كتب الأستاذ الأسعد الذوادي عضو الجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا والمجمع المهني للمستشارين الجبائيين والمجلس الوطني للجباية ومؤسس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين حول مجلّة التشجيع على الاستثمار، ما يلي:
“عرفت ظاهرة تبييض الأموال والجرائم بمختلف أنواعها بما في ذلك الجبائية نموا منقطع النظير مكّن تونس من تبوّء مرتبة محترمة من حيث الخطورة التي تمثلها على بلجيكا في مجال تبييض الأموال مثلما اتضح ذلك جليا من خلال التقرير المنشور من قبل خلية مكافحة تبييض الاموال والجريمة المنظمة ببلجيكا. أيضا، أصبحت تونس وكرا للجريمة المنظمة والتحيل الدولي مثلما يتضح ذلك جليا من خلال عملية تحيل “سيدي سالم” التي كشفتها نفس الخلية ببلجيكا والتي تقوم بها شركة “مصدّرة كليا” مبعوثة صوريا على شاكلة مركز نداء. لماذا لم يناقش مهندسو مؤتمر الاستثمار، الذي يندرج تحت عنوان “الحصيرة قبل الجامع” وتقسيم الكعكة على أولياء النعمة، الجرائم التي نمّتها مجلة التشجيع على الاستثمارات التي طوّرت هدر المال العام من خلال الامتيازات المالية والجبائية التي تمنح مقابل استثمارات صورية لا تنجز، علما أن كل وزارات الفساد والإفساد والهياكل الفولكلورية المعنية بتطبيق مجلة التشجيع على الاستثمارات لم تقم بدراسة معمقة لتحديد مردودية الامتيازات الممنوحة ولم تنصت لتظلّمات الضحايا من المهنيّين التونسيين كالمستشارين الجبائيين والمحامين وغيرهم. فلا أحد بإمكانه أن ينكر أنّ عشرات الآلاف من المليارات من المليمات أُهدِرت في امتيازات لا نعرف مردوديتها دون تحقيق التنمية ونقل التكنولوجيا والتشغيل. كما لا أحد بإمكانه ان ينكر أنّ مؤتمر الاستثمار ساهم، كغيره من التظاهرات الفولكلورية والاستشارات اللاوطنية التي كان ينظمها بن علي، في إهدار المال العام وفرص التطور على تونس من خلال عدم التطرق للمشاغل الأساسية والجوهرية التي رفضت كل حكومات الفساد والإفساد التي جثمت على صدرنا بعد انقلاب 14 جانفي على إرادة الشعب، الاهتمام بها.
فبفضل احكام مجلة التشجيع على الاستثمارات او بالاحرى الجريمة المنظمة وتبييض الاموال والتحيل والفساد المالي والاداري الذي عرف نموا منقطع النظير بعد انقلاب 14 جانفي على ارادة الشعب، تمكن اشباه المستثمرين والمبيضين الذين يزين بهم الفاسدون احصائيات وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ومركز النهوض بالصادرات من بعث شركات يقومون من خلالها بغسل الاموال القذرة المتاتية من الجريمة من خلال تصدير خدمات بصفة صورية لكي تحول فيما بعد الى البنوك الاروبية في شكل مرابيح موزعة بصفة قانونية او مساعدة الاخرين على التهرب الجبائي او تبييض جرائمهم الجبائية من خلال بيعهم فواتير مفبركة بعنوان خدمات دراسات واستشارات صورية.
