ردّا على عديد التعليقات الإعلامية و”الفايسبوكيّة” التي “تهاجم” الجبهة الشعبيّة كلّما صرّحت بأحد المواقف السياسيّة أو تفاعلت مع الأحداث المتسارعة إن على صعيد سياسي او اقتصادي أو اجتماعي أو أمني، صرّح القيادي بالجبهة الشعبية والناطق الرسمي باسم حزب العمّال ل”صوت الشعب” بما يلي:
“اليوم ثمة حملة تشهير منهجية ضد الجبهة الشعبية في الشبكة الاجتماعية (الفايسبوك) كما في بعض وسائل الإعلام. ولا يذهب في الظن أن “أبطال” هذه الحملة هم من اليمين المعروف، من “النهضويين” وأتباعهم أو من “التجمّعيين” و”أزلام النظام السابق”، بل هم في الغالب، وبكل أسف، من “اليساريين الكبار”، أو بالأحرى ممّن يقدّمون أنفسهم على أنهم من “بناة اليسار ورموزه التاريخيين”.
بالطبع نحن لا نحشر ضمن “أبطال” هذه الحملة المناضلات والمناضلين اليساريين الحقيقيين، الجدّيين والنزهاء، الذين ينقدون الجبهة الشعبية. ينقدون أخطاءها، ولو بحدّة، بغية تصحيح نقائصها بهدف تداركها حتى يصلب عودها وتتحوّل إلى القوة السياسية الأولى في البلاد ويحرّكون أقلامهم إذا هجم عليها وعلى رموزها الرجعيون والانتهازيون للذّود عنها، بل المقصود هؤلاء الذين لا همّ ولا شغل لهم منذ مدّة سوى البحث بكل الوسائل، بما في ذلك الكذب والافتراء والتجني، عن تشويه صورة الجبهة الشعبية ومحاولة تقزيمها.
يكتب البعض المقال التشهيري تلو الآخر. ويكرّس البعض الآخر “وقته الثمين” للبحث عن مقال مسيء أو خبر زائف حول الجبهة لتوزيعه في صفحات “الفايسبوك” وينتشي إذا سمع بسبر آراء، حتى لو كان “مضروبا”، يضع الجبهة في موقع متأخّر، وربما أصيب بالإحباط إذا سمع بانتصار أو بإنجاز حقّقته لأنّه ينام ويصحو على فكرة واحدة وهي أن يرى الجبهة الشعبية تنهار تحقيقا لحلم مريض. وقد وصل الأمر ببعضهم الآخر إلى تحبير مقال قرابة نصفه مخصّص لـ”تحليل” صورة عن المسيرة التي دعت إليها الجبهة الشعبية للتنديد بالعدوان على غزوة. ولم يتورّع صاحب المقال، إثر “التحليل الفني الدقيق” إلى اتّهام الجبهة بأنها نشرت عن قصد هذه الصورة “الوحيدة” للمسيرة لـ”إخفاء فشلها” في التعبئة ولـ”تضليل” الناس…وكأن معظم القنوات المحلية والعربية المعتمدة في تونس لم تبث صورا، بل أشرطة، عن هذه المسيرة ولم يصنّفها البعض (قناة الميادين مثلا) بأنها “أكبر مسيرة نظّمت في تونس نصرة لغزّة” رغم ضيق الوقت وضعف الإعلام مما يجعل المقارنة بمظاهرات أوت 2013 غير جائز بالمرة. وإلى ذلك كلّه فالحياة بيّنت أنّ قيادات الجبهة الشعبيّة ومناضلاتها ومناضليها لهم من الأخلاق ما يجعلهم ينؤون بأنفسهم عن مثل هذه الممارسات المضلّلة والخسيسة الموجودة في “مخّ” من أثارها فحسب والي تنمّ عن عقليّة عدائيّة للجبهة.
إن ما كتبه هؤلاء في تجريح الجبهة الشعبية ومحاولة تقزيمها وفي تشويه قياداتها، لم يكتبه، إلى اليوم، حتى خصومها وأعداؤها الجدّيون، من اليمين “الديني” أو الليبرالي على حدّ السواء. ولا نخال هؤلاء الخصوم والأعداء غير ممنونين بما يوفّره عليهم هؤلاء من جهد للتهجم على الجبهة الشعبية. إن التشهير بالجبهة الشعبية بعناوين “يسارية” و”ثورية” يخدم الرجعية أكثر ممّا يخدمها تشهير صادر عن أطراف يمينية واضحة. فأن تهاجم “النهضة” مثلا الجبهة الشعبية فلن يكون لذلك نفع كبير للرجعية لأن الناس سيقولون “وماذا تنتظرون من “النهضة” أن تقول عن الجبهة الشعبية؟”. أما حين يكون الهجوم بأغطية “ثورية” و”يسارية” و”تقدمية” ومن “رموز تاريخية” فهو ما قد يغالط جزءا من الرأي العام ويثير فيه نوعا من الاضطراب.
