بعد طول انتظار ومخاض عسير تمّ تنصيب هيئة الحقيقة والكرامة والإيذان بصفة فعلية بانطلاق مسار العدالة الانتقالية. بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الثورة وبعد إهدار ما طاب من وقت ومن مال عام من طرف وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية دون إحراز أيّ تقدم يُذكر في هذا المجال، جاء وزير العدل الذي خلف سمير ديلو ليثمّن “الأشواط المتقدّمة التي قطعتها تونس في مسار العدالة الانتقالية” وليعلن “التزام وزارته بتقديم المساندة اللاّزمة” دون أن يغفل أنّ ذلك سيكون “في حدود الصّلاحيّات المتاحة”.
لا أحد ينكر تعطّل مسار العدالة الانتقالية والصعوبات التي تعترضها. فإلى حدود هذه الساعة لم نر سوى الحديث عن التّعويضات وعن تسوية المسارات المهنية للذين تمّ تشغيلهم في إطار العفو التشريعي العام وحتى عن ابتزاز العديد من رجال الأعمال الرّاغبين في تسوية أوضاعهم والإفلات من المحاسبة. وكأننا بأصحاب النّفوذ لا يريدون من العدالة الانتقالية سوى المغانم وعفا الله عمّا سلف. أمّا الفاسدون ورموز النظام القديم فهم على عجلة من أمرهم ولا يهمهم سوى “طي صفحة الماضي”.
ولكن ليعلم الجميع أن لا عدالة انتقالية دون محاسبة، ولا مصالحة في ظلّ تواصل الإفلات من العقاب ودون جبر الضّرر للضّحايا الحقيقيّين. فهل ستقدر هيئة الحقيقة والكرامة في ظلّ الأوضاع الحاليّة على السّهر على القيام بكلّ ذلك؟.
كثيرا ما سمعنا الحكومات السّابقة تتذرّع بدور المعارضة لتبرير عجزها وفشلها، فما عسى الحكومة الحاليّة تقول اليوم وما عسى هيئة الحقيقة والكرامة ذاتها تقول إذا لم تتقدّم في القيام بالدّور المنوط بعهدتها؟ إنّ أمامها اليوم عدّة أشهر لتركيز نفسها قبل الانطلاق في القيام بمهامها. وهي تعلم علم اليقين أنّ نجاحها في ذلك مرتبط شديد الارتباط بالإرادة السّياسية للماسكن بالسلطة، والماسكون بالسّلطة إلى حدّ الآن لم تكن لهم الإرادة السّياسية في تركيز عدالة انتقالية حقيقيّة. فهل ستفرز الانتخابات الرّئاسيّة والتّشريعيّة القادمة نتائج تسمح بالقيام بهذه المهمّة على الوجه المطلوب أم أنّ بلادنا مقبلة على سيناريوهات أخرى في ظلّ التّخلّي عن قانون العزل السّياسي وإطلاق سراح رموز النّظام القديم وتبرئة ساحتهم من دم الشّهداء والانطلاق من جديد في محاكمة شباب الثورة والانتقام منه؟.
ولكن حذار من جوع الشّعب ومن غضبه، فهو القادر على قلب موازين القوى والتّصدي لقوى الالتفاف على الثورة وما على القوى الثورية إلاّ تحمل مسؤلياتها كاملة في الاعتماد على ذلك لفرض عدالة انتقاليّة حقيقيّة والدّفع بالمسار الثوري إلى الأمام.