احتضنت مدينة الحمّامات يومي 31 ماي و 1 جوان 2014 أشغال النّدوة الوطنيّة الثّانية للجبهة الشعبية، تلك الأشغال التي حضرها وأسهم في جميع تفاصيلها أعضاء تنسيقيّاتها الجهويّة والقطاعيّة وخبراؤها ونوّابها في المجلس التأسيسي إلى جانب الهياكل القياديّة.
وبالرّغم من ذلك الحضور المكثّف وخصوصا المتنوّع فكريّا وسياسيّا وتنظيميّا فقد كانت درجات التّقارب وأحيانا كثيرة الانسجام هي العنصر الأبرز في مجمل النّقاشات الثريّة والمعمّقة حول مختلف القضايا المطروحة بالرّغم من التّعقيدات الكثيرة التي طالت كلّ السّياقات الموضوعيّة التي تحرّكت ضمنها الجبهة من جهة وسرعة التحوّلات والتبدّلات الجارية على مختلف السّاحات الوطنيّة والاقليميّة والدّوليّة من جهة أخرى.
فالمتمعّن في الرّوح والعقليّة التي خيضت بها تلك السّجالات المطوّلة في علاقة بمشروعي الورقتين السياسية والتنظيمية يجعل النّاظر يحسب نفسه تقريبا أمام فعاليّات مؤتمر تنظيم حزبي موحّد سياسيّا وتنظيميّا وهو ما وجد ترجمته في مقرّرات الندوة الختامية.
ودون شكّ في أنّ هذه الميزة – ونقصد الدّرجة العالية من التوحّد – ليست بالأمر اله ولا اليسير، أوّلا بالنّظر إلى الموروث التّاريخي السّلبي القائم على الانقسام والتشظّي في صفوف القوى الوطنية والثوريّة وثانيا واقع السّاحة السّياسيّة المطبوع بحمّى الانقسامات والانشطارات العشوائيّة التي شبّهها البعض وهم على حقّ «بتوالد الأرانب .»
فالنّدوة منظورا لها من هذه الزّاوية تمثّل انتصارا لا لبس فيه ليس فقط على تلك العقليّة البائسة وعلى ذاك الموروث التّاريخي المضرّ. فالندوة عزّزت الأمل بتوحيد الصّفوف ورصّها لإنقاذ المسار الثّوري المهدّد وفتح الطّريق أمام إمكانيّة النّجاح في خوض المعارك الطبقيّة والوطنيّة لتحقيق أهداف الثورة التونسية وهي أيضا )الندوة( انتصار على مجمل مكوّنات المشهد السّياسي الذي يتهدّد الكثير من مكوّناته «فيروس » حمّى الزّعامات والتكتّلات وجميع
استتباعات الوهن والتفكّك.
فالجبهة نجحت حيث أخفق حتى أكثر مكوّنات السّاحة السّياسيّة ادّعاء للقوّة والجدارة في الحكم ممّا يجعلها بارقة أمل حقيقية لجماهير الشّعب وشباب الثّورة التوّاق إلى مواصلة المسار وتصحيحه.
فانتهاء أشغال النّدوة بتلك الروح وبذاك المضمون في بعديه السّياسي والتنظيمي يعدّ بكلّ المعايير أفضل ردّ واقعي يفنّد أماني وأحلام الكثير من القوى الرّجعيّة التي اشتغلت طوال المدّة الماضية بطرق عدّة فيها المكشوف وفيها الخفيّ على نسف الجبهة وتمزيق أوصالها.
وما لا جدال حوله أنّ ثمار تلك النّدوة ومجمل فعاليّاتها مثّلت خطوة جديدة مهمّة لتصليب وحدة الجبهة وتقوية عودها على قاعدة التملّك الواعي لمقتضيات المرحلة ورسم التّكتيكات الثّوريّة للمعارك المستقبلية بما يحصّن الجبهة من تأثيرات ومنزلقات أدعياء الجملة الثورية الذين لا يقيمون وزنا لا لضرورات الواقع الملموس وتغييراته وموازين القوى ولا لمقتضيات التّفريق بين الاستراتيجيا والتّكتيك.
وممّا لا شكّ فيه أيضا أنّ لمناضلات ومناضلي الجبهة اليوم كلّ الأسلحة الضّروريّة للاستمرار في الدّفاع دون هوادة عن مكتسبات الثّورة التّونسيّة والوقوف بكلّ شجاعة في وجه محاولات التّصفية والانقضاض التي تعمل قوى الثّورة المضّادة جاهدة إلى الوصول إليها بقوّة المال والإرهاب وأجهزة الدّولة بدعم مكشوف من الدّوائر الماليّة النهّابة والقوى الاستعمارية الكبرى. وممّا لا شكّ فيه أنّ عملا كبيرا ينتظر الجبهة لتعزيز نفوذها السّياسي وسط الجماهير حتّى تكسب الرّهان الأهمّ الذي يؤهّلها إلى التحوّل من قيادة بالقوّة للصّراع الطّبقي والوطني إلى قائد فعلي لمجمل المعارك القادمة سواء كانت انتخابية أو غيرها.