الرئيسية / عربي / ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام

ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام

بقلم حبيب الزموري

كان طول أمد العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني كافيا لسقوط أوراق التوت عن عدد كبير من المثقفين والمحللين وما يصطلح على تسميته في عصر المعلومات بصناع الرأي والمحتوى، حيث تواترت في الآونة الأخيرة التدوينات والمقالات المعبّرة تلميحا أو تصريحا بعبثية المقاومة والمعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني دفاعا عن حقوقه الطبيعية والتاريخية المهددة بالتصفية الفعلية، وقد وصل بهم الانحطاط إلى تحميل المقاومة الفلسطينية الباسلة مسؤولية الدمار والتشريد والتجويع والتهجير الذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة.
وقد كان رئيس ما يسمّى بالسلطة الفلسطينية محمود عباس قد أعطى إشارة الانطلاق لهذه الأطروحات المتهافتة بتصريحاته المخزية في اجتماع الجامعة العربية الـ 33 المنعقد يوم 16 ماي 2024 بالمنامة بتصريحاته المخزية التي تتّهم حماس ومختلف فصائل المقاومة “بخدمة الاحتلال، وتوفير ذرائع له من أجل مهاجمة قطاع غزة، وتهجير سكانه، والتنكيل بهم”، ويواصل عرّاب تسويات العار وسياسات التنسيق الأمني مع المحتل لتصفية المقاومة تصريحاته المخزية في البيان الرسمي الصادر عنه بتاريخ 10 أفريل 2025 والذي دعا فيه المقاومة إلى “تحمّل مسؤولياتها، والالتزام بالموقف الفلسطيني الرسمي والمبادرات العربية، والتوقف عن اتخاذ قرارات غير مسؤولة”، ويؤكد بعض الفلسطينيين تورّط محمود عباس في الزج بأجهزة الأمن التابعة للسلطة إلى استغلال حاجة الأهالي لوقف إطلاق النار، بإرسال عناصرها للمشاركة في تظاهرات شعبية، ورفع شعارات ضد المقاومة.
لقد انطلقت هذه المواقف المخزية في دول الطوق العربي وأساسا في لبنان من قبل الطابور الصهيوني الخامس التقليدي وباحتشام في مصر والأردن لتمتدّ إلى بلدان الخليج العربي وتونس وموريتانيا مستغلة الأجهزة الدعائية الضخمة للقوى الرجعية والعميلة العربية، وفي الحقيقة فإن هذه المواقف ليست سوى صدى للموقف الرسمي العربي الذي حمل محمود عباس وزر الجهر به في ظل خشية الأنظمة العميلة المطبعة علنا وسرا من ردة فعل شعوبها. لقد شكل هؤلاء المثقفون “كلاب حراسة” النظام الرسمي العربي العميل الذي كلفهم بمهمة كبح طوفان التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية والعمل على تهيئة الرأي العام العربي لتصفية المقاومة ونزع سلاحها بإشاعة مشاعر اليأس والإحباط وتجريم المقاومة تمهيدا لطرح المبادرات والصفقات التي تهدف إلى تحقيق ما فشل التحالف الإمبريالي – الصهيوني – العربي الرجعي في تحقيقه بقوة السلاح ألا وهو نزع سلاح المقاومة وتصفية الحق الفلسطيني وهو هدف ليس وليد معركة طوفان الأقصى إذ سبق لهذا التحالف الغاشم أن حاول تحقيقه في سبتمبر 1970 بعمان وفي 1982 ببيروت.
بداعي الواقعية والحيادية والموضوعية يقوم “كلاب الحراسة الجدد” بتجريم المقاومة وتبخيس كافة أشكال النضال ضد المشروع الصهيوني من النضال المسلح وصولا حركة مقاطعة المؤسسات والشركات الداعمة للكيان الصهيوني. أمّا إذا وصل الأمر إلى النضال ضدّ الأنظمة العربية الرجعية العميلة المتواطئة مباشرة في محاصرة القضية الفلسطينية أو بعجزها ورضوخها للتعليمات والاملاءات الإمبريالية، فتلك الطامة الكبرى حيث يتحوّلون من كلاب حراسة إلى كلاب شرسة تنهش لحم وأعراض من تسوّل له نفسه معارضة الزعيم المفدّى والقائد الأوحد وسموّ الملك… الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الشخصية ويعتبر التطبيع خيانة عظمى وغيرها من القوالب اللفظية الجاهزة التي لم تعد كافية لستر عورة العجز والتواطؤ. لقد جعلت هذه الأنظمة اللقيطة من القضية الفلسطينية طيلة 77 سنة منصّة للخطب الحماسية الفضفاضة التي عمّقت معاناة الشعب الفلسطيني وكانت بمثابة الأفيون للشعوب العربية التي لم تع إلى حدّ اللحظة أنّ العائق الموضوعي والتاريخي الحقيقي أمام تحررها وتحرير الأراضي العربية المحتلة وتحقيق الثورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الوطنية والديموقراطية هي الأنظمة العربية العميلة.
إنّ هذه الثقافة الاستسلامية والانهزامية التي تعبّر عن نفسها عبر مختلف الوسائط والمنصات الدعائية والإعلامية لتجريد الأمة العربية من حقها في المقاومة بمختلف أشكالها وحقها في شق طريقها نحو التحرر بنشر مقولات اليأس والإحباط تحت شعار الوطن أولا الانعزالي والقطري الذي يرتقي أحيانا إلى مرتبة الشوفينية أو شعار الواقعية السياسية والموضوعية ينبغي أن يتمّ التصدي لها بثقافة مقاومة تعيد الاعتبار لقيم النضال والتضحية ونكران الذات في كل لحظة من لحظات حياتنا اليومية.

إلى الأعلى
×