خصّص المؤتمر الوطني الرابع لحزب العمال جزء هامل من أشغاله للجوانب السياسية. وكانت القيادة الوطنية المتخلية أعدت وثيقتين أساسيتين لهذا الجانب هما “حول دواعي المؤتمر” و”موضوعات حول الوضع السياسي ببلادنا”. ومثلت هاتين الوثيقتين مادة نقاشات معمقة وثرية شملت جميع هياكل الحزب في كل الجهات وفي الخارج على امتداد شهري أفريل وماي الماضيين. وقد أثمرت هذه النقاشات جملة من التوصيات والمقترحات عرضت، عن طريق النواب المؤتمرين، في اللجنة السياسية خلال أشغال المؤتمر. اما الورقة السياسية الثالثة فكانت بعنوان ” تقرير حول الثورة التونسية ” عرضت مباشرة على النواب في جلسة عامة مطولة وجرى بشأنها حوار فكري وسياسي عميق. وإذ نحاول في ما يلي تقديم ملخص للورقتين الثانية والثالثة فإننا نعتذر للقراء عن عدم نشرهما بالكامل نظرا لطولهما لكننا نعدهم بنشرهما في كراريس منفصلة في الأيام القليلة القادمة.
الورقة السّياسيّة الأولى
موضوعات حول الوضع السّياسي ببلادنا
1 – مسار ثوري متعثّر ومتواصل
1- لا شك أن قضية السلطة هي المسألة الجوهرية في كل ثورة بما فيها بطبيعة الحال ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر – 14 جانفي. ولا شكّ أيضا أن السلطة حتى بعد إسقاط رأس النظام الديكتاتوري العميل وما تلاها من انجازات ذات بال مثل حلّ التجمع الدستوري وحلّ المؤسسات المنتخبة صوريا وحلّ البوليس السياسي إلخ… بقيت السلطة بيد القوى الرجعية العميلة المعادية للشعب والوطن.
2- إنّ العنصر الحاسم في توقف الثورة التونسية عند تلك الحدود (السياسية) هو عدم تمكنها من حسم مسألة السلطة لفائدة القوى الشعبية بما يضمن تحقيق تغييرات مهمة وجوهرية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والوطنية. فهذا الإخفاق لا يمكن فهمه إلاّ في سياق تخلّف العنصر الذاتي عن نظيره الموضوعي. ذلك أنّ جميع الشروط الموضوعية للثورة كانت حاضرة والاستعدادات الجماهيرية لقلب نظام الحكم كانت جاهزة وحتى ما كان ضعيفا ومحدودا في سنوات تراجع النضال الطبقي (ملامح الوعي السياسي، الجرأة في النضال، كسر حاجز الخوف…) سرعان ما قوّته وعزّزته أيّام قليلة من المدّ الشعبي والتصميم على الإطاحة بالنظام مهما كانت التضحيات.
وبالتوازي مع ذلك مثّل العامل الذاتي مرّة أخرى العائق الأساسي أمام نجاح الثورة وبلوغها أهدافها كاملة. فانتصارات الثورات في كل الأزمنة وجميع بقاع العالم مرتهنة بوجود القيادات الفعلية على رأس تلك الثورات وهو ما لم يتوفر لبلادنا بالرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلناها سواء في إعداد خمائر الثورة على امتداد سنوات أو وقت الأيام العاصفة (17 ديسمبر – 14 جانفي).
3- إن استمرار النضال الشعبي بطرق ووسائل مختلفة طوال السنوات التي أعقبت سقوط رأس النظام تؤكّد بما لا يدع مجالا للشك استمرار جذوة النضال والثورة لدى قطاعات عريضة من العمال والفلاحين ومختلف الشرائح الاجتماعية ضدّ القوى الرجعية التي تعاقبت على الحكم ببلادنا.
وبهذا المعنى تغدو ثورة الحرية والكرامة مسارا ثوريا تحكمه جملة من القوانين الموضوعية والذاتية ضمن محيط إقليمي ودولي فيه الكثير من التبدلات والتغييرات وفيه الكثير من مساعي التدخل والتوجيه.
4- إن الحديث عن مسار ثوري كان ومازال قائما ليس وليد رغباتنا ولا أحلامنا، وإنما هو مرتبط بالواقع الملموس للصراع الطبقي والاجتماعي وبالذهنية العامة لأوسع الطبقات الاجتماعية. لأسباب ذاتية عديدة وموضوعية سبق أن عمّقنا النقاش فيها داخل حزبنا ومع باقي القوى الثورية مثّلت نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي خطوة إلى الوراء … وانتكاسة فعلية لمسار شعبنا لأن القوى الثورية والديمقراطية لم تتمكن من عزل القوى المعادية للثورة وغلق الباب أمام تسللها إلى المجلس. فالنتائج أفضت إلى غلبة القوى الرجعية التي كان عمودها الفقري أكثر تلك القوى تخلفا وانحطاطا وفي نفس الوقت الأكثر تنظيما وتماسكا ونعني حزب “حركة النهضة”.
