ظلّت سياسة وزارة الفلاحة لعقود من الزّمن تقوم على الدّعاية المغلوطة متجاهلة معاناة الفلاّحين الفقراء ومشاكلهم التي لا تُحصى ولا تعدّ والتي كانت بمثابة الموضوع المحرّم التطرّق إليه. ولئن استبشر الفلاّحون بثورة 17 ديسمبر 14 جانفي معلّقين آمالا على وزارة الفلاحة حتّى ترفع عنهم الكابوس الذي لحق بهم لسنوات عدّة، لكنّ حلم الثورة يتبخّر كلّ مرّة مع سياسة الحكومات المتعاقبة التي زادت في معاناتهم وأهملتهم.
صغار الفلاّحين أو المنسيّين كما يسمّون أنفسهم ورغم نِسَبهم المرتفعة في القطاع الفلاحي فإنّهم ظلّوا خلف الرّفوف فأُهملت مطالبهم وتعمّقت جراحهم وأصبحوا بين مطرقة الفقر وسندان الاستغلال فلا الثورة أنصفتهم ولا ممثّليهم حملوا وزرهم…
الموارد المائيّة الحلم المنشود
يُعتبر غياب الموارد المائيّة المشكل الرّئيسي الذي يعاني منه الفلاّحون في أغلب المناطق الفلاحيّة. فبالرغم من وجود مناطق فلاحيّة ذات أراض خصبة يمكن أن تدفع بالفلاّحين إلى تطوير النّشاط الفلاحي على مدار السّنة وتساهم في دفع عمليّات الاستثمار الفلاحي التي من شأنها أن تزوّد السّوق المحلّية والوطنيّة بأنواع شتّى من المنتوجات الفلاحيّة إلاّ أنّ حفر الآبار العميقة ظلّ حكرا على أصحاب المال دون غيرهم في ظلّ عدم تحمّل الدّولة لمسؤوليّتها وخلق مناطق فلاحية نموذجية بحفر آبار فلاحيّة وتوزيع المياه بشبكة تعمّ جميع الأراضي. حتى أنّ مناطق عدّة ورغم غنى تربتها، ظلّ الفلاّحون فيها رهائن لجمعيّات مائيّة يُتكالب على الاستحواذ عليها وفقا للولاء السّياسي. فزادت المشاكل المتواصلة التي تعيشها الجمعيّات المائيّة في معاناة الفلاّحين الذين يتكبّدون تكلفة باهظة للحصول على الماء الصّالح للشّراب فما بالك باستعماله في الفلاحة لتطوير الإنتاج النباتي والحيواني؟ ووصل الأمر بالعديد من المناطق إلى الانقطاع المتواصل للماء الصّالح للشّراب خصوصا في فصل الصّيف فأتلفت غراساتهم ومحاصيلهم الزّراعية.
غياب الدّعم وتراكم الدّيون
لقد زاد ارتفاع أسعار العلف من إثقال كاهل الفلاّحين الفقراء الذين ورغم صيحات الفزع المتواصلة فقد عجزوا عن مجارات هذا الارتفاع الجنوني. وهو ما دفع بهؤلاء إلى التخلّص من جزء كبير من القطيع من أغنام وماعز وأبقار. ولئن تعود ظاهرة ارتفاع أسعار الأعلاف إلى حالة الجفاف التي عرفتها البلاد في السّنوات الأخيرة وإلى ارتفاع أسعار المواد الأوّليّة المورّدة المكوّنة للأعلاف وهي الذرة والسوجا فإنّ عدم المتابعة في توزيع الأعلاف المدعّمة التي خضعت للابتزاز السّياسي جعلت الفلاّحين الفقراء عرضة للاستغلال خصوصا أمام توسّع الاحتكار والمضاربات في السّوق السوداء. كما أنّ معاناة الفلاّحين تواصلت بعد الثّورة بارتفاع ديونهم لدى المؤسّسات البنكيّة وعجزهم عن تسديدها. وبقى قرار مصادقة حكومة علي العريض في سبتمبر 2013 على جدولة ديون الفلاّحين للزّراعات الكبرى في المناطق المتضرّرة من النّقص في الأمطار خلال الموسم الفلاحي 2012-2013 بعد نضالات مريرة خاضها الفلاّحون حبرا على ورق بالإضافة إلى استثنائه لصغار الفلاّحين. كما أنّ هذا الإجراء يشمل الدّيون المتعلّقة بالزّراعات الكبرى المطرية فقط لا المساحات السّقوية وهو ما وضع صغار الفلاّحين أمام مطرقة ارتفاع أسعار العلف وسندان الدّيون المتخلّدة بذمّتهم.
لا لسطوة المضاربين
أمام الاستغلال الفاحش للفلاّحين الفقراء وعجزهم عن العمل بأراضيهم وتحوّل أغلبهم إلى المناطق الصناعيّة ولجوئهم إلى العمل الهشّ فإنّ وزارة الفلاحة مطالبة بالتّعجيل ببعث شركات للخدمات الفلاحيّة تابعة للدّولة لتوفّر للفلاّحين الفقراء خدمات بأسعار معقولة وتحرّرهم من سطوة المضاربين المحتكرين وتساعد هذه الخدمات الفلاّحين على الحراثة والحصاد ونقل محاصيلهم الفلاحيّة.
تدخّل الدّولة
لقد اختارت الحكومات المتعاقبة سياسة تنصّل الدّولة وإجبار الفلاّحين الفقراء على الاعتراف بمزايا السّلطة والمنّة المقدّمة لهم من حين لآخر وقد آن الأوان لتتحمّل الدّولة مسؤوليّتها وذلك بـ:
– تقديم القروض الميسّرة والأسمدة اللاّزمة والآلات الفلاحيّة بأسعار منخفضة للفلاّحين الفقراء.
– منع رهن قوت الفلاّحين لدى البنوك والاحتكارات الاستعمارية.
– تعميم شبكات الرّيّ لتشمل صغار الفلاّحين وتعديل المقابل المالي حسب الأوضاع المادّيّة لهؤلاء الفلاّحين وتسهيل تسويق منتوجهم.
– الاعتناء بالمسالك الفلاحيّة وإيصال الماء الصّالح للشّراب والنّور الكهربائي للمناطق الرّيفيّة.
– توفير البذور والأسمدة بأسعار معقولة (التخفيض في الأسعار الحالية).
– التخفيض من الضّرائب المسلّطة على المنتوج النّباتي والحيواني عند بيعه.
– ضبط خطّة وطنيّة لإحياء البذور المحلّيّة.
– بعث مراكز دراسات وأبحاث في مختلف الجهات لتطوير الإنتاج الزّراعي.
– فضح النّظرة الدّونيّة للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي والتّنديد بكافّة أشكال الاضطهاد المسلّط عليها.
زهير الزويدي