقلاب يعكس بشكل واضح لا ريبة فيه هشاشتها واضطرابها أمام الأصوات المعارضة التي تسلّط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لمنظومة العدالة وتطالب بحماية الحقوق والحريات التي ناضل من أجلها الشعب التونسي. فمن المتوّقع وفقا لمصادر مختلفة أن تكون الجلسة الثالثة التي ستنعقد الأسبوع المقبل يوم 18 أفريل الجاري جلسة لإصدار أحكام ستكون قاسية بحقّ “المتّهمين”.