5- إن صعود تلك القوى بقيادة النهضة واستمرارها في الحكم فاقم جميع أزمات تونس وكشف عن عجز فظيع لتلك القوى في إيجاد حلول لمختلف استحقاقات الثورة بما فيها الأكثر بساطة وأولوية. وعلى النقيض من تطلعات شعبنا ازدادت وتيرة التقهقر وبرزت منذ الأسابيع الأولى من حكم “الجبالي” مؤشرات الالتفاف على المسار الثوري بدعوى الشرعية الانتخابية وانتقلت تحت وهنها (الحكومة) واستمرار الحراك الشعبي ضدها وضد سياساتها إلى التلويح بإقامة نظام استبدادي ديكتاتوري جديد بغلاف ديني إسلامي كاذب يأتي على المكتسبات التي حققها الشعب بنضاله. فالحريات السياسية وهامش الديمقراطية الذي تمّ فرضه بقوة الشارع والشعب أضحى الهدف الأفضل للتصفية من قبل حكام تونس الجدد (اعتداءات 9 أفريل، محاولات التضييق على التظاهر وخصوصا بشارع الحبيب بورقيبة الذي اكتسب رمزية كبيرة في ثورة شعبنا، الاعتداء على المثقفين، اعتداءات على دور الاتحاد، التضييق على الإعلاميين وحرية الصحافة – حادثة دار الصباح نموذجا…).
6- دفعت حكومة الترويكا الأولى البلاد نحو مربع الإفلاس والفوضى والعودة إلى الأساليب الاستبدادية القديمة ومحاولة زرع الفتنة وخلق مناخ متعفن يغذّي العنف والإرهاب الذي ذهب ضحيته “لطفي نقض” في تطاوين وانتقل إلى فتح باب الاغتيالات الذي أودى بحياة الرفيق “شكري بالعيد”…
7- إن اغتيال “شكري” مثّل منعطفا حادا في بلادنا وهو ضربة ليس فقط لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وإنما للجبهة الشعبية برمّتها وكل القوى الديمقراطية. فهذه الجريمة من الناحية الموضوعية تمثّل انعطافا خطيرا فتح الباب على سياقات فيها الكثير من الدم والتكاليف البشرية التي ارتفعت باستشهاد العشرات من الأمنيين ورجال الجيش إضافة إلى تسجيل الاغتيال الثاني مرّة أخرى للمنسق العام للتيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية الشهيد الحاج “محمد البراهمي”.
8- إن الأحداث السابقة وغيرها الكثير (الرش في سليانة، الإيقافات الواسعة لشباب المسار الثوري والاحتجاجات الاجتماعية بالجهات الداخلية…) نقل الصراع مع القوى الرجعية إلى مربع المحافظة على أهم مكسب للثورة التونسية. بعبارة أوضح فان النضال ضد الديكتاتورية الزاحفة التي عملت على تشديد قبضتها على الدولة والمجتمع أضحى هو العنوان الأبرز منذ اغتيال الرفيق “بلعيد” وحتى الأيام الأخيرة من حكومة الترويكا 2.
9- … إن الديكتاتورية الزاحفة اقتضت المرور إلى تكتيك جديد تمثّل في تجميع أوسع القوى لإيقاف ذلك الزحف وتصحيح المسار الثوري لإخراج الثلاثي من الحكم (الندوة الوطنية للجبهة الشعبية بسوسة جوان 2013) وهو ما وجد ترجمته في جبهة الإنقاذ التي لعبت دورا حاسما في تأطير الحراك السياسي والشعبي الذي أفضى ولو بعد جهود مضنية ومدّة طويلة إلى تحقيق أهدافه وفتح البلاد على طور جديد.
… فبذاك التكتيك الذي جمع بين محاور وطنية وديمقراطية واجتماعية دنيا أمكن توسيع قاعدة معارضة حكم النهضة. وبذاك التكتيك اكتسبت الحركة الشعبية الناهضة أداة للنضال على محاور محدّدة وأمكن تضييق الخناق على قوى السلطة وإجبارهم مكرهين على الخروج من الحكم والقبول بتعديلات جوهرية في الدستور التونسي.
2- على مشارف طور جديد
1) منذ 25 جويلية 2013، تاريخ استشهاد البراهمي اتخذ الصراع ضد حكومة الترويكا أبعادا شاملة وحادّة بأهداف واضحة محدّدة ومعلومة تمثلت في التخلص من حكومة “علي العريض” والانتهاء السريع من أشغال سن الدستور التونسي. وبصفة عامة يمكن الجزم أن ذاك الصراع انتهى إلى انتصارات لا لبس فيها لجماهير شعبنا وقواه الثورية والديمقراطية. فحكومة “علي العريض” رحلت والدستور المصادق عليه رغم نقائصه يعكس الأهداف العامة للثورة التونسية وهو في كل الحالات بعيد كل البعد عن المشروع المقدّم من الأغلبية النيابية في غرة جوان الماضي.
