الرئيسية / الافتتاحية / الدّكتاتوريّة الوقحة تُمعن في التّنكيل
الدّكتاتوريّة الوقحة تُمعن في التّنكيل

الدّكتاتوريّة الوقحة تُمعن في التّنكيل

يبدو أنّ سلطة النظام الشعبوي ببلادنا قد أقرّت العزم وسخّرت كلّ أدواتها القمعية للإجهاز على جميع هوامش الحريّات والديمقراطية غير آبهة  لا بصرخات ضحاياها وعذاباتهم ولا بتعالي الأصوات الرافضة لهذا المنزلق الخطير.
ومن المفارقات العجيبة أنّ هذه الهرولة نحو الخلف السحيق بما تعنيه من عودة مأساوية نحو مربعات الاستبداد والجور تتمّ تحت صخب ترديد شعارات ديماغوجية كاذبة حول “عدم العودة إلى الوراء”!! و”البناء والتشييد”!!
فالتقهقر الذي تعرفه بلادنا طال كلّ جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيميّة وبلغ مستويات غير مسبوقة. ومن الممكن جدّا وفق كلّ المؤشرات الموضوعية الحاصلة أن يستمرّ هذا التدحرج نحو القاع الذي لا حدود له، الأمر الذي يعطي مشروعية كبيرة لحيرة التونسيات والتونسيين حول القادم.
فالأسئلة الأكثر حضورا في كلّ الفضاءات ببلادنا أضحت تتمحور حول المستقبل المخيف والمجهول تحت حكم “قيس سعيد”.
فالقاسم المشترك على ألسن الكثير من النخب وغيرهم “تونس وين ماشية؟”
وحده الديكتاتور وجوقة الأتباع من أنصار المسار الانقلابي ومسانديه من لفيف من اجترحوا لأنفسهم تسمية المعارضة النقدية يقفزون فوق معطيات الواقع ويغرّدون بسرديات قوامها من البداية إلى النهاية الكذب والتزوير الذي تجاوز مضامين وكالة الاتصال الخارجي زمن “بن علي”.
فالبلد يغرق كما لم يسبق في أزمته الشاملة والعميقة نتيجة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المدمّرة والجوقة تنغمس أكثر وأكثر في قمقم الثقافة الانتهازية والوصولية البائسة لشدّ أزر الطاغية المسكون حتّى النخاع بطموحات إرساء مشروعه الشمولي والاستبدادي على حساب أبسط قيم المواطنة والأسس الأوليّة لمبادئ الديمقراطية حتّى بمضامينها الليبرالية. فالسلطة القائمة ممعنة في التأطير البوليسي لمجمل مناحي الحياة العامّة بهدف تصفية كلّ هوامش الحريّات والديمقراطية التي دفعت من أجل تحقيقها أجيال متعاقبة من التونسيين والتونسيات ضمن عقود طويلة تضحيات جسام. فمكسب الحرّيات العامة والفردية المعمّد بالدماء هو في مرمى سهام الحكم الفاشستي الذي يدير أسوأ مشاريع قوى الثورة المضادّة التي تعاقبت على الحكم بعد ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر 2010 / 14جانفي 2011. فالفاشية القائمة أعدّت ترسانتها القمعية الدستورية والقانونية بعيدا عن كلّ أنماط الجمهوريات البورجوازية الليبرالية وسارعت إلى تخريب المؤسسات وتدجينها وفتحت الطريق واسعا أمام إفلات الأجهزة الصلبة من كلّ مساءلة ومحاسبة وأطلقت أياديها للتنكيل بالأفراد والجماعات مثلما وقع بمدينة “المزونة” إبّان احتجاجاتها العادلة والمشروعة بعد فاجعة سقوط الجدار. فالقوّة الغاشمة هي لغة التعاطي الوحيد مع الحركة الاجتماعية أثناء نهوضها والمخاتلة والكذب هما أسلحة الحكم لإيجاد مخارج مصطنعة فيها هيبة الدولة الظالمة وقداسة الرئيس الملطخة بمسؤوليته الكاملة عن هذه الاستدارة القمعية الحادّة التي بلغت ذروتها أوّلا فجر ليلة 19 أفريل الجاري عندما تمّ الإعلان عن الأحكام الصادمة في ما عرف بقضية “التآمر على أمن الدولة” حيث تراوحت العقوبات السجنية بين 4 سنوات و66 عاما!! وبلغ مجموع الأحكام المصّرح بها 892 سنة!!  وثانيا يوم 21 من نفس الشهر بعد مداهمة مجموعة أمنية مدججة بالسلاح منزل المناضل الوطني القاضي السابق والمحامي حاليا السيد أحمد صواب “الذي تمّ اقتياده بعد العبث بمحتويات منزله إلى فرقة مقاومة الإرهاب حيث تمّ في البداية الاحتفاظ به وبعدها إصدار بطاقة إيداع في شأنه لأحد السجون التونسية التي يقبع فيها طيف واسع من السياسيين ونشطاء/ات بالمجتمع المدني زيادة عن النقابيين والإعلاميين /ات وغيرهم من المدوّنين /ات الخ.. فأبواب السجون مترعة كما لم يسبق لاستقبال ضحايا جدد من جهة خدمة لمصالح تحالف طبقي رجعي وعميل ومن جانب آخر إرضاءً لشهوة زمرة فاسدة أحكمت قبضتها على مقاليد السلطة.

إلى الأعلى
×