كتب المفكّر والكاتب الفلسطيني سلامة كيلة لموقع “العربي الجديد”:
من متابعة الأحداث، منذ دخول جبهة النصرة ثم تنظيم داعش على خط الصراع الذي فجّره الشعب السوري ضد النظام، والصراع الذي تفجر في العراق ضد نظام نوري المالكي، يبدو واضحاً أن تكتيك التنظيمين المذكورين يأتي على قدر الضرورة التي تريدها الأنظمة.
في العراق، مثلاً، حيث تفجّر الوضع في المنطقة الغربية، وفي الشمال، ضد نظام المالكي، وامتدّ باتجاه بغداد، حيث الهدف هو السيطرة على بغداد، كما قررت مجالس العشائر والمجلس العسكري العام.
وحين بدأت أطراف بغداد تقع تحت التهديد، وجدنا “داعش” ينحرف نحو الشمال، بحجة السيطرة على مناطق سيطرت عليها البشمركة، بعدما كان قد أُربك، وهو يعلن سيطرته على الموصل، ويصدر قوانينه ضد المسيحيين، ويفجر الأضرحة، وبالتالي، إعطاء صورة سلبية جداً عمّا يجري.
فالاشتباك مع الأكراد يعني دفع هؤلاء للتحالف مع المالكي، ودخول الصراع لمصلحته، بينما كان الشغل على أن يبقى الوضع هادئاً هنا. المشكلة أن حزب البعث شكر، بلسان عزت الدوري، داعش، وأخذ بعضٌ منه يكرر ذلك، وهي اللحظة التي حركته، لكي يفرض تخريبه المعهود.
وكأن هؤلاء لم يستفيدوا ممّا فعل جد داعش (أي تنظيم قاعدة الجهاد، ثم دولة العراق الإسلامية) في المقاومة، ما جعل العشائر تتحالف مع الاحتلال (وكان هذا هو الهدف الأميركي من استجلاب القاعدة)، فخربت المقاومة.
الآن، داعش يقوم بكل ما يخدم توحيد كل القوى ضد الثورة، وليس ضده فقط. وبالتالي، يربك كل الحراك الذي يريد تغيير النظام، ليعاد فرض “العملية السياسية” التي هي صناعة أميركية ـ إيرانية مشتركة.
في عرسال، وجدنا أن “داعش” و”النصرة” يظهران فجأة، ويسيطران على المدينة، بعد اشتباك مع الجيش لم يُفهم سببه. وبالتالي، أن ينخرط الجيش مع حزب الله في الصراع ضد السوريين، وأن يقصف البلد الذي كان يعتبر ممر المساعدات إلى سورية. والهدف هو السيطرة الشاملة على المدينة، وطرد اللاجئين السوريين منها.
تكبّد حزب الله خسائر هائلة في القلمون، في الأشهر الماضية، وبات يعاني كثيراً. لهذا، قرر أن يسيطر على جرود عرسال، وأن يضمن السيطرة على عرسال وكل المنطقة، لمنع التواصل مع القلمون. هذا ما كان واضحاً قبل أيام ممّا جرى، وما كان يسعى إليه الحزب.
لهذا، فجأة يُعتقل شخص يقال إنه من قيادة جبهة النصرة، فترد هذه بالاشتباك مع الجيش ثم تسيطر، مع “داعش”، على عرسال، وتبدأ الحرب. من جهة حزب الله والجيش (وهنا يكون الجيش قد تورّط)، ومن جهة أخرى، شبح اسمه النصرة أو داعش، ومن يُفرم هم اللاجئون، في وقت تجري فيه السيطرة على الحدود تماماً.
أليس أمراً سوريالياً أن تقوم جبهة النصرة بهذه الأعمال، في اللحظة التي يريد فيها حزب الله السيطرة على عرسال وجرودها؟ ليس الغباء هو السبب، إلا عبر التفكير الساذج، بل التخطيط الدقيق الذي فرض بروز داعش والنصرة في هذا المكان، في هذه اللحظة التي يريدها حزب الله، لكي يغلق الحدود تماماً ليتفرغ للحرب في القلمون.
ما يجب أن يكون واضحاً هو أن “داعش” و”النصرة” جزء من استراتيجية النُظُم في سورية والعراق وإيران، وربما هناك اختراقات أخرى لصانع كل “الجهاديين”، (أي أميركا). بالتالي، يكون ضمن التحالف الذي يريد تدمير الثورات، بالتالي، ينخرط في اللعبة ذاتها، أي كيف تخدم ممارسات هؤلاء استراتيجية الصراع ضد الثورة، حتى وإن صبّت عند حزب الله، الذي سوف يخرج منهكاً بالضرورة.
خصوصاً أن وضع لبنان بات مهدداً جدياً بالتفجّر، حيث إن ما يجري يستثير المجتمعات، ويحرّك كل الاحتقانات الموجودة