2) ولأن الانتصارات نسبيّة من جهة ولأنها منتوج موازين قوى اجتماعية وسياسية متقابلة فقد جاءت تلك الانتصارات محكومة بنقائص تظهر بصفة جليّة في حكومة الكفاءات المنبثقة عن ماراطون المفاوضات ضمن الحوار الوطني. ذاك الحوار الذي قبلنا وقبل غيرنا الدخول فيه من موقع الضرورة رغم وعينا بأن الإطار العام لبعض القوى الفاعلة في ذاك الحوار كانت تدفع نحو وفاق وطني مغشوش وسلم اجتماعي مزيف. لقد قبلنا في وضع معيّن وتحت موازين قوى طبقية محدّدة الدخول في حوار وطني ونحن على يقين تام بأن فوائده ومردوده ككل مفاوضات مرتبط بطبيعة وحجم الضغوط التي تمارس عليه وحاولنا جاهدين في كل المحطات مقاومة الميولات التوفيقية والمساومات اللامبدئيّة وحرصنا على تحمّل مسؤولياتنا حيال الحراك الاجتماعي باستنهاضه ودفعه وتأطيره ومحاولة قيادته من أجل أن يكون “الحوار الوطني” أداة من أدواة تحقيق المكاسب والانتصارات لا منبرا للثرثرة وإضاعة المطالب الشعبية الملحّة.
3) لقد أكدت فعاليات الصراع الاجتماعي والسياسي بُعيد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي صحّة ما ذهبنا إليه منذ البداية عندما اعتبرنا موازين القوى أولا متغيرة وثانيا عامة وشاملة. بعبارة أخرى فإن إصرارنا على لعب أدوارنا للمحافظة على المسار الثوري وتطويره بخوض جميع المعارك الاجتماعية والسياسية والوطنية أيضا كان كفيلا بتعديل ميزان القوى الراجح داخل المجلس لفائدة قوى الثورة المضادّة ممّا أثمر موازين قوى جديدة غلب عليها حينا طابع التكافؤ وأحيانا أخرى الرجحان لفائدة “الضعيف” انتخابيا الذي أطلق عليه الفائزون “جماعة الصفر فاصل”.
4) إن حكومة “مهدي جمعة” لا تختلف جوهريا عن سابقاتها من حيث التوجهات والسياسات فهي حكومة برجوازية وعميلة. ومثلما سبق وقلنا هي عبارة عن “حكومتين واحدة سياسية انتخابية مكونة من لفيف فيه الحرس القديم وفيه الأعوان الجدد وثانية اقتصادية ولاؤها الأول والأخير للقوى الرجعية الامبريالية والنهّابة دولا ومؤسسات”.
5) لقد خرجت الترويكا من الحكومة تحت الضغط الشعبي غير المسبوق وبفعل عوامل دولية وإقليمية أيضا، إلا أن هذا الخروج لا يعني بالمرّة انزياح القبضة “النهضاوية” على أجهزة الدولة والمجتمع وبطبيعة الحال الإدارة. وضمن هذا الإطار لا بدّ من تسجيل التغلغل الواسع لحزب “التكتل” ضمن المؤسسات المالية مثل البنوك والصناديق، الخ. وضمن الإطار ذاته لابدّ من الوعي بأن “حركة النهضة” قد أفلحت في ربح الوقت والمناورة بهدف التقدم في “خونجة” الإدارة والدولة والمجتمع ورفدها بشبكة من الجمعيات والمنظمات والمدارس المموّلة من الخارج لتأطير المجتمع كما أنها (أي النهضة) نجحت في مدّ جسورها بألف خيط وخيط مع الجماعات الإرهابية الوهابية الممتدة بالوطن العربي.
6) إن جميع المؤشرات الحاصلة حتى هذا الوقت من قبل حكومة جمعة غير مطمئنة بالمرّة. فنسق مراجعة التعيينات الحزبية بطيء ويمكن وصفه حتى بالتلكّؤ والأخطر من ذلك أن التعيينات الجديدة فيها الكثير من الشبهات وكأن المطلوب منها – أي الحكومة – ليس تحييد الإدارة والمؤسسات جميعها وإنما تغيير الواجهات المحروقة بأشخاص من الصف الثاني والثالث من حركة النهضة والأحزاب التي تدور في فلكها.
وبالتوازي مع ذلك مازالت روابط العنف والقتل بعيدة عن الحل النهائي بالرغم من الحكم القضائي الصادر ضدّها هذا بالإضافة إلى بقاء أعداد كبيرة من المساجد تحت هيمنة التيارات السلفية المتشدّدة وأنصار النهضة. والملفت للانتباه هو عد التقدم الفعلي في الكشف عن كل الضالعين في الجرائم الإرهابية وجرائم الاغتيالات. فهذا الملف مازال يراوح مكانه ومحل تلاعبات إعلامية وسياسوية خطيرة.
