بقلم: مصطفى القلعي كاتب وباحث سياسي
منذ فوز حركة نداء تونس بأغلبيّة مقاعد البرلمان القادم، دأب رئيسها سي الباجي قايد السبسي على ترديد مواقف وعبارات يبتلعها الرأي العام والإعلام دون نقاش. من ذلك أنّه سارع إلى إعلان أنّه لن يتحالف مع أحد على وزن « أنا ما يحكم معايا حد »، ولكن باعتبار نتائج الانتخابات، كما يقول، وجد نفسه مجبرا على التعاطي مع حقيقة الصندوق في إمكانيّة إشراك الآخرين في الحكم، ويقصد بالآخرين من يراهم سي الباجي قريبين منه هو الذي يعتبر نفسه يمثّل العائلة الديمقراطيّة الموسّعة. ومن المواقف التي يصرّ سي الباجي على تكرارها أنّ حزبه فاضت عليه الكفاءات حتى أنّه قادر على تشكيل ثلاث أو أربع حكومات لتسيير ثلاث أو أربع دول..!
سي السبسي؛ الحقيقة أنّك منسجم مع ذاتك تماما فيما تقول وتردّد. فمنذ أن أحيا فؤاد المبزّع وجودك السياسي بعد استقالة محمد الغنوشي ورفض أحمد المستيري رئاسة الحكومة في أواخر فيفري 2011، خُلِقت من جديد وأطليّت على التونسيّين لتضحكهم قليلا وتنهرهم كثيرا وتذكّرهم بأنّك أنت ولا أحد. أردت دائما صورة المتعالي المتكابر البلْدي المتشبّه ببورقيبة في القول والحركة والمظهر، ألِفت أن تهرسل الصحفيّين بما لا يقلّ توصيفه عن التعنيف. وشتمت الأمنيّين وأوجعتهم.
طيّب، سي السبسي؛ أنت وحزبك لستم في حاجة إلى غيركم عمليّا ولكنّكم مجبرون على التنازل كما تقول، بمعنى أنّكم تمنّون على من تعتبرونهم قريبين منكم لتشركوهم معكم في الحكم. وأنتم قادرون على حكم قارّة بمفردكم!بالله، سي السبسي، أبلِغْ هذا الكلام لأعوانك وقادة حزبك الذين يتجوّلون بين وسائل الإعلام يخطبون ودّ من يسمّونهم أصدقاءهم، بما فيهم الجبهة الشعبيّة، ويسترضونهم ويلاطفونهم لقبول مبدإ التحالف، أوّلا، والمشاركة في الحكم، ثانيا.
وبالمناسبة، وعلى ذكر فيضان كفاءات الحكم على حزبك، سي السبسي؛ أنت تعرف أنّ بلدنا يمرّ بظروف اقتصاديّة صعبة فليتك تصدّر شيئا من كفاءات الحزبيّة في الحكم ولو في إطار التعاون الفني لإنعاش الميزانيّة.وعلى كلّ حال لن يضرّك شيء لو أعددت ثلاث أو أربع حكومات فمعدّل عمر الحكومة لن يتجاوز ستّة أشهر. ومتى أسقط الشعب التونسي واحدة وجدتَ الثانيةَ جاهزة لتعوّضها. وهكذا لن تخسر شيئا وستتمكّن من استثمار كفاءاتك جيّدا!
كما نسألك سي السبسي؛ هل اتّصلت بك الجبهة الشعبيّة مريدة أن تشاركك في الحكم؟ هل طلبت منّتك ورضاك؟ هل تمسّحت على أعتاب بابك؟ فلمن تلوّح بمننك ومزاياك..!؟لماذا لا تحترم الناس؟ هل تعتقد أنّ من لا تحترمهم مجبرون على احترامك؟ هل تظنّ أنّ خطابك هذا ومواقفك هذه هي مشروعك الديمقراطي الذي ستبني عليه خططك لتونس الجديدة التي تجمع الناس ولا تفرّقهم؟ هل تتوهّم أنّ تونس 2014 هي تونس 2009 و2011؟ هل ترى أنّ بين التونسيّين من يقبل اليوم خطاب التعالي ونظرة الصلف والتكبّر؟
سي السبسي؛ باسم الجبهة الشعبيّة أقول لك؛ لا أنت ولا غيرك يمنّ على الجبهة الشعبيّة، الجبهة شعبها العظيم فقط هو من يمنّ عليها وهي تنحني له صاغرة مطيعة. سي البسبسي؛ الجبهة الشعبيّة لن تكون القطّ الذي ستصطاد به الفئران.ولن تكون العصا التي ستلوّح بها للخصوم. الجبهة تعرف مواقعها جيّدا وتتمترس فيها. الجبهة بنت الشعب ولن تخدم سواه مهما كانت الإغراءات والإغواءاتوالهرسلات.
شوف، سي السبسي؛ في تشريعيّة 26 أكتوبر لعبتم لعبة التصويت النافع (le vote utile) وأثّرتم في الناخبين عبر التخويف والتهويل وأشياء أخرى. وفي الرئاسيّة تلعبون لعبة أخرى أساسها تحييد مرشّح الجبهة الشعبيّة حمّه الهمّامي تحييدا ماكرا في خطاباتكم الإعلاميّة. فلا تذكرون من بين منافسيك غير منصف المرزوقي وتسوّقون لصورة ماكرة مفادها أنّك رمز الحداثة والمدنيّة والديمقراطيّة والمرزوقي رمز السلفيّة والوجه الآخر للأخونة والعمالة للخارج.
هذه لعبة ماكرة، لماذا؟ لأنّكم بهذا الخطاب توهمون الرأي العام بأنّ مرشّحنا طويتموه تحت إبطكم وأنّه منكم باعتباره يحمل المشروع الديمقراطي الذي ترون أنّكم ممثّله الأكبر. ولهذا فهو ليس منافسا لكم. وبهذا أنتم تخطّطون لكسب نقطتين؛ الأولى أنّكم تعملون على أن تختاروا بأنفسكم منافسكم الذي تقدّرون أنّه الأضعف والذي يسهل الفوز عليه بالنظر إلى حجم الاحترازات الشعبيّة عليه، والثانية إضعاف حظوظ مرشّحنا باجتناب ذكره وعدم اعتباره من المنافسين لكم. والحاصل الذي تطمحون إلى بلوغه هو ابتلاع بقيّة المشهد والقضاء على تنوّعه وديناميكيّته.
سي السبسي؛ نعلمك بكامل الوضوح بأنّك لا تمثّل حمّه الهمّامي ولا تشبهه ولا تحمل مشروعه. ونبلّغك بأنّ الجبهة الشعبيّة على وعي كامل بأنّ المعركة اليوم ليست بين الديمقراطيّة وأعدائها بل بين الثورة وأعدائها من النظامين القديمين لما قبل 14 جانفي 2011 وما بعده. سي السبسي؛ نقول لك إنّ حمّه الهمّامي هو ولد الشعب وحامل شعلة الثورة ولن يتركها أبدا ما دام حيّا، إنّه من سيكلّفه الشعب التونسي لاستكمال المسار الثوري وإعادة الجذوة لشعارات الثورة بعد أن يتمّ إلغاء الهامش القديم بوجهيه.
سي السبسي؛ حمّه هو الزعيم الذي يسحب الأرض من تحت قدميك وقدمي منافسك الذي يجنّد روابط العنف والإخوان والسلفيّة الجهاديّة لنصرته.. حمّه منافسكما الأوّل الذي تخشى الاعتراف به..حمّه ولد الشعب، رئيس..