ولكن ما هي الأسباب التي تجعل البعض من ” رموز اليسار التاريخيين ” أو من يريد أن يضفي على نفسه اليوم جبة المناضل الهمام (صاحب مقال “المنحدر…”) وقد كان في عهد بن علي يرتبك، في ما ينظّم من ندوات أدبية، حتى من ذكر كلمة سياسة، كما يشهد على ذلك زملاؤه، وهم أحياء يرزقون؟ إن الأسباب تعود إلى مرض ما انفك يعاني منه رهط من “اليساريين” البورجوازيين الصّغار، وهو مرض الذاتية الذي يتجلّى في أكثر من مظهر فكري وسياسي. من ذلك مثلا ترك العدو الرئيسي والحقيقي جانبا وتركيز الهجوم على القوى الثورية والتقدمية التي تقدّم في صورة “قوى انتهازية” لتبرير الهجوم عليها… ومن ذلك أيضا تضخيم خصوم الحركة الثورية وإن لزم الأمر تحويل غبائهم إلى ذكاء وفشلهم إلى انتصار لإظهارهم بمظهر القوة المتفوقة على القوى الثورية التي ينبغي تقزيمها في كل الحالات ونكران خصالها وطمس انتصاراتها… ومن ذلك كذلك النرجسية المفرطة على حساب مصلحة الحركة. فإذا كان “اليساري الجهبذي” صلب هذه الحركة أو في قيادتها ضخّمها لتتضخّم صورته هو، وإذا كان خارجها حوّلها إلى أسوأ ما يوجد فوق الكرة الأرضية لأنه لا نجاح ولا إنجاز إلاّ بحضوره.
إن هذه الروح النرجسية البورجوازية الصغيرة منتشرة في مجتمعنا، خاصة في الأوساط المثقفة، وهي روح مبنية على الهدم وتحقير جهد الغير وتقزيمه بعيدا عن كل موضوعية. إن هذا المرض البورجوازي الصغير تقابله عقلية أخرى لدى الحركات البورجوازية الرجعية، ذات الحسّ الطبقي الحاد، تتميز بالتفاف البعض على البعض دفاعا عن المصلحة المشتركة. فأنت ترى “حركة النهضة” مثلا إذا “زلق” أحد قادتها بموقف مخز حتى أمام 11 مليون تونسي، سارع جماعته إلى التقليل من أهمية الزلّة والالتفاف حول “صاحبهم” حفاظا على “المصلحة الطبقية الكبرى المجمّعة”. وهنا يكمن الفرق بين البورجوازي الصغير، الذاتي والمتذبذب والذي يصدق على عدم استقراره المثل التونسي “هواوي ريح تهز وريح ترد”، وبين البورجوازي ذي المصلحة الواضحة والمستقرة.
إن النصيحة التي يمكن إسداؤها لمناضلات الجبهة الشعبية ومناضليها هي أن لا يعيروا أية أهمية لـ”التنبير” و”النبارة” وأن يركّزوا اهتمامهم على العمل ولا شيء غير العمل في صفوف شعبهم وأن تكون حملات التشهير ضد جبهتم، وهي حملات ستتكاثف وتتعدّد مصادرها بكل تأكيد مع اقتراب موعد الانتخابات، حافزا على مزيد العمل. وعليهم أيضا أن يفخروا بجبهتهم، جبهة الشهداء، التي لولاها ولولا ما قدّمته من تضحيات وخاضته من نضالات في أكثر من مستوى لتمكنت “الترويكا” والقوى الرجعية عامة من الالتفاف نهائيا على الثورة.
أما النصيحة التي يمكن التوجه بها إلى من أصبح همّهم الأساسي التشهير بالجبهة الشعبية، فهي أن الساحة أمامهم واسعة وعريضة، فلم لا يكوّنون حزبا أو جبهة أو أي تنظيم آخر يمارسون فيه مواقفهم الثورية جدا ويروننا ما هم عليه قادرون وليثبتوا جدارتهم في الميدان ولن نتردّد حينئذ أن نسير وراءهم. أليست الممارسة هي المحكّ الأول والأخير؟”