7) إن أحد أكثر التحديات بل المخاطر على بلادنا الآن ومستقبلا يبقى مرتبطا بآفة الإرهاب الذي اشتد عوده كما لم يحدث من قبل. ويمكن الجزم بأن للإرهاب والإرهابيين جولات جديدة قد تكون أكثر دموية ضد رموز الثورة والحركة الديمقراطية ببلادنا وليس مستبعدا بالمرة أن يصل الإرهاب مراحله الأكثر وحشية وبربرية ضد عموم المواطنين.
فهذه الظاهرة جذورها قديمة في مجتمعنا والعالم أيضا. فهي مرتبطة باستمرار الهيمنة الرأسمالية المتوحشة على الأمم والشعوب بما فيها شعبنا. وهي مرتبطة أيضا بتواصل التفقير والتهميش لشرائح اجتماعية واسعة وجهات بأكملها وهي مرتبطة أيضا بسقوط النظام الليبي على تلك الطريقة وتدرّج الأوضاع هناك نحو تفكك الدولة وأجهزتها وسيادة الجماعات المتطرفة. كل هذا صحيح إلا أن حكومتي “النهضة” تتحملان المسؤولية في تغذية الإرهاب وتطويره حتى يبلغ هذا المستوى من اشتداد عوده.
8) لقد تراكمت الأدلة بما لا يدع مجالا للشك على القدرات الكبيرة للإرهاب والإرهابيين في بلادنا بما يفنّد المزاعم الرسمية المتأرجحة بين لهجة ومواقف انتصارية كاذبة تدّعي الإجهاز على الإرهاب والقضاء عليه وبين ادعاءات الاقتراب من حسم المعركة وتحقيق الأمان المنشود. فهذه الآفة تهدأ حينا لتعاود الظهور لاحقا مستفيدة من عوامل عديدة ( انهيار الدولة الليبية وسيادة الجماعات الإرهابية، انتشار السلاح والفوضى بالوطن العربي وصعود الحركات الإسلامية المتشدّدة…) قد يكون في صدارتها الميوعة الكبيرة لحكومة “جمعة” التي واصلت التعاطي مع هذا الملف بطرق يغلب عليها الطابع الدفاعي المهتز وكذلك العشوائية والاضطراب. ومعلوم أنّ غياب الإرادة السياسية الصلبة في محاربة هذه الآفة وفقدان الاستراتيجية الأمنية الشاملة هي المداخل الأولى لارتفاع مخاطر الجماعات الإرهابية وبلوغ أنشطتها في مرّات عديدة مستويات غير مسبوقة تجاوزت النجاح في رفع تكلفة الخسائر البشرية إلى تسجيل نقاط ثمينة فيما هو أرفع ونعني إلحاق الأذى بالروح المعنوية للأجهزة (حادثة الاعتداء على منزل وزير الداخلية بالقصرين نموذجا…).
9) إن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لحكومة “مهدي جمعة” هي ذاتها التي أنتجت الثورة ومثلت عوامل موضوعية لاستمرار المسار الثوري طوال حكم “النهضة”. ولعلّ الإبقاء على ميزانية 2014 الموروثة عن الحكومة السابقة دليل على صدق قولنا. كما أن تصريحات “جمعة “مؤخرا وما ورد على لسان وزير المالية إشارات على أن الطريق واحد والخيارات المعادية للوطن والشعب هي ذاتها.
فالمتأمل في الوضع الاقتصادي يقف دون عناء يُذكر على الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشارف حدود الانهيار والخراب الذي طال كل مكونات الدورة الاقتصادية، فالاستثمار والإنتاج تراجعا، والادخار مثل الاستهلاك والتجارة الداخلية والتصدير يسيرون نحو التدهور الفظيع. فكل المؤشرات الاقتصادية حتى الرسمية منها تؤكد حقيقة ما ذهبنا إليه ذلك أن نسبة النمو المقدّرة هذه السنة لن تزيد عن 2،5 %، وبلغت نسبة الدين الخارجي 50% من الناتج الداخلي الخام وتعمّق عجز الميزان التجاري كما لم يحدث من قبل وبلغ أكثر من 10 مليون دينار وبالتوازي مع ذلك مازال الدينار التونسي ضعيفا مقابل العملات الأجنبية الأساسية وليس مستبعدا بالمرّة أن يعاود سقوطه وتدحرجه إما لعوامل داخلية أو لأسباب خارجية متعلقة بالتداعيات الخطيرة التي تهزّ النظام الرأسمالي العالمي.
والناظر إلى الجانب الاجتماعي يقف بسهولة على التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية التي تطحن أوسع الطبقات والفئات من جماهير شعبنا التي كانت في كل الأزمنة وتحت كل الحكومات الرجعية الهدف الأفضل لتحميلها أعباء إضافية تحت يافطات مغشوشة مثل “المصلحة الوطنية” و”تقاسم التضحيات”،الخ. فمؤشر ارتفاع الأسعار في صعود متزايد وتدهور المقدرة الشرائية في تراجع مفجع يكاد يُجمع الكل على بلوغه درجات ليس فقط غير مألوفة وإنما حدودا لا تطاق الأمر الذي وسّع دوائر الفقر وساهم في تفشي مظاهر الحرمان والخصاصة لا فقط بالنسبة للشرائح الشعبية وإنما أيضا للفئات المتوسطة، وآفة البطالة مازالت تفتك بطالبي الشغل على الأخص الشبّان منهم سواء كانوا من حاملي الشهائد العليا أو سواهم. فآخر الإحصائيات الرسمية في هذا الصدد تُبقي نسبة البطالة عالية في حدود 16% مازال منها للجهات الداخلية المهمّشة نصيب الأسد. كل هذه التفاصيل تمثّل التربة الخصبة لتفشي مختلف الأمراض الاجتماعية مثل الكحولية والبغاء وتعاطي المخدرات.
