الرئيسية / صوت الوطن / رسوم ترامب من زاوية أخرى
رسوم ترامب من زاوية أخرى

رسوم ترامب من زاوية أخرى

بقلم علي البعزاوي

أعلن الرئيس الشعبوي ترامب أنه، ولأجل حماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسة الخارجية وتكريسا لشعاره الانتخابي “أمريكا أولا”، سيوظف رسوما جمركية بنسب مئوية مختلفة على صادرات عديد الدول منها تونس (28 بالمائة) قبل أن يتراجع ويؤجل التنفيذ لمدة تسعين يوما باستثناء الصين وكندا والمكسيك فاتحا بذلك باب التفاوض مع الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة من أجل حصد الامتيازات والأرباح. ولئن حققت شركات ترامب (.d.j.t) خلال الأسبوع الأول من الإعلان عن الرسوم نسب أرباح هائلة فإن المالية الأمريكية خسرت مليارات الدولارات نتيجة هذا الإعلان المفاجىء. حتى أنّ بعض كبار المسؤولين في البيت الأبيض نعت مستشار ترامب الاقتصادي بالأحمق.

التداعيات على الاقتصاد المحلي

يذهب عديد المختصين إلى أنّ وقع هذه الرسوم على تونس لن تكون له انعكاسات وخيمة على الصادرات التونسية التي تنحصر في زيت الزيتون والتمور ولا تتجاوز قيمتها الجملية الـ360 مليون دينار. وأشاروا إلى أنها ستقلص لا محالة تنافسية السلع التونسية لكن دون تأثير كبير على حصيلة الميزان التجاري بين البلدين. في المقابل هناك تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد التونسي باعتبار نسبة الـ20 بالمائة الموظفة من طرف الولايات المتحدة على الصناعات الأوروبية التي تعتمد في جزء من صناعاتها التصديرية على منتجات مصنعة في تونس منها مكونات السيارات.
وبالإضافة إلى هذا المستجد، تعيش الشركات التونسية المصدّرة نحو عديد البلدان وخاصة الإفريقية تراجعا يقدر بـ273 مليون دينار أي بنسبة تراجع بـ18 بالمائة سنتي 2024/2023. هذا التراجع سببه التكلفة اللوجستية (13 بالمائة) والضرر الذي تسبب فيه الفصل 52 من قانون المالية لسنة 2022 الذي فرض على الشركات المصدّرة دفع أداء على التصدير.
هذا الوضع من شأنه التأثير سلبا على مداخيل تونس من العملة الصعبة إضافة إلى اختلال الميزان التجاري لصالح التوريد وهي معضلة المعضلات بالنسبة لاقتصاد تابع وهش كالاقتصاد التونسي.

التبعية الاقتصادية معضلة المعضلات

إن مختلف المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد التونسي سواء المزمنة (شحّ السيولة المالية، ضعف الاستثمار، هشاشة البنية التحتية، غياب المشاريع الكبرى ذات القدرة الإنتاجية والتشغيلية…) أو الطارئة (تداعيات رسوم ترامب، ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب والمواد العلفية والأدوية…) تعود بالأساس إلى هشاشة وتبعيّة الاقتصاد التونسي المرتبط عضويا بالاقتصاد الرأسمالي العالمي.
إنّ مختلف الأنشطة الاقتصادية في المجالات الفلاحية والصناعية والبنية التحتية وغيرها مرتبطة بأشكال مختلفة بالخارج تمويلا (عبر القروض المشروطة) أو تنشيطا مباشرا (استثمارات مباشرة يرافقها تشغيل هشّ) وهي أنشطة موجهة بالأساس للتصدير نحو الأسواق الخارجية وليست موجهة لإنتاج الحاجيات الداخلية للاقتصاد الوطني وعرضة بالتالي للصعوبات والأزمات نتيجة قانون العرض والطلب وقوانين التنافس غير المتكافئ، ونتيجة القرارات السيادية التي تتخذها بعض الدول المورّدة للسلع التونسية سواء لحماية إنتاجها أو لفرض أسعار مخفضة والتي تنجرّ عنها تداعيات سلبية مثلما حصل في علاقة بصابة الزيتون الأخيرة ممّا اضطر المصدر التونسي إلى بيع الزيت بأسعار لا تغطي أحيانا تكاليف الإنتاج.

