بقلم الاستاذ حسين الرحيلي
قدّم رئيس الحكومة مهدي جمعة تقييما لأعمال حكومته بعد مائة يوم من العمل. ما يمكن ملاحظته بداية هو الرضا المطلق عن “الإنجازات والنجاحات” التي حقّقتها الحكومة في هذه المدة.
بيّن رئيس الحكومة أنّ أولويّة حكومته هي “إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات قبل موفّى 2014. ثمّ استعرض “النّجاحات” في المجال الأمني و”الإنجازات” في المجال السياسي (المساجد وحلّ رابطات حماية الثورة والتعيينات الإدارية) وقد تهرّب من الأسئلة التي تخصّ الولاءات والمحاباة في التعيينات في بعض الوزات وتعلّل بأنّ ذلك من مشمولات الوزراء المعنيّين وأنهم الأقدر على الإجابة منزّها نفسه عن كلّ ما من شأنه أن يمسّ مبدأ الحياد.
ولئن تعرّض بشكل خاطف لمسألة مقاومة الإرهاب (إحداث قطب مختصّ في مقاومة الإرهاب) والوضع الأمني العام بالبلاد (التقدم المسجل في مقاومة الجريمة) فإنه تجاهل الأسئلة المطروحة حول قضية الاغتيالات ومسؤولية وزير الدّاخلية الذي تجاهل برقيّات الإعلام بوجود مخطّطات اغتيال ومسؤولية الأجهزة الأمنية المتهاونة في أداء واجبها تجاه المواطنين بكلّ حياد وعلاقة نتائج التحقيقات والوضع الذي عليه وزارة الداخلية حاليا بشروط نجاح الانتخابات القادمة.
ولئن بشّر كذلك بتحسّن جزئي لإنتاج ونقل الفسفاط، فإنّ رئيس الحكومة ركز في تدخّله بشكل خاص ومطنب على المسائل الاقتصادية وأكّد على أنّ الوضع الاقتصادي صعب وصعب جدا معتبرا أنّ الأزمة هيكلية ملاحظا أنّ أهمّ خلل يتعلّق بالميزان التّجاري وبانخرام ميزان الدّفوعات.
ومن هذا المنطلق أكّد رئيس الحكومة أنّه “من مصلحة البلاد عدم الاكتفاء بإصلاحات تتعلق بسنة 2014 ومن باب المسؤولية معالجة الأمور الهيكلية” وهو ما دعا الحكومة إلى طرح”معالجة المشاكل الاقتصادية وذلك بإطلاق حوار اقتصادي وطني يجمع الأحزاب والمنظمات الوطنية”.
وعبّر رئيس الحكومة عن نيّة حكومته إعداد ميزانية تكميلية لسنة 2014 وميزانية 2015 لإطلاق “الإصلاحات الجذريّة ومراجعة المنوال الاقتصادي نظرا لأنّ المنوال الحالي يعتمد الاستهلاك دون الاستثمار”. ثم استعرض رئيس الحكومة الإجراءات الضّروريّة التي ستتخذها حكومته:
– ترشيد صندوق الدّعم للمواد الأساسية والمحروقات وذلك بمعنى التّقليص في الدعم تدريجيا حتى الوصول إلى حقيقة الأسعار.
– التخفيض في نفقات الأجور وذلك بعدم الانتداب في الوظيفة العمومية باستثناء الانتدابات المتعلّقة بخرّيجي المدارس الوطنية.
– مقاومة التهريب والاقتصاد الموازي.
كما أعلن عن إصلاحات تتعلّق بالجباية والقطاع البنكي والمؤسّسات العموميّة وختم تدخّله بالإنجازات في الميدان الاجتماعي.
وتعليقا على مداخلة رئيس الحكومة في الندوة الصحفية بخصوص الجانب الاقتصادي نظرا لارتباطه بحدث مهم (تحاول الحكومة طمسه وتتجاهله الصحافة)، وأقصد المؤتمر الاقتصادي الوطني، نلاحظ أنّ تخوّفات الجبهة الشّعبيّة بخصوص نتائج هذا المؤتمر لم تكن من باب المزايدة أو التكهّن.
إذ أكّد رئيس الحكومة أنّ حكومته عازمة على:
– طرح حلول للمسائل الهيكلية بما في ذلك منوال التنمية
– ترشيد الدعم بمعنى تقليصه بهدف إلغائه
– مواصلة سياسة التقشف وخاصة عدم الانتداب بالوظيفة العمومية
ويبدو أنّ رئيس الحكومة بعيد جدّا عن الواقع من جهة وعن الاتفاق الأصلي الذي ضبطته خارطة الطّريق من جهة أخرى. فالواقع يؤكّد أنّ المشاكل التي طرحت في 2010/2011 ودفعت الشّباب التونسي إلى الانتفاضة لا زالت قائمة بل تفاقمت: البطالة والفقر وغلاء الأسعار… أمّا خارطة الطّريق فقد ضبطت مهامّا محدّدة منها مهام اقتصادية تتعلّق فقط بالعاجل والمرتبط بالمشاكل اليوميّة للمواطن وبمقدرته الشّرائية.
وعوض أن تهتمّ الحكومة بإيجاد الحلول الاستعجالية للمسائل الحارقة (الأسعار والتّهريب والتهرّب الجبائي…) تطرح هذه الحكومة على نفسها حلّ مشاكل لا قدرة لها على مواجهتها وليست من صلاحيّاتها (الإصلاحات الهيكلية) وليس لها الشّرعيّة أو الوقت للدّخول في معالجتها.
والأخطر هو أنّ الحكومة لها حلول جاهزة أتت بها من وراء البحار (المؤسّسات الماليّة الدّولية) تهدف إلى تحميل عبء الأزمة للطبقات الشعبية، وهو ما يؤكّد أنّ الحوار الاقتصادي “الوطني” مجرّد مسرحيّة لتمرير قرارات وإجراءات جاهزة مملاة من الصّناديق المانحة لضمان قدرة البلاد على سداد الديون (بما فيها الكريهة منها) والتي تعتبر فعليّا العبء الأكبر على ميزانية الدولة. وسيكون هذا المؤتمر امتحانا لحكومة المهدي جمعة أمام المؤسّسات الدّوليّة وبنوك النّهب حيث يجب عليه النجاح في تركيع الشّعب التونسي وإرهابه بفزّاعة الإفلاس وإجباره على القبول بدفع تبعات أزمة تسبّب فيها حكّام تونس القدامى والجدد والتّحضير لعقد مؤتمر أصدقاء تونس (اقرأ أعداء تونس) الذي سيُعقد شهر سبتمبر القادم لاستكمال ما تبقّى من نهب الثروة والإجهاز الكلّي على كلّ إمكانيّة للنّهوض الاقتصادي الذي يخدم السّيادة الشعبية واستقلال القرار الوطني.