10) إن مجمل الأوضاع القائمة تجعل من مسألة الثورة والانتفاضات الشعبية أمرا ممكنا وقابلا للحدوث في كل وقت. ومن البديهي أن يشتغل الثوريون على إعداد كل مقومات النجاح (الانغراس، إحكام التنظيم…) وفوق هذا فالمتأمل في موازين القوى الطبقية بإمكانه الوقوف بسهولة على نوع من التكافؤ في تلك الموازين. ونحن نعتقد أن رجحان الكفة لفائدة معسكر الرجعية أمر نسبي وله ما يعدّله في أرض الواقع مثل التدهور الخطير لأوضاع أوسع الفئات العريضة من الشعب التونسي وبقاء جذوة التمرد والتغيير حيّة تحرك جمهورا كبيرا من المعطّلين والمفقّرين في الريف والمدينة على حد السواء.
فوقائع السنوات الثلاث الماضية المثقلة بالاحتجاجات والحراك أكدت أن المسار الثوري مازال قائما ووقائع اليوم بعد استلام “جمعة” السلطة يعزّز تلك القناعة.
ونحن نعتقد أنّ تراجع الحراك الشعبي والجماهيري مسألة ظرفية لا أكثر ولا أقل زيادة على أنها مرتبطة بعقليّة انتظارية عادة ما ميّزت الذهنية العامة لشعبنا. فبالعودة إلى الماضي القريب نجد أن كل حكومة جديدة رافق خروجها وأعقب ميلادها فتور وتراجع، إلا أن الحركة الجماهيرية بجهودنا ومجهودات غيرنا وبالفشل الذريع للحكام سرعان ما عادت إلى وهجها الثوري وكفاحيتها.
11) إن مبرّر وجودنا كقوى ثورية مرتبط برفضنا كل دعوات الهدنة الاجتماعية في مثل هذه الأوضاع وحتى غيرها. فمسؤوليتنا الثورية تجعلنا على الدوام في صف العاملين على تأجيج الصراع الطبقي والدفاع عن مصالح العمال والفلاحين وكل المهمشين من هذه السياسات اللاشعبية واللاوطنية. فدعوات الهدنة ومساعي بعض الأطراف الليبرالية والرجعية إلى التقشف والتضحية ليست سوى غطاء للاستمرار في النهب والاستغلال. فالحوار الوطني الاقتصادي الذي نظّمته حكومة “جمعة” وفق حيثيات جلساته التي تمّت لم يكن سوى محاولة لإيجاد الغطاء السياسي والاجتماعي اللازم باسم التوافق الوطني لتمرير سلسلة من الإجراءات اللاشعبية التي أوصت بها المؤسسات والدوائر المالية العالمية.
ونحن نعتقد أن مشاركة “الجبهة الشعبية” أثناء الانطلاق كان مبرّرا لاعتبارات عديدة أهمها يتمثّل بطبيعة الحال في كسر الدعايات المغرضة التي تركّزت على الدوام في تشويهنا بترديد مقولات “جماعة الرفض” و”أصحاب اللا”… كما أننا في ذات الوقت نعتقد أن خروجنا من ذاك الحوار كان موفّقا في بعثرة مساره وإرباك أصحابه ممّا أثمر، ولو مؤقتا، تراجع الحكومة عن رفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية والتوقف عن تفتيت القطاع العمومي وبالأخص كبح جماح التمادي في بيع المؤسسات والشركات والتفويت فيهما لفائدة الخواص محليين وأجانب.
3 – مشهد سياسي متقلّب
لا أحد بإمكانه الادعاء بأن المشهد السياسي في بلادنا قد استكمل نهائيا تشكّله. فالأوضاع متغيّرة ونسق التبدلات متسارع والمشهد العام مازال قابلا للتغيير، وفي ذات الوقت هناك ثوابت في هذا المشهد:
– حملت الأيام الأخيرة أنباء كثيرة عن تصدعات كبيرة توشك على تفكيك “الاتحاد من أجل تونس” وانفراط عقده واقتصاره تقريبا على حزب “نداء تونس” وفي كل الأحوال بات واضحا أن هذا الضلع حتى وإن عاود ترتيب أوضاعه بترضية الغاضبين أو استقطاب آخرين جدد سوف يظل محوره (الضلع) الأساسي مثل البداية “حزب النداء” الذي بقي دون برنامج حتى هذا الوقت ودون مؤتمر تأسيسي كاد التفكير في انجازه أن يعصف به. فهو عبارة عن التقاء قوى فكرية وسياسية من مشارب مختلفة فيها المنحدر من اليسار وفيها القادم من تيارات الفكر القومي وفيها الوافد من الحزب الدستوري والتجمّع.
