بقلم شريف خرايفي
طيلة الثلاث سنوات ونيف من عمر “المسار الثوري” لم يتراجع النّضال الاجتماعي ولم تخفت الأصوات المطالبة بالتّشغيل وبالتنمية العادلة وبنصيب من الثروة للجهات المحرومة، ولم يتراجع الإصرار الثّوري عند قطاعات واسعة من الشباب والفئات الشعبيّة، بسبب الدّروس البليغة التي لقّنتهم إيّاهم الثورة: لا شيء يصمد أمام الوعي بالحقوق وبوحدة المصير وبالإصرار النّضالي، فالحقوق لا تهدى من مغتصبيها وإنّما تفتكّ…
قوى في الحكم لا تمثّل الشعب
من المهمّ التّأكيد على أنّ المطالب المشروعة المذكورة أعلاه، لم تتحقّق أساسا بسبب اعتلاء الحكم لفريق لا يمثّل الثّورة ولا يمثّل الشعب ولا يعبّر عن مصالحه، وهي لهذه الصفة، مازال النّضال ضدّها متواصل بلا هوادة. لقد ورثت “الجماعة” منظومة الاستبداد التي حكمت لأكثر من ستّة عقود، منظومة لا تمثّل الشّعب بقدر ما تمثّل مصالح أقليّة فاسدة، تحتكر كلّ أجهزة الحكم وكلّ مصادر الثروة، أقلّيّة تحكم بالحديد والنار غارقة في العمالة والتّبعيّة.
لهذا ما كان غريبا أن يواصل الشّعب رفع نفس شعارات الثّورة، وبأكثر قناعة أنّ الماسكين بمقاليد الحكم، طيلة فترات ما بعد الثّورة يعبرّون عن غير مصالحه، ويواصلون انتهاج سياسة لا شعبيّة.
محاكمات وملاحقات
حتّى بعد “ثورة”، وإلى اليوم، مازالت السلطة التنفيذية تبعث باستدعاءات إدانة لنشطاء الحقل الاجتماعي، ومازال “القاضي” يحقّق معهم، على خلفيّة نضالاتهم المشروعة، رغم اتّخاذها غالبا طابعا جماهيريّا شعبيّا لا فرديّا معزولا.
وقد اتّخذت هذه الاستدعاءات طابعا استهدافيّا خاصة لمناضلي اتّحاد أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل ولمجموعة من الشباب غير المنتظم أيضا، ومنهم في الآونة الأخيرة، بلال العمري وصفوان بوعزيز (منزل بوزيان)، ومحمد الراجحي وحافظ بن زروق وطارق الخنيسي وحافظ العين وصابر رحومة (من نفطة) مثلوا يوم الثلاثاء 06 ماي وتمّ تأجيلها ليوم 24 ماي، وفراس حمدة وعماد طوطة وحافظ قرباية (من القطار) مازالوا تحت طلب التحقيق، وكثير من الملفّات القضائيّة لم تغلق بعد، وتؤجّل ربّما لانتهاز فرصة التّراجع النّهائي للتّحرّكات الاحتجاجيّة وتراجع المدّ النضالي على “أمل” تأديب من يقضّون مضجع “الحكومة”. ومن جهة أخرى، تتواصل تحرّكات المعطّلين عن العمل في عديد الجهات ضدّ قرار رئيس الحكومة القاضي بالعودة للانتداب وفق مناظرة “الكاباس”، وضدّ قرار تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية (مثلما أملى ذلك اتفاقية القرض الائتماني وصندوق النقد الدولي)، وقد شهد يوم الأحد 04 ماي (موعد إجراء المناظرات) وقفات احتجاجيّة وحتّى اقتحام لبعض مراكز الامتحان في بعض الجهات.
رسائل من “الحوار الاقتصادي”
بصفتي أحضر ضمن ممثّلي الجبهة الشعبيّة في لجنة التشغيل (أحد لجان الحوار الاقتصادي)، فقد وقفت على الطّابع الشّكي والزّائف لهذا الحوار، وكأنّ الإجراءات المزمع “الخروج بها” هي معدّة مسبقا وتنتظر “الشرعنة” لا غير، ولا تبدو النيّة تتّجه للعدول عن قرارات “المهدي” ولا في مراجعة ما أنكره المجلس التأسيسي (دسترة الحق في الشغل)، وسير الحوار في هذه اللّجنة، على ما أعلم ليست بأفضل من بقيّة اللّجان، يبيّن أنّ “الجماعة” عاقدة العزم وبكلّ حزم، على أن تتخلّى الدّولة نهائيّا (وبقرار) عن أيّ دور لها في ملفّ التشغيل، وقد تجنح، مثلما تفعل الآن، إلى مزيد الضّغط على “مهادنة” النّضالات الاجتماعيّة والمضيّ في اتّخاذ إجراءات تجريمها في المستقبل. وربّما الرّسالة الواضحة الموجّهة إلى مئات الآلاف من المعطّلين ومن المهمّشين، “اذهبوا أنتم وربّكم قاتلوا فإنّا هنا قابعون”.