أثارت العمليّة الإرهابيّة الأخيرة في القصرين ردود فعل كبيرة في السّاحة السّياسيّة لما تمثّله من منعرج خطير وتطوّر نوعي للنّشاط الإرهابي ببلادنا. وفي قراءة الجبهة الشّعبيّة لهذه التّطوّرات التقت “صوت الشّعب” بعضو مجلس الأمناء نزار عمامي فكان الحوار التّالي:
مرّة أخرى يضرب الإرهاب في منطقة من المفروض أن تكون جاهزة أمنيّا للتّصدّي له ولكن لم يحصل ذلك رغم طول مدّة الهجوم؟ كيف تفسّر ذلك؟
لا يزال خطر الإرهاب يشكّل تهديدا قائما للبلاد والمجتمع عموما. ولكنه يستهدف في الوقت الحالي المسار الثوري الذي تعيشه تونس ويدعم موضوعيّا قوى الثّورة المضادة من أجل الالتفاف النّهائي على الثورة. وتندرج الحادثة الإرهابية والإجرامية الأخيرة في مدينة القصرين التي استهدفت مقرّ سكنى عائلة وزير الداخلية في هذا السياق. ونجاح هذه العملية الجبانة رغم الحضور الأمني والعسكري المكثّف كما أسلفتم وحساسيّة الهدف الذي تمّ ضربه تؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ استمرار الاختراقات في الأجهزة الأمنيّة ويؤكّد وجود أجهزة أمنيّة موازية تخدم أجندات مشبوهة. كما يثبت محدوديّة المعالجة الأمنيّة لظاهرة الإرهاب، وهذا الأمر مرجّح للتّواصل في ظلّ انفجار الوضع الاقليمي، خاصّة في الجارة ليبيا. إنّ من يدفع الإرهابيّين للقيام بهذه العمليّات الانتقاميّة والإجراميّة التي ذهب ضحيّتها الأمنيّون له مصلحة في تعفين الأوضاع ومنع تونس من دخول مرحلة جديدة. وأعتقد أنّ هذا الحادث الأليم يؤكّد انتشار ووجود خلايا ومجموعات إرهابيّة مسلّحة منتشرة في المدن وليس فقط في المناطق الوعرة والجبلية. وهو ما يثبت صحّة التوجّه الذي طرحته الجبهة الشعبية سابقا أي وضع خطّة وطنيّة أمنيّة شاملة للتصدّي لهذه الظّاهرة الخطيرة، دون أن يمسّ ذلك من المكاسب التي حقّقها الشّعب التونسي بدمائه ودون أن يتحوّل ملفّ مقاومة الإرهاب إلى ذريعة لضرب الحريّات والحقّ في التّعبير والاحتجاج على مشاريع التفقير والتهميش.
كيف يمكن للمجتمع المدني ولعموم الشعب المساهمة بشكل فعّال في مقاومة الإرهاب؟
إنّ مقاومة الإرهاب ليست مسألة أمنيّة فقط بل تتطلّب وضع خطّة شاملة سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة وحتى دينيّة من زاوية تكريس حرّيّة الرّأي والضّمير وتحييد المساجد ونشر ثقافة بديلة عن ثقافة التعصّب والكراهية والتّحريض على القتل. ولا يمكن القضاء على الإرهاب دون القضاء على جذوره وأسباب بروزه. فالسّياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة والتّعليميّة المعتمدة منذ عقود والتي واصلت انتهاجها حكومات الترويكا لا يمكن أن تفرز إلاّ مثل هذه الظواهر. فمقاومة هذه الظاهرة لن يكتب لها النّجاح دون معالجة أوضاع الجهات المحرومة والمهمّشة وظاهرة البطالة، أي أنّ معالجة هذا الملف يجعلنا أمام ضرورة موضوعيّة تكمن في الاستجابة الفورية إلى مطالب الثورة في الشّغل والحرّيّة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
يمكن للمجتمع المدني وعموم الشعب أن يساهموا في مقاومة الإرهاب عبر التّحسيس والتأطير ونشر ثقافة سلميّة ومدنيّة وعبر تجنيد الشّعب للدّفاع عن الحريات العامّة والتصدّي لكلّ محاولات عودة الاستبداد وتجريم الحراك الاجتماعي والشبابي بأيّة تعلّة كانت.
الجبهة الشعبية مستهدفة بالإرهاب وبالاغتيالات، هل تتوقّعون عملا إرهابيّا يستهدف الجبهة الشّعبيّة بالنّظر إلى التطورات الأخيرة؟
لقد طالت يد الإرهاب أبرز قادة الجبهة الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد الابراهمي وكان ذلك في ظلّ حكومة الترويكا 1 و2 وما يزال إلى حدود اليوم كشف الحقيقة حول ملفّ الاغتيالات ومحاسبة الضّالعين فيه تخطيطا وتحريضا وأمرا وتنفيذا أحد أهمّ مؤشّرات النّجاح في قطع الطّريق أمام اغتيالات إرهابيّة جديدة.
لقد استهدف الإرهاب قيادات الجبهة الشعبية وما تزال يد الإرهاب طليقة أمام غياب أيّ معالجة جذرية للمنظومة الأمنيّة وتواطؤ القضاء في الكشف عن المتورّطين وحملات التكفير…الخ
والجبهة الشعبية باعتبارها قوّة سياسيّة منحازة إلى الطّبقات الكادحة ومدافعة عن المسار الثّوري وتحقيق أهدافه والقطع مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي السّائد المعادي لمصالح الطبقات الشعبية، ومن هذا المنطلق فإنّه بقدر حرصنا على تأمين سلامة رفاقنا وقادة الجبهة فإنّنا مستعدّون لمزيد تقديم التّضحيات في سبيل تونس وفي سبيل تحقيق أهداف الثورة وتكريس العدالة الاجتماعية والسّلطة الفعليّة للشّعب.
(جريدة “صوت الشعب” العدد 152: حاورته أماني ذويب)