وللدلالة على ذاك الفساد الاداري المتعمد، يكفي الاطلاع على البلاغات التي تصدرها من حين لاخر هيئة السوق المالية محذرة العموم من التعامل مع المتحيلين الاجانب الذين بعثوا بشركات لدى وكالة النهوض بالصناعة تحت عنوان “التدقيق الاداري والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والفني” وهي العبارات الواردة بالامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي نمى ظاهرة التحيل واستيراد البطالة، الذي رفض الفاسدون ادخال تحويرات عليه رغم صيحات الفزع التي اطلقها المهنيون، ليقوموا فيما بعد بانشطة جمع المال لدى العموم وايهامهم بالحصول على ارباح طائلة من خلال توظيفها على سبيل المثال ببورصة المواد الاولية بلندن وهو نشاط محجر عليهم قانونا. كما ان البلاغات التحذيرية التي يصدرها من حين لاخر البنك المركزي بخصوص الشركات الغريبة العجيبة التي تعد الناس بارباح طائلة في وقت وجيز اذا ما قاموا بتوظيف ما بحوزتهم من مال لديها يثبت درجة الفوضى والاهمال والتسيب التي بلغتها تونس في مجالات خطيرة وجد حساسة.
هل يعقل ان يتمكن البعض من اصحاب المهن الحرة وبالاخص من بين الاطباء من تبييض جرائمهم الجبائية من خلال الثغرة الموجودة على مستوى الفقرة الاخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية التي تمكن الوسطاء بالبورصة وغيرهم من الاحتجاج على ادارة الجباية بالسر المهني وبالتالي عدم مدها بمعلومات حول العمليات التي يقوم بها حرفاؤها وقد حال ذلك دون قيامها بمهمتها الاساسية المتمثلة في تكريس العدالة الجبائية من خلال مكافحة التهرب الجبائي.
هل يعقل ان يتمكن المتهربون من دفع الضريبة من تبييض مداخيلهم غير المصرح بها من خلال التصريح بها في اطار استثمارات صورية وغير حقيقية تنتفع بالاعفاء الكلي من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات مثلما هو الشان بالنسبة للمشاريع الفلاحية او تلك المحدثة بمناطق التنمية الجهوية.
هل يعقل ان يتمكن الفاسدون من تبييض الاموال التي جنوها من وراء النظام الدكتاتوري الفاسد من خلال التفويت في ممتلكاتهم بصفة صورية او نهائيا بما في ذلك تلك التي تمت مصادرتها او تهريبها الى الخارج بصفة مباشرة او بواسطة باعتبار ان عملية المحاسبة تم شلها مقابل وضع استراتيجية لا وطنية لتبييض الفساد والفاسدين الذين لا زالوا يتقاضون منحهم وجراياتهم من الصناديق الاجتماعية التي كانوا ولا زالوا سببا من اسباب افلاسها، علما ان البعض منهم لا زال يطل علينا بوجهه القبيح عبر تلفزتنا الوطنية ليحدثنا عن تاريخه الاجرامي وبطولاته الوهمية.
هل يعقل ان يتمكن المتقاعدون الاجانب من اشباه المستثمرين من بعث شركات الشخص الواحد براسمال لا يتجاوز 500 يورو ليتلبسوا بعديد الالقاب المهنية ويقطعوا رزق التونسيين جراء الفساد والجرائم المنماة بمقتضى احكام مجلة التشجيع على الاستثمارات او بالاحرى الجريمة المنظمة ونهب المال العام وتبييض الاموال والجرائم وهدر المال العام والفساد واستيراد البطالة.
هل يعقل ان يتمكن المتحيلون الاجانب من اشباه المستثمرين من بعث شركات صورية بتونس مصدرة كليا لا تصدر شيئا وليس لها أي وجود مادي بتونس سوى من خلال ملفها القانوني الموجود بشركة توطين متلبسة بدورها بعديد الالقاب ليقوموا بتبييض اموالهم وجرائمهم الجبائية وبيع الفواتير الصورية محولين بذلك تونس الى وكر لتبييض الاموال والجرائم.
هل يعقل ان يتمكن الالاف من المتحيلين الاجانب من اشباه المستثمرين من بعث شركات بعد ايداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة لدى وكالة النهوض بالصناعة تحت عنوان “الدراسات والتدقيق القانوني والاجتماعي والاقتصادي والفني والاداري” و”مرافقة المؤسسات والمستثمرين” وتسميات اخرى عجيبة لا نجد لها مثيلا بالتصنيفات العالمية للمهن ليباشروا بعد ذلك انشطة تجارية في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1960، علما ان ذلك يندرج ضمن اعمال التحيل المشار اليها بالفصل 15 من نفس المرسوم. هؤلاء المتحيلون ينافسون التونسيين ويقطعون رزقهم ويستنزفون مواردنا من العملة الصعبة بالية اسعار التحويل وتساعدهم في ذلك المؤسسات العمومية التي لا زالت تتعاقد معهم مثلما هو الشان بالنسبة للمؤسسات الاجنبية التي تمتهن السمسرة في اليد العاملة وتذاكر المطاعم.
