بدأت اليوم تحوم شكوك جدّيّة حول إمكانيّة تنظيم الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في موعدها المحدّد في الدستور أي قبل موفّى السنة الحاليّة. وهذه الشكوك بدأت تساور حتّى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي ما انفكّ يطلق التّحذيرات من أنّ النّسق الحالي للإعداد للانتخابات لا يستجيب البتّة لما هو مطلوب.
إنّ الهيئة ذاتها ليس لها مقر للعمل. كما أنّ الاعتمادات التي منحتها لها الحكومة لم تتمكّن من استعمالها لأسباب قانونية. ومن جهة أخرى فإنّ القانون الانتخابي الذي ستعمل على أساسه الهيئة لم يستكمل إلى حدّ الآن الخ….
وإلى ذلك فإنّ خارطة الطريق التي أثمرها الحوار الوطني والتي تهدف إلى توفير مناخ سليم للانتخابات الرئاسية والتشريعية مازالت معظم بنودها لم تنجز إلى حدّ اليوم. فمراجعة التّعيينات بدأت في مستوى الولاّة ثم تباطأت…. وحلّ الميليشيات لم يتمّ إلى حدّ الآن، بل إنّ هذه الميليشيات ما زالت تظهر في بعض المناسبات… وتحييد المساجد يكاد يختصر على استرجاع ما هو منها تحت سيطرة الجماعات السلفيّة دون أن يشمل الأئمة النهضاويين الذين ما زالوا يوظّفون المساجد ضدّ الأحزاب والقوى الدّيمقراطيّة.
أمّا ملفّ الاغتيالات، وعلى رأسه ملفّ شهداء الجبهة الشعبية، شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحمد بلمفتي ومجدي العجلاني، فإنّ الأبحاث فيه لم تتقدم بما يمكّن من كشف الحقيقة كلّ الحقيقة وخاصّة في ما يتعلق بالأطراف التي تقف وراء تلك الاغتيالات.
كلّ هذه العناصر تثير التّساؤل حول إمكانيّة تنظيم الانتخابات في موعدها.
ولكن من له مصلحة في ذلك؟ قد تكون بعض القوى الداخليّة والخارجيّة التي تريد الإطالة في عمر الحكومة المؤقّتة الحالية بغرض تمكينها من الوقت الكافي لفرض إصلاحات اقتصاديّة ليبراليّة متوحّشة على الشّعب التّونسي وإعداد الأرضيّة الملائمة لقبر الثّورة التونسيّة نهائيّا.
ومن جهة أخرى فهل أنّ الذين يتظاهرون بالتّمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها، على غرار حركة النهضة، هم جادون في ذلك؟ أو هل أنّ لهم أغراضا أخرى؟
الصّواب هو أنّ حركة النهضة وبعض حلفائها قد يستغلون التّراخي في الإعداد للانتخابات للمطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في وقت واحد بدعوى ضيق الوقت.
كما أنّ من مصلحتهم أن لا تنفّذ بنود خارطة الطريق حتى لا يفقدوا مختلف المواقع التي اكتسبوها أيّام الحكم والتي يريدون استغلالها في الانتخابات.
ومن هذا المنطلق فإنّ القوى الثورية والتقدّميّة مدعوّة إلى اليقظة حيال كلّ السيناريوهات التي ترمي إلى إجهاض الانتخابات القادمة وإفراغها من محتواها بل جعلها حلقة أخرى من حلقات الالتفاف على الثورة التونسيّة.
فبقدر التمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها، ينبغي التمسّك بإجرائها في مناخ سياسي سليم وهو ما يقتضي أوّلا عدم المساومة في تطبيق كافة بنود خارطة الطريق المذكورة أعلاه، وثانيا عدم التّراجع في ضرورة الفصل بين الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وفي غير ذلك من المسائل ذات الصّلة بحريّة الانتخابات وشفافيّتها.