بقلم جيلاني الهمامي
جاء في بعض وسائل الإعلام هذه الأيّام أنّ رئيس المجلس الوطني التّأسيسي مصطفى بن جعفر ينوي الاستقالة من مركزه موفّى الشهر الجاري ليتفرّغ للإعداد لحملته كمرشّح للرّئاسة في الانتخابات الرئاسيّة القادمة. ولئن لم يتأكّد هذا الخبر بصورة رسميّة فإنّ مجرّد صدوره في مثل هذه الفترة بالذّات، وقد تكثّف الجدل حول استقالة كلّ من رئيس الدّولة ورئيس المجلس، يؤكّد أنّ بقاء كلّ من المرزوقي وبن جعفر بات أمرا مرفوضا على أوسع نطاق وأنّ رحيلهما قد يتحوّل إلى واحد من أكثر المطالب السّياسيّة انتشارا في المدّة القريبة القادمة.
لا غرابة في الأمر بعد أن تمّت المصادقة على القانون الانتخابي حتى وإن تمّ الطّعن في أكثر من فصل من فصوله. ولقد بات من شبه المؤكّد الآن أنّ الانتخابات ستجري قبل موفّى السنة الحالية إن لم يطرأ طارئ يمنع ذلك. كما اتّضح بعد الجدل الدّائر اليوم داخل الحوار الوطني وخارجه أنّ تيارا عامّا في الوسط السياسي مع فصل الانتخابات التّشريعية عن الرّئاسيّة مع ميل كبير نحو تقديم هذه الأخيرة عن الأولى. وفي هذه الحالة أصبح من المشروع أن يتساءل المرء أمام اقتراب أجل انتخاب رئيس جديد للدّولة، عمّا إذا كان المرزوقي سيستمر في قصر قرطاج حتى حلول هذا الأجل أم سيغادره دون إبطاء ليكون على نفس الدّرجة من المساواة مع من سينافسه في الانتخابات القادمة لمنصب الرئاسة. الأمر نفسه بالنّسبة لرئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر.
نقيصة قانونيّة
كان يفترض أن يقع تقنين استقالة الرّئيسين المؤقّتين للدّولة والمجلس التأسيسي أسوة بالمبدأ الذي جرى به العمل بالنسبة لرئيس “حكومة الكفاءات المستقلة” الذي وضعه الحوار الوطني. فكما تمّ الاتّفاق على أن لا يترشّح المهدي جمعة في الانتخابات القادمة كان يُفترض أن يُشترط على المرزوقي وبن جعفر أن لا يترشّحا إذا واصلا مهامّهما إلى حدود انقضاء المدّة الانتقاليّة. وإن رغبا في التّرشذح عليهما التنحّي عن المناصب التي يتقلّدانها. كان يُفترض أن يُدرج مثل هذا المبدأ في الأحكام الانتقالية للقانون الانتخابي الجديد. ومعلوم أنّ التّغاضي عن ذلك كان بحسابات سياسيّة ومساومات بين أطراف الترويكا.
لكن وفي غياب التّنصيص على ذلك يقتضي المنطق والواجب الأخلاقي اليوم أن يبادر الرّئيس المؤقّت ورئيس التّأسيسي ببعث رسالة للرّأي العام الوطني تعيد لهذه المؤسّسات شيئا من المصداقية بعد ما لحق بها من اهتراء. فإمّا أن يعلنا أنهما لن يترشّحا في الانتخابات القادمة وإمّا أن يستقيلا فورا ودون إبطاء. فمن غير المقبول ومن غير الأخلاقي أن يستخدم المرزوقي مؤسّسة رئاسة الدّولة وأموالها ومكانتها الرّمزية والسّياسيّة في حملته الانتخابيّة على حساب منافسيه. كما أنه من غير المقبول ومن غير المنطقي أن يستند بن جعفر على مؤسّسة رئاسة التّأسيسي وأموالها ومكانتها في نظر الرأي العام في حملته الانتخابيّة على حساب منافسيه.
إنّ مبادئ الدّيمقراطية تقتضي أن يتنافس المنافسون في إطار تكافؤ الفرص والإمكانيّات وأن يتاح لكلّ واحد منهم نفس الظروف السياسيّة والماديّة ليكون فوز أحدهم على الآخرين محض جدارة ودون ذلك فهو من قبيل التّزوير والاعتداء على القانون وعلى حرّيّة النّاخبين.