هل يعقل ان يتمكن الالاف من الاجانب من اشباه المستثمرين من الانتصاب بتونس بمجرد ايداع تصاريح بالاستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة عادة ما تكون مغشوشة والتلبس بلقب المحامي والمستشار الجبائي والمحاسب والنشاط في مجال الخدمات التي لم نتفاوض بعد بخصوص تحريرها ليقطعوا رزق التونسيين ويساهموا في تعميق ازمة البطالة ويستنزفوا مواردنا من العملة الصعبة.
هل يعقل ان يتمكن بعض اصحاب مراكز الاعمال الخاصة من التلبس بعديد الالقاب المهنية ومن ايواء الشركات المبعوثة على شاكلة صناديق بريد من قبل المبيضين الاجانب وهي شركات مصدرة كليا ليس لها أي وجود بتونس ولا تعرف من التصدير الا اسمه دون ان تحرك لجنة التحاليل المالية المكلفة بمكافحة تبييض الاموال ساكنا مثلما هو الشان بالنسبة لشركات التجارة الدولية غير المقيمة. لقد ان الاوان لكي يكون لتلك اللجنة الموجودة صلب البنك المركزي مقرا وامكانيات مادية وبشرية هامة حتى تتمكن من القيام بدورها بالنظر لخطورة الظاهرة على صورة تونس وهي الملتزمة باتفاقيات الامم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الاموال والجريمة المنظمة.
هل يعقل ان يتمكن المتحيلون الاجانب من بعض اصحاب المؤسسات التي هي بصدد نهب مواردنا الوطنية من تشغيل اجانب كاجراء بواسطة الفواتير التي يشترونها لدى شركات متحيلة منتصبة بالخارج في اطار عقود مساعدة فنية صورية. لماذا لا يبادر الفاسدون بضبط قائمة سوداء في الشركات الاجنبية المتحيلة التي هي بصدد بيع الفواتير لاستنزاف مواردنا من العملة الصعبة. ولماذا تصدوا للمقترح المقدم صلب لجنة المالية بمجلس الخراب والدمار الرامي الى التنصيص صلب الفصل 14 من مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات على رفض الاعباء بما في ذلك الاستهلاكات المبررة بفواتير مغشوشة صادرة عن شركات منتصبة بملاذات ضريبية او ببلدان خاضعة لنسبة ضريبة منخفضة. فحتى الفصل 112 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية المتعلق بالتثبت من الوضعية الجبائية للمبالغ المحولة الى الخارج يعتبر غير كاف باعتبار انه لا يمكن من التثبت من صحة الفواتير وحقيقة الخدمات المتعلقة بها. الاتعس من ذلك ان البعض يسعى لافراغ ذاك الفصل من محتواه وعرقلة عملية المراقبة رغم محدوديتها خدمة لبعض اللوبيات غير المعنية بالمصلحة الوطنية بتعلة ان ذلك فيه تعطيل للتحويلات البنكية.
هل يعقل ان يتمكن المبيضون لجرائمهم الجبائية وغيرها من الجرائم والفاسدون والمضاربون وممارسو الجرائم الاقتصادية من الافلات من المساءلة والعقاب بالاعتماد على الية سقوط الحق بمرور الزمن ومن خلال تصدي مهندسي الفساد الجدد من المنافقين والمخربين لمشروع القانون المتعلق بالكسب غير المشروع وزهد العقوبات المنصوص عليها بقوانين المنافسة وحماسة المستهلك وعدم تجريم الرشوة في القطاع الخاص في خرق لاتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد التي صادقت عليها تونس بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008.”