بقلم زياد بن عبد الجليل
طردت شركة أرماتيس–تونس يوم 8 أفريل 2025 كامل أعضاء النقابة الأساسية الوليدة بعد أقل من 24 ساعة من تأسيسها، ثم ضربت عليهم حصارا بتهديد بقية العمال بالعقاب إذا تضامنوا معهم. وأرماتيس–تونس هي شركة مصدرة كليا ومنتصبة بأريانة ومختصة في العمل عن بعد. وهي شركة تابعة لشركة أرماتيس التي تمتلك 22 مركز نداء في العالم يشغلون حوالي 10 آلاف عامل في فرنسا، وتونس، بولونيا والبرتغال. ويعتبر هذا الطرد تقويضا كاملا للحق النقابي الذي يقوم على أسس ثلاث مترابطات: الحق في التنظم الحق في التفاوض والحق في الإضراب.
وكان الوعي عند الـ850 عامل في شركة أرماتيس–تونس قد ترسخ بضرورة تأسيس نقابتهم والانضواء تحت النقابة العامة لتكنولوجيات الاتصال التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بعد تواتر التعسف ضد حقوق العمال في الشركة التي تنوعت وتلونت من حذف نقل العملة بالتاكسي، إلى إجبار المتأخرين في الوصول إلى مقر العمل على أخذ يوم عطلة، وعدم خلاص الساعات الإضافية، وصولا إلى تعطيل مجلس التأديب والطرد التعسفي.
ونظمت الجامعة العامة لتكنولوجيات الاتصال تظاهرة احتجاجية حاشدة يوم 17 أفريل أمام مقر شركة أرماتيس–تونس، ردا على طرد أعضاء النقابة الأساسية الذي يشي باستهتار الشركة بمطالب العمال ومحاولة تصفية الحق في التنظم النقابي الذي افتكته الطبقة العاملة التونسية خلال نضالها ضد المستعمر وضد الدكتاتوريات. وقد شاركت في التظاهرة نقابات جامعة تكنولوجيات الاتصال وعدد كبير من العمال خاصة عمال شركة تيليبرفرمنس (العمال الأكثر انخراطا في النقابات بين عمال مراكز النداء في تونس بنسبة تقارب المئة بالمئة)، كما حضره وفد من نقابات فرنسية في قطاعات العمل عن بعد (FO, Sud-solidaires) في تكريس لتقاليد التضامن العمالي الأممي الذي يعتبر سمة مميزة للعمل النقابي في قطاع العمل عن بعد قطريا وعالميا. كما جاءت هذه الوقفة لتحسين شروط التفاوض الذي كان مبرمجا يوم الغد 18 أفريل بمناسبة انعقاد جلسة صلحية بمقر ولاية أريانة وبحضور الطرف النقابي وتفقدية الشغل وإدارة الشركة التي حاولت التملص الإجتماع في الولاية بالدعوة إلى اجتماع داخل أطر الشركة. خلال هذه الجلسة أمعنت إدارة أرماتيس–تونس في صلفها حيث لم تعترف بالصفة النقابية للعمال المطرودين، بل وأعلمت الحضور بما فيهم ممثل الدولة التونسية أنها لن تتراجع عن الطرد وما على المتضررين إلا التوجه إلى القضاء. لكن النقابات لم تقل كلمتها الأخيرة وهي تعد للتعامل مع هذا التعجرف وفرض ارجاع المطرودين.
إن ما يحدث في قضية عمال أرماتيس–تونس من تعدي على حقوق العمال لا يعتبر سابقة بقدر ما يمثل حلقة جديدة من حلقات الصراع بين العمال ونقاباتهم ضد الأعراف وانتهاكاتهم المتواترة لحقوق العمال في القطاع الخاص. وكان الحق النقابي ولا يزال في مرمى رأس المال المحلي العميل والرأسمال الأجنبي الذي تعبد أمامه الطريق لاستغلال قوة عمل التونسيين بأبخس الأجور. ومن الأهم المحطات التي افتضح فيها موقف الأعراف التونسيين من الحق النقابي للعمال اقدام شركة موبلاتكس على غلق أبوابها في وجه العمال ردا على اضراب شنته النقابة الأساسية بالشركة في جوان 2012 متهمة النقابة بتسييس العمل و“تحريض العمال” على الاضراب، لتقايض الشركة فيما بعد إرجاع العمل بطرد كامل أعضاء النقابة الأساسية. كما أن ما يحدث في أرماتيس–تونس يذكر بما يحدث في شركة ريتون بالسبيخة حيث أقدمت شركة ريتون على طرد أعضاء النقابة الوليدة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل وملاحقتهم قضائيا على بعد أن شن العمال إضراب يطالب باحترام الحقوق الدنيا للعمال وبعد أن انسلخوا من نقابة متواطئة للعرف تابعة لاتحاد عمال تونس وأسسوا نقابتهم الأساسية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل.
إن النظر في نضالات عمال أرماتيس–تونس وما سبقها من نضالات يمكننا من أن نسوق الملاحظات التالية:
- إن انبثاق الوعي بأهمية التنظم النقابي لدى العمال التونسيين في القطاع الخاص هو رد فعل مباشر على تعجرف الأعراف.
- إن وجود قيادة نقابية مناضلة ومنغرسة (جهوية أو جامعية) هو عامل حاسم في تطوير العمل النقابي نحو أشكال نضالية.
- إن بروز أشكال التضامن العمالي قطريا وأمميا تشكل تطور نوعيا في النضال النقابي في القطاع الخاص في تونس وأحد عوامل الضغط لتحسين شروط النضال النقابي.
- إن تواطؤ السلطة وسلبيتها سمة جامعة لكل الحكومات والأنظمة في تونس وإن ذلك، وفي ظل ضعف النصوص القانونية الضامنة للحق النقابي، عامل مشجع لتكالب الأعراف على العمال وحقوقهم.