فهذا الحزب يمكن اعتباره واحدا من أكبر ممثلي البرجوازية الكبيرة العميلة دون شكّ وهو يعمل على الوصول إلى الحكم مستفيدا من إخفاقات “النهضة” وحلفائها ومن تجربة وعلاقات بعض رموزه البارزة سواء بماكينة الحكم السابقة أو ببعض الدول الاستعمارية ذات اليد الطويلة ببلادنا.
– “النهضة” وحلفاؤها من الأحزاب الدينية أو ما يمكن تسميته بالجبهة الإسلامية مضافا إليهم بعض الانتهازيين فليس مستبعدا أن يكون معهم حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” وربّما “حركة وفاء” زيادة عن بعض الجماعات الإجرامية في ما يسمّى “روابط حماية الثورة”.
– “الجبهة الشعبية” ذات الطاقات الميدانية الكبيرة والصيت السياسي المهم التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك قدراتها في إتقان لعب دور المعارضة الجدية والقدرة الكبيرة على التعبئة والحشد إلاّ أن نقائص كبيرة مازالت عالقة بأدائها مثل البرهنة على ثقافة الحكم، ضعف الوحدة التكتيكية والفئوية والزعامتية والأخطر من كل ذلك محدودية الانغراس حيث يجب أن تكون ونقصد الفئات الكادحة والفقيرة في الريف والمدينة.
– هناك قطب رابع في طور التشكّل ممثل من “الحزب الجمهوري” و”التحالف الديمقراطي” و”حركة الشعب” وربما “حزب التكتل” إنّ هذا الطيف له بعض القواسم المشتركة مع القوى الثورية وهي منحصرة بهذا القدر أو ذاك ومختلفة من طرف آخر في رفض الهيمنة الاستبدادية لـ”حركة النهضة” والقاسم المشترك بينهم هو التردد في المقاومة واختيار المعسكر المناسب ولعل “الحزب الجمهوري” أفضل مجسّد لقولنا.
آخر الأضلاع هو “الجبهة التجمعية الدستورية”، لقد تشكلت أغلب أحزاب هذا القطب حديثا وهي تحمل بصمات تدخل “حركة النهضة” هذا المولود يهدف إلى تضييق المساحات أمام توسع “النداء”. ويمثل حزب “حامد القروي” قاطرة هذه الجبهة ورأسها الأكثر خطورة فهو بكل المعايير إعادة فجّة “للتجمعيين” بما يناقض كليا استحقاقات المسار الثوري. إن هذه الجبهة تعمل على المكشوف ودون حياء لإعادة رسكلة “التجمعيين” فشعار حزب “حامد القروي” هو نفس شعار “التجمع” المنحل وخطابه في أكثر من مرّة دعوة صريحة إلى تمجيد “التجمّع” وهو ما يناقض روح الثورة وكذلك قانون الأحزاب الحالي إضافة إلى تعارضه مع حكم قضائي سبق أن صدر بحل حزب الديكتاتورية.
4 – حول الانتخابات
- مثلما أسلفنا انتهى الصراع الطبقي ضد “الترويكا” إلى رحيلها من الحكم وفتح الباب أمام تطور الأوضاع منطقيا نحو إقامة انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي هذه المرحلة الانتقالية الكابوس. ومعلوم أن الانتخابات في منظورنا وفي واقع الانتكاسة الخطيرة لمسار الثورة محطة جديدة مهمة لإعادة تصحيح ذلك المسار والتقدم الفعلي في بناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية والقطع النهائي مع النظام الاستبدادي القديم الذي أعادت له الروح القوى الفائزة في الانتخابات التأسيسي وطوّعته لخدمة المشروع “النهضاوي” الذي سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي الذي مزج بين التواصل في كل المضامين القديمة (اقتصاد، اجتماع، سياسة، خارجية…) وأثقله بنزعة أكثر استبدادية بغلاف ديني كاذب.
- لا بدّ من الوعي أن المحطات الانتخابية القادمة وعلى الأخص الرئاسية والتشريعة على أهمية كبيرة في رسم الاتجاه والطريق الذي ستسير فيه البلاد، فهذه الانتخابات معركة على مستقبل تونس وهي معركة على تجسيد كل ما ورد بالدستور الجديد. فالفائز هو من سيطبع المستقبل برؤاه وتصوراته وبرامجه والفائز هو من سيتحكم في مستقبل أكثر من جيل في بلادنا وهذه الانتخابات سيكون مدارها مرة أخرى السلطة والحكم في فترة شديدة الدقة ضمن هذا المسار المتعثر وحتى المنتكس.