سبل الخروج من الأزمة

إنّ أزمة الاقتصاد التونسي أزمة هيكلية تتعلق بالخيارات المتبعة رسميا منذ عقود والتي جعلت منه اقتصادا هشّا ومرتبطا عضويا بالاقتصاد الرأسمالي العالمي في إطار ما يسمّى بالتقسيم العالمي للعمل حيث تلعب تونس كدولة تابعة دور المصدّر للمواد الأولية مع احتضان بعض الأنشطة الصناعية وغير الصناعية استجابة لحاجيات ومصالح دول المركز، وتلعب في نفس الوقت دور السوق الحاضنة للسلع الأجنبية المصدّرة من طرف الدول الصناعية الكبرى.
هذا النوع من الاقتصاد الهشّ والتابع هو اقتصاد لا ينتج الثروة ولا يوفر قيمة مضافة ولا يساهم في مراكمة الرأسمال المحلي الذي يمكن أن يوسّع الأنشطة الاقتصادية ويطوّر بعضها الآخر. ومن خصائص هذا الاقتصاد أيضا أنه يتأثر بالأزمات الخارجية مباشرة حيث أنّ كل أزمة في دول المركز تكون لها تداعيات مضاعفة على الاقتصاد التونسي فينجرّ عن ذلك غلق بعض المؤسسات وتسريح العمال وهو ما يحصل حاليا في قطاع النسيج حيث قررت بعض الجهات المستثمرة في تونس تحويل وجهة صناعاتها نحو دول أخرى بحثا عن مناخات استثمار أفضل ومن أجل تحقيق أرباح أكبر.
إن الحل الجذري الذي من شأنه المساعدة على تفادي مثل هذه الأزمات المتتالية هو إرساء اقتصاد وطني مستقل مندمج وموجه لخدمة الحاجيات الأساسية المحلية من معدات وآليات وسيارات وجرارات ووسائل ريّ وبذور ممتازة وأدوية وتجهيزات مختلفة… وملبّي لاحتياجات التونسيين الأساسية من غذاء ومواد تنظيف وترفيه ولباس… اقتصاد منتج للثروة وذو قدرة تشغيلية عالية من شأنه استيعاب خريجي الجامعات وكل المعطلين الذين لم تستوعبهم مؤسسات دولة الاستعمار الجديد.
إنّ الاقتصاد الوطني المستقل هو الحامي من الأزمات لأنه اقتصاد يعوّل أساسا على الإمكانيات والموارد الذاتية والكفاءات المحلية التي أثبتت قدراتها كلما توفرت لها فرص العمل في الخارج. وهو اقتصاد يسخّر ويوجّه إنتاجه نحو الداخل التونسي وما يتطلبه ذلك من حركية داخلية مع إمكانية تصدير ما زاد عن الحاجة.

مسؤولية القوى الثورية والتقدمية

إنّ هذا المشروع مرتبط بخيارات اقتصادية واجتماعية خادمة لمصالح الأغلبية الشعبية ولا علاقة له بمشروع دولة الاستعمار الجديد التي ترعى مصالح كبرى الشركات والمؤسسات والدول الاستعمارية ووكيلها المحلي البورجوازية الكبيرة العميلة على حساب الطبقة العاملة والكادحين وعموم الشعب. والمضيّ عمليا في هذا المشروع لا يتمّ في ظل حكم المنظومة الشعبوية ولا بالتنسيق معها أو مع بقية المنظومات الرجعية التي حكمت تونس في السابق وبان عجزها وفشلها وتأكدت ارتباطاتها بالقوى الاستعمارية والتزامها بخدمة أجنداتها ومشاريعها ومصالحها، بل هو مشروع القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية من أحزاب ومنظمات وجمعيات وفعاليات شبابية ونسائية ونقابيين ديمقراطيين ومثقفين ومبدعين وإعلاميين مستقلين منحازين لشعبهم. إنه الخيار الثالث المستقل القادر على بلورة هذا المشروع الجديد والدعاية له على نطاق واسع والعمل على فرضه في الواقع حتى نسدّ الباب أمام الأزمات المستوردة ونبني اقتصادا مستقلا محصّنا ضدّ كل أشكال الأزمات. وهذا ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية للقوى المعنية. ولنا في تجربة الأزمة المالية العالمية لسنة 1929 وتداعياتها على الدول خير مثال، حيث ضربت هذه الأزمة كل العالم الرأسمالي مركزا وأطرافا وكان وقعها على الأطراف مضاعفا، في حين حافظت الدولة الاشتراكية على توازنها وحيوية اقتصادياتها ولم تمسّها الأزمة لأنها محصنة ضدّ الأزمات المستوردة.
فإلى العمل الجادّ من أجل بديل وطني ديمقراطي شعبي مستقل تجنبا للأزمات وتكريسا للسيادة الوطنية وتحقيقا للرفاه والعيش الكريم للأغلبية الشعبية صاحبة المصلحة.

إلى الأعلى
×