للحرية دوما ثمن يدفعه الشرفاء ممّن لا يخشون في الحق رجعية رجعي ولا منطق مستغل يأبى إلاّ أن يسود الناس. من “لنكولن” محرّر العبيد الذي مات على يد ممثل مسرحي نسي أنه فنان وقدم ليقتله، إلى “غارسيا لوركا” شاعر الإسبان الذي دفع ضريبة الدم دفاعا عن الحرية التي تعمّدت الحرية بالدماء، وكذلك كان دم غيفارا نشيدا للحرية حيث طارده أعداؤها في كل مكان.
يقول الشاعر: ” إذا كان ما من الموت بدّ فمن العجز أن تموت جبانا”
وحدهم الجبناء يهربون من الموت، يصمتون، يقبلون الذل والمهانة، أمّا النفوس الكريمة فهي لا تخشى الموت وتصدع بالحق. يأنف الحر من الخضوع، من الذل، ويطلب الحرية للناس جميعا كذا كان “سارتر” وهو يخرج مساندا للجزائريين في مظاهراتهم في قلب باريس.
يغيّب الموت الأحرار يغيبون أجسادا لكنّ الذكرى تبقى ويكون العمر أطول من أعمار القتلة والجلاّدين، كذا صدح “عمر المختار” في وجه جلاّديه أنّ موته سيكون حياة، وأنه أعظم منهم إذ يقتلونه. يواجه الأحرار الموت مبتسمين وهم يرفعون شعارات الحرية، والبسمة تأتي من القناعة بأنّ الموت حقيقة لا مهرب منها وأروعه ما كان من أجل المبدأ.
يموت الشرفاء ويدفعون ثمن المبدأ لكنهم يسقون بدمائهم صروح الحرية ويشيّدون قلاع النضال كذا كان “حشاد” حين دفع الدّم فداء للوطن، ورغبة في الدّفاع عن الكادحين أمام جشع الطامعين، فكان الصرح، ملجأ كلّ طالب حقّ ومدافع عن الحرية.
قوافل من الأحرار اغتيلوا، قتلهم الجبناء، قصّة عشق بين الوفاء والموت، مضرّجون بالدّماء، وكأنهم يعشقون اللقاء، يهربون من عالم الجبن، إنهم على موعد يفتدون الحرية وليس الدم إلاّ علم الحريّة القاني، ضريبة يدفعها الأحرار ليلتقوا هناك في عالم التضحية عالم الكبار، من وهبوا النفس قربانا لكينونة الحرية. قد يتجمّع العشّاق في السجن على طريقة “أحمد فؤاد نجم” وقد لايلتقون إلاّ في التضحية تجسيدا لقول درويش “لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلاّ شهيدا أو شريدا.”
نعم هم كذلك شهداء الحرية، عشّاق للإنسان، للكرامة، إمّا أن يلتقوا شهداء عظاما أو تتوه أرواحهم بحثا عن الحرية والحرية ضريبتها الدم. قد يموت عشّاق الحرية ولكن بصمتهم باقية يستظلّ بها الأحياء. أ لم يفرض موت بلعيد بنودا في الدستور تضمن حريّات كان الجماعة ينوون تغييبها؟ ألم يعجّل موت البراهمي وبلعيد برحيل حكومة أرادت أن تتغوّل وتستبد؟
لا يجوز في ذكرى الشهيد إلاّ الاحتفال، لأنّ الشهادة شاهد بأنّ هذا الوطن أنجب أحرارا، والحرّ لا يمكن أن يطول عمره فالشاعر يقول منذ القدم: “الكريم الحر ليس له عمر” كان الموت ضريبة للحرية وكأن الحرية تُصرّ على أن تختار من الشهداء من هم أهل لها وقد كان شكري بلعيد صوتا صادحا بالحرية فاختارته لها قربانا.