وهي – الانتخابات – في نظرنا كثوريين أداة في كل الظروف للإعداد الأنسب للثورة العميقة وهي وسيلة لخدمة الشعب والاقتراب من إنقاذ الثورة والتقدم في مكتسباتها وتعزيزها. فالانتخابات القادمة – أيّا كانت نتائجها بالنسبة إلينا مع التشديد على ضرورة الإعداد الجيّد لها على جميع الأصعدة لتحقيق أفضل النتائج الممكنة – تكون محطة للمراكمة وتقريب الشروط الضرورية لتحقيق الانقلاب الثوري الحقيقي الذي يعيد بالفعل السلطة إلى الشعب ويعبّد الطريق أمام تحرير قوى الإنتاج من كل أنواع الاستغلال الرأسمالي والاغتراب.
إنها معركة على درجة كبيرة من الأهمية نخوضها دون أوهام ولكن دون تساهل واستنقاص.
- إن الانتخابات القادمة استثنائية بكل المقاييس على الأقل من زاوية أنها ستدار على مشاريع حكم وبرامج ولكن أيضا حول نمط مجتمعي محدّد.
وهي استثنائية بالنظر إلى أن الطرف الذي أُخرج من الحكم مازالت له كل الإمكانات للعودة مجددا بالرغم من اهتراء صورته شعبيا وافتضاح مقولة “يخافوا ربي”.
وهي استثنائية في ظل التحولات العميقة الشاملة والمتسارعة التي يشهدها محيطنا العربي والدولي. فهذه التحولات فيها الكثير الذي يصبّ، وإن بحسابات ضيقة ورجعية، ضدّ المشروع الاخواني الذي يلاقي مصاعب جمّة في أكثر من بلد عربي ومكان بالعالم، لكن في نفس الوقت هذا المشروع له نقاط ارتكاز مهمّة فيها قوة المال وسطوة الإعلام والسلاح.
وهي استثنائية لأن الأوساط البرجوازية المحلية والدولية تريد غلق قوس الثورة في تونس وتوحيد القوى السياسية الرجعية لإنتاج حكومة جديدة لها القوّة اللازمة لتصفية الحساب مع القوى الثورية ومجمل الفئات والطبقات الشعبية التي مازالت متعلّقة بالنضال لتحقيق أهداف الثورة في بعديها الاجتماعي والوطني.
وحتى نكون دقيقين، المشروع الاخواني برمته يشهد مصاعب، فالرياح بمجملها تهبّ في غير صالح اتجاه سفنه. لكنّ “حركة النهضة” لاعتبارات تاريخية وبجهود كبيرة لبعض قادتها تبدو نوعا ما في مأمن من هذه المصاعب وسلاحها هو الاستعداد الدائم لخدمة المشروع الاستعماري لبلادنا وشق الحركة الديمقراطية والعمل على تكوين ائتلاف مغشوش مع قوى تدّعى الليبرالية والعلمانية، إن “حركة النهضة” لها قدرة كبيرة على المناورة والتكيف مع الأوضاع حتى الصعبة منها وخصوصا التحلي بعقلية منفعية قابلة للتعايش حتى مع المتضادات وهو نفس النهج الذي أبدع في شقه على أرض الواقع والتنظير له “حسن الترابي”.
- وفي هذا الباب لا بدّ من الوعي بضرورة:
– مواصلة العمل على عزل حركة النهضة وخلق فجوة وفراغ حولها وإبقائها في دائرة أصدقائها الإيديولوجيين (حزب التحرير، السلفية…).
– وضع تكتيكات الآن وأثناء الانتخابات وبعدها لتحقيق هذا الهدف.
– المحافظة على تكتيك الحزب والجبهة القائم على توحيد أكثر القوى وتوجيه أغلب السهام ضد النهضة والجماعات الإرهابية التي ترعاها والمسارعة لبلورة اتفاق مع مجمل القوى الديمقراطية حتى يقع سدّ الطريق أمام عودة النهضة الى الحكم مع الالتزام الصريح بعدم القبول بأي مشاركة معها في الحكم أيّا كانت النتائج.
- وحدها القوى الفوضوية اليسراوية التي لا تقيم للانتخابات ولا العمل القانوني بصفة عامة أيّ اعتبار وأهمية، أمّا نحن فبقدر ما تهمّنا الثورة لتغيير الواقع بصفة كلية تهمنا الانتخابات كأداة على الأقل لتحسين شروط الثورة الشعبية وتهمّنا أيضا كل إمكانات العمل العلني والقانوني لخدمة الهدف نفسه.
ولأن استكمال الثورة نصب أعيننا، فنحن بالضرورة معنيون بالانتخابات القادمة ومن البديهي أنّ ما يشغلنا هو توفير الشروط الضرورية حتى تكون حرّة فعلا وشفافة فعلا وديمقراطية كذلك. فنحن نعلم أن هناك انتخابات و”انتخابات”. فالمهازل الانتخابية في ظل الديكتاتورية لم تسل لعابنا، فما بالك اليوم؟ وعليه فإن مضمون خارطة الطريق لهذه الحكومة مضافا إليه القانون الانتخابي هما شرط مشاركتنا والأرجح إن تمّت الانتخابات أواخر هذه السنة أن نتقدم للمشاركة.
