بقلم عمار عمروسية
تجاوزت حكومة السيد “مهدي جمعة” الحيّز الزمني المفترض في بديهيات العلوم السياسية للخروج باستخلاصات تقييمية موضوعية ومشروعة تقف على الأداء الحكومي لإبراز الإيجابيات وتطويرها وتحديد مكامن الإخفاق والفشل لتجاوزها.
فقد انقضت الـ 100 يوم والسّجال السّياسي حول حصيلة حكم هذا الفريق مازال محتدما عبر مختلف وسائل الإعلام والعديد من المنابر السياسية. ومن الممكن ومن المؤكّد أنّ هذا اللّغط سيستمر وسينتعش أكثر في السّاعات والأيّام القادمة على خلفيّة النّدوة الصّحفيّة التي أقامها المهدي جمعة مساء أوّل أمس الأربعاء 14 ماي الجاري بدار الضيافة بحضور رؤساء تحرير المؤسّسات الإعلامية الوطنية دون سواها من الصحفيين والعاملين بهذا الحقل وتلك بدعة تُحسب لهذه الحكومة في التّضييق على الحريات الصّحفيّة والتعدّي على حقّ المواطنيين في الاطّلاع على الخبر والمعلومة زيادة عن دعمها ما يروج سابقا عن لجوء رئيس الحكومة ومعاونيه إلى ضخّ أموال طائلة لتنظيم حملات إعلامية دعائيّة للتّسويق الفجّ إلى خياراتها وسياساتها وبطبيعة الحال تقوية الرّصيد السّياسي لبعض رجالاتها.
ودون شكّ فإنّ من حقّ كلّ تونسية وتونسي بل من الواجب عليهم طرح كلّ الأسئلة حول أداء هذه الحكومة وحصيلة الأشهر الماضية على جميع الواجهات دون استثناء كما أنّ من حقّ الجميع الحصول على أجوبة رسمية ودقيقة لتكون قاعدة إمّا للقبول إذا توفّر الصّدق والإقناع أو الرّفض إذا حضرت المغالطات والتبريرات.
وبعيدا عن اللغة الخشبية المألوفة التي عاودت البروز بقوّة إمّا لمصالح ماديّة ضيقة أو لحسابات سياسيوية انتخابيّة مغلوطة مرفقة بعقلية “الله ينصر من صبح” والتّماهي مع سياسة الإكراه والتضييق فالواجب في اعتقادنا يقتضي طرح السؤال الجوهري التالي: ما مدى التزام هذه الحكومة بمضمون خارطة الطريق؟؟؟
ودون العودة إلى تفاصيل المخاض المضني والعسير الذي رافق ميلاد هذه الحكومة فالجميع يعلم أنّ فريق السيد “جمعة” تسلّم مقاليد السّلطة لتنفيذ برنامج مسبق كان ثمرة توافقات ما يسمّى بالحوار الوطني.
بعبارة أوضح فالحكومة قبلت تنفيذ مضمون خارطة الطريق المعدّ سلفا ولم يكن واردا بالمرّة لا على رئيسها أو أيّ كان بلورة مضامين جديدة. فالمبرّر الوحيد لتولّي “مهدي جمعة” ومن معه شؤون البلاد افترض ولازال الإسراع بطيّ صفحة “حكومة الترويكا” السّوداء وتهيئة الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية لإجراء الاستحقاقات الانتخابيّة القادمة وفق المعايير المتعارف عليها للتّنافس الانتخابي الحرّ والنّزيه والشّفّاف.
والحقيقة أنّ الحصيلة الملموسة لهذه الحكومة بعد انقضاء هذه المدّة هزيلة ولا تبعث على الاطمئنان. ففي الواجهة السياسية يمكن القول دون مبالغة أنّ “جمعة” أدار ظهره لمقتضيات خارطة الطريق في كلّ بنودها واكتفى بإجراءات شكليّة وسطحية مازال سجينها ممّا يعزّز القناعة في أنّ هذا التّثاقل أو “الرّكشة” في معالجات كلّ القضايا السّياسيّة على هذه الشّاكلة ليس بالأمر الظّرفي أو التّكتيكي وإنّما هو تأخير واعي ومقصود يندرج ضمن خطّة مدروسة أفضت في نهاية المطاف إلى السطو على حكومة الكفاءات المستقلة وتطويعها بما يتطابق إلى حدود كبيرة مع مقولة حكومة الانتخابات التي سبق لـ”رئيس حركة النهضة” أن لوّح بها. فالمتمعّن في الأداء الحكومي طوال الأشهر الماضية يقف على حقيقة واحدة تتمثّل من جهة في إضاعة الوقت وترك الأمور على حالها في جميع القضايا المرتبطة بتوفير المناخ الضروري لإجراء انتخابات حرّة وديمقراطية ومن جهة أخرى في الحيويّة المفرطة عندما يتعلّق الأمر بالجوانب الاقتصادية والمالية.
والعجيب أنّ ديناميكية هذه الحكومة تتجاوز مهامّها وصلوحيّاتها وتطال الخيارات الاقتصادية الكبرى مثل الحديث عن الإصلاحات الهيكلية والمراجعات الجذرية. والأعجب أنّها في جميع معالجاتها لا تقيم أدنى اعتبار لا للسيادة الوطنية المنتهكة أصلا ولا لأوسع الفئات الشعبية التي أنهكتها الخيارات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبيرالية المتوحشة.
فهذه الحكومة راكمت الكثير من الإخفاقات والفشل وأبدت الكثير من الاستخفاف تجاه متطلّبات القطع مع منظومة التّفقير والتّبعيّة هي بصدد الإعداد لإجراءات قاسية لن يكون نتاجها سوى توسيع مظاهر الفقر والخصاصة وتعميمها ومزيد الارتهان للقوى الاستعمارية والرّجعية وإضعاف النّسيج الاقتصادي وتفكيكه من خلال الخصخصة وتعميق انسحاب الدّولة من وظائفها الاجتماعية.