بقلم علي البعزاوي
انتقلت حكومة التّكنوقراط التي لا تسمع ولا تفهم إلى السرعة القصوى بسعيها المحموم لإعادة هيكلة الاقتصاد المحلّي وفق مخطّطات صناديق النهب العالمي بما يربط تونس نهائيا بالرأسمال العالمي ويخضعها لمشيئته ويفرض على أيّ حكومة قادمة أمرا واقعا جديدا لا يمكن تخطّيه بسهولة مقابل الحصول على القروض ( قروض مشروطة).
المتابع لتصريحات وزراء المالية والاقتصاد لهذه الحكومة والخبراء من الموالاة يتبادر إلى ذهنه أنّ منوال بن علي الفاشل على كلّ المستويات يقتضي مثلما وقع القطع مع الاستبداد والفساد القطع أيضا مع المنوال الاقتصادي والاجتماعي السّابق وكان هناك تناقضا أو اختلافات جوهرية بين المنوالين.
إنّ ما تريد حكومة المهدي جمعة تمريره وفرضه على التونسيين تحت شعار “إجراءات مؤلمة لتخطّي الأزمة” هو التّسريع في استكمال ما بدأه بن علي من خصخصة وتعويل على الاستثمار الأجنبي والاقتراض من المؤسّسات المالية النهّابة والضّغط على الأجور وتحرير الأسعار ورفع الدّعم عن المواد الأساسية والمحروقات ومراجعة مجلّة الشغل في اتّجاه تعميق مرونة التشغيل أي تكثيف وتيرة الاستغلال وتكريس العبودية المأجورة. وفي كلمة فإنّ منوال حكومة المهدي جمعة هو النسخة النّهائية والرديئة لمنوال بن علي الذي واصلته الترويكا وليس منوالا آخر مختلفا. والهدف هو تحميل الشعب فاتورة أزمة الاختيارات الليبرالية المتوحّشة والفساد التي بدأت مع حكم الفاشية النوفمبرية وتواصلت في ظلّ حكم الترويكا المهزومة وتوفير السيولة المالية الضرورية لخلاص ديون النظام السابق والترويكا.
إجراءات تتجاوز صلاحيات الحكومة
معروف أنّ حكومة المهدي جمعة جاءت بناء على خارطة طريق هي مطالبة بتطبيقها وهي حكومة أزمة دورها الأساسي التخفيف من وطأة هذه الأخيرة وتوفير المناخ لانتخابات حرّة ونزيهة وديمقراطية في نهاية 2014 وليس موكولا لها اتّخاذ قرارات استراتيجية تتجاوز صلاحياتها. لكنها مصرّة على لعب دور استراتيجي يؤسّس لمرحلة جديدة أكثر تبعيّة وارتهانا للخارج وللمؤسّسات المالية العالمية النهابة. فدورها إذا هو وضع أسس النظام الاقتصادي والمنوال الليبرالي المتوحش والمضيّ قدما نحو التّطبيع مع الكيان الصهيوني ولو على مراحل تحت شعار تخطّي الأزمة وفرض كلّ هذا على أيّ حكومة ستأتي بها الانتخابات القادمة إن لم يكلّف المهدي جمعة نفسه بتشكيلها إذا توفّرت شروط ذلك من أجل المواصلة في نفس النهج خاصّة وأنه يلقى الدعم من القوى الاستعمارية التي تخطّط لقبر الثورة التونسية وضمان مصالحها الاستراتيجية في بلادنا والحيلولة دون اتّجاه تونس نحو بناء الدّولة العصرية المكتفية ذاتيا والمستقلة اقتصاديا وسياسيا.
إنّ هذا ليس بغريب على الفريق الحكومي للمهدي جمعة الذي تربّى في مؤسّسات النهب العالمي وهو حريص على تنفيذ المهمات المكلّف بها مهما كانت ثقيلة على الشعب التونسي ومكلفة اجتماعيا ومدمّرة للاقتصاد الوطني. وهو يستمد تعنّته وإصراره على فرض مخطّطاته من غياب أيّ أجندا انتخابية باعتبار هذا الفريق غير معني بالانتخابات القادمة وليس له ما يخشاه.
ومن المفارقات العجيبة أنّ إصرار هذا الفريق على فرض الإملاءات التي تتنافى مع جوهر خارطة الطّريق يقابله تراخ إن لم نقل امتناع على مراجعة التّعيينات الحزبيّة وحلّ روابط العنف وتحرير المساجد من التكفيريّين وغلاة السياسيّين وتنقية المناخ الاجتماعي… وهي إجراءات منصوص عليها بوضوح في خارطة الطّريق التي تحدّد برنامج عمل الحكومة وتأطّر سلوكها.
المقاومة هي الحلّ
مشروع حكومة التكنوقراط هو مشروع لا وطني ولا شعبي ويشكّل خطورة كبيرة على الاستقرار الاجتماعي والعيش الكريم لأوسع الطبقات الشعبية والوسطى. مثلما يمنع أيّ إمكانيّة لإرساء دعائم اقتصاد وطني مستقل قادر على إخراج البلاد من دائرة التخلّف والتبعيّة المذلّة.
لا خيار أمام القوى الثورية والديمقراطية والوطنية والشعبية والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني سوى التصدّي المنظّم لهذا البديل المغشوش الذي سيأتي، في صورة تمريره، على الأخضر واليابس.
الشعب التونسي لم يقم بالثورة ليلاقي التجويع والتفقير وتدهور المقدرة الشرائية ورداءة الخدمات الصحية والتربوية… وتسدّ أمامه أبواب التنمية والتّشغيل والعيش الكريم.
إنّ حلولا وخيارات أخرى ممكنة قادرة على الخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة وتتمثّل في البديل الذي طرحته الجبهة الشعبية وتجاهله بعض الإعلام المأجور وفي ما طرحه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تمسّك بضرورة تحسين وحماية القدرة الشرائية للأجراء والتّرفيع في الأجر الأدنى ومراجعة السّياسة الجبائيّة في اتّجاه أكثر عدلا… ودعا خبراءه إلى مقاطعة ورشات الحوار الاقتصادي الذي نظّمته الحكومة.
لا لتحميل الأزمة للأغلبيّة الفقيرة
تسقط المشاريع اللاّوطنيّة واللاّشعبيّة لحكومة التكنوقراط