لقد تمّ تمرير القانون الانتخابي داخل المجلس الوطني التأسيسي وهو في العديد من جوانبه دون تطلعات ومطالب القوى الثورية والديمقراطية التي مازال أمامها الكثير من العمل والنضال من أجل تحسين شروط الانتخابات القادمة. وفي هذا الإطار لا بدّ من مواصلة الجهود وتثويرها لخلق ديناميكية متصاعدة في الوسطين السياسي والشعبي لتأمين المناخ والمعايير المتعارف عليهما لإقامة انتخابات حرّة وشفّافة من مصلحة القوى الثورية إجراءها وسط نضالات وحراك شعبي يقطع مع الهدوء والاستقرار.
5 – كيف نشارك؟
- إنّ رهان الانتخابات القادمة رئاسية أو برلمانية، زيادة عن الطبيعة السياسية للتكتلات القائمة حتى هذا الوقت، يجعلنا مجبرين على خوض المعارك الانتخابية وحدنا. مع التأكيد على أنّ معنى وحدنا لا يعني بالمرّة “الحزب” وإنّما “الجبهة الشعبية برمّتها”، فميلاد الجبهة الشعبية اقترن بوعي عام وقف على المضار الجسيمة لمشاركتنا موزعين منقسمين متناحرين في انتخابات التأسيسي.
والحقيقة أن بداية تحقيق شروط الانتصار الحاسم في المعارك الانتخابية القادمة وتحسين وجودنا يظلان مقترنين بحتمية المشاركة باسم الجبهة وتحت رايتها…
- إنّ تحديد هذا الخيار لا يمنع بالمرّة من إقامة تعاون انتخابي قبل الحملة وأثناءها وبعدها … إن أهمية التعاون الانتخابي أو التضامن تصبح أكثر إلحاحا لسببين أوّلهما مرتبط بتحديد التناقضات الرسمية وأطرافها الأساسية وثانيها بأهداف القوى الامبريالية والرجعية ودون مواربة النهضة والدائرين في فلكها حتى بعد الخروج من الحكم تبقى الخطر الأوّل على المسار الثوري وعلى الحرية والديمقراطية كما أن ما يرجح من أهداف التدخل الأجنبي يصب في اتجاه “تحالف حكومي بين النهضة والنداء”.
والحقيقة أن هذا التحالف يمثل تعقيدا كبيرا أمام التقدم في تحقيق المسار الثوري بل يمكن الجزم أن مثل هذه “الطبخة” من أخطر السيناريوهات على بلادنا وشعبنا. ونحن نعتقد أن واجب القوى الثورية الحقيقية الوعي بهذا المطب وهذا المأزق وضبط التكتيكات الملائمة لإفشاله وفي أسوأ الحالات تأخيره.
- لأن المرحلة القادمة صعبة ورهاناتها كثيرة ومعقدة ضمن أوضاع محلية وعربية ودولية حادّة التحولات والتقلبات حاضرا ومستقبلا، ولأن مجمل تلك التعقيدات والرهانات القادمة في صلة وثيقة بقضية الحكم في بلادنا فإن الحسم في هذه القضية التي يُعاد طرحها من جديد للحسم الذي تُشير كل الدلائل في الوضع الراهن – الا اذا طرأت معطيات جديدة وهو أمر ممكن – سيكون بطرق سلمية وتحديدا عبر الانتخابات القادمة.
لهذا وغيره كثير نحن على قناعة تامّة بأن خيار “الجبهة الشعبية” مسألة إستراتيجية ينبغي علينا بذل كل المجهودات وتجاوز كل الصعوبات الناشئة ليس فقط للمحافظة على “الجبهة” وإنما تطويرها في جميع الاتجاهات حتى تتحوّل بصفة فعلية الى هيئة أركان حقيقية لقيادة النضال الثوري والإسهام الفعّال في إدارة المعارك الطبقية والشعبية.
- التقدم باسم الجبهة الشعبية أمر لا مناص منه إلاّ أنّ الطريق لتحقيق هذا الهدف شاق ومليء بالألغام وهو ما يقتضي جملة من الشروط :
– ضبط تكتيك موحد في التعاطي مع الاستحقاقات القادمة.
– التحلي بروح جبهاوية متعالية ليس فقط على الأشخاص وإنما على الأحزاب وحسن التعامل مع الوجوه المستقلة.
– تحسين البناء التنظيمي للجبهة وتطوير الانغراس ودفعه أبعد ما أمكن شعبيا.- التقدم الفعلي داخل الجبهة لإعداد العدة لخوض الانتخابات (ضبط القائمات، البرنامج، المالية…).
إن التقدّم منفردين في الرئاسية والبرلمانية أمر لا مناص منه مثلما أسلفنا والتأخر في حسم هذه المسألة يلحق أضرارا بالجبهة ويفتح الباب على مصراعيه أمام انفلاتات في هذا الاتجاه أو ذاك …