الرئيسية / أقلام / الجبهة الشعبية لن تخضع للضغط والابتزاز ومواقفها لن تكون إلا في صف الشعب
الجبهة الشعبية لن تخضع للضغط والابتزاز ومواقفها لن تكون إلا في صف الشعب

الجبهة الشعبية لن تخضع للضغط والابتزاز ومواقفها لن تكون إلا في صف الشعب

“الجبهة الشعبية لن تخضع للضغط والإبتزاز والهرسلة ومواقفها لن تكون الا في صف الشعب وفي التوقيت الذي نراه مناسبا لذلك.”

14بقلم: صالح العجيمي: عضو لجنة مركزية لحزب العمّال

في ظل حرب التصريحات غير الرسمية حول موقف الجبهة الشعبية من قضية الرئاسية وفي ظل الحملة الشرسة ضد بعض قيادتها وحرب الهرسلة القاعدية ضد جمهورها وقواعدها وناخبيها ، وفي ظل تهاوي البعض وانحناء البعض الآخر امام الضغط العالي للدعاية البرجوازية ، اجد نفسي مضطرا لتوضيح ما يلي :

– إن ما هو مبدئي وجامع بيننا يا رفاق الجبهة هو أرضية الجبهة الشعبية وخطها وبرنامجها والتي كرست جميعها أن الجبهة الشعبية خيار وطني وديمقراطي وشعبي مستقل عن خيارات المنظومات السابقة المعبرة على مصالح الأقليات المالية الإستبدادية الحاكمة مهما كانت مسمّياتها وأغلفتها وهو طريق الخلاص الوحيد للفئات والشرائح والطبقات التي لها مصلحة فعلية في بناء المجتمع الجديد والدولة الإجتماعية، دولة الحق والعدل والحرية دولة الإقتصاد الوطني والسيادة الوطنية ووالمساواة والمواطنة والعدالة الإجتماعية.

– ويجب على أي سلوك أو موقف أو تكتيك سياسي ظرفي للجبهة أن لا يعصف بهذه القاعدة المبدئية الجامعة وأن لا يناقضها ويصفّيها مهما كانت الاعتبارات البراغماتية الظرفية أو المكاسب الجزئية المحدودة أو الضغوط الحزبية المقيتة القيادية منها والقاعدية، ففي ضرب هذه القاعدة ضرب لمشروع وحدة قوى المشروع الوطني الكبير ووأْدٌ لأولى لبناته الناشئة، وهي الجبهة الشعبية، وهو قتل في المهد لأحلام وطموحات وأهداف جيل كامل من المناضلين عادت إرادته في الفعل والنضال لتحيا وتتّقد وتعلو عندما استقلت الجبهة بخيارها البرنامجي وخاصة الإنتخابي بعد أن انتهت بنجاح من التكتيك الظرفي لجبهة الإنقاذ وبدأت بشائر الإنتصار الفعلي للخط الوطني الثوري تلوح في المحطات الإنتخابية الفارطة أصواتا واستقطابا وإشعاعا وإجماعا سياسيا في أوساط واسعة كانت في الأمس القريب على طرف النقيض أو الخلاف في مواقفها مع الجبهة.
يرتكز دعاة تصفية الخط المستقل للجبهة على أن هدفنا هو الحكم فلماذا نتردّد ولماذا نرفض المناصب مادام هذا هو هدفنا المعلن؟
أولا نريد ان نسأل هؤولاء من أين أتوا بمصادرة مفادها أن أحدا من الأحزاب الفائزة طرح على الجبهة برنامج حكم أو حتى مشروع ائتلاف حكم مشترك والجبهة تردّدت في نقاش ذلك؟ ثم إن القوى الرابحة في البرلمان تجاهلت ترشح الجبهة بتلك الهامة وصوّت ضدها دون وجل أو حياء برغم أن الجبهة صوتت لفائدة مرشح النداء في رئاسة المجلس بالإجماع. فمن لم يلتقط إشارات الآخر؟ من تجاهل إشارات الآخر خاصة عندما أصدحت الجبهة بموقفها الصريح ورفضت مطلقا دعم المرزوقي؟ لقد راعت الجبهة كل الفوارق الطفيفة بين المرشحين وراعت في سلوكها المبدئي والمسؤول ما سبق من العمل المشترك الذي قَام على أساس إخراج الترويكا من الحكم ووضع حد للإنهيار الذي سببه حكمها في جميع المجالات. وها نحن اليوم أمام مهزلة جديدة تتلخص في خطاب أبوي متعالي من طرف شيخنا الجديد يتعامل مع الجبهة وكأنها قطعة زجاج معرضة للإنكسار والتصدع نتيجة أي هزة وأي كلمة من خصومها يراعيها ويربّت على كتفيها كي تنمو على ركبتيها تحت جناحيه.

نعم الجبهة مشروع حكم وهذا نقوله باعتزاز ومعنيّة به ككل هيئة ثورية حقيقية وجدية وهذا جوهر وجودها من زاوية مبدئية وهي تناضل وتضحي بوصلتها الدائمة تعديل موازين القوى لصالح برنامجها ومنظوريه من الطبقات والفئات والشرائح . معنية بالحكم لتحقيق المكاسب السياسية والإقتصادية والإجتماعية لهذا الشعب.معنية بالحكم نعم كقادة لبرنامج التغيير الثوري والبناء الديمقراطي وليست أبدا ذيلا من ذيول الحاكمين وزينة توشح وجوه المستبدين وطلاء جميلا لمخالب المفترسين لقوت الشعب وعرق الفقراء .
وإني اليوم أرى أن المسألة الأساسية التي يجب حسمهما هي كيف ينظر الثوريون لقضية الحكم وقضية السلطة، هل ننظر لها من زاوية التهافت البرجوازي الصغير الموسوم أساسا بقلة الصبر والتسرع والخوف والهلع من فوات الأوان على إجراء المساومات واعتلاء المناصب، أم ننظر لها من زاوية المثابرة الثورية وافتكاك ما أمكن من مجالات الفعل السياسي ومواقع القرار في إطار صراع سياسي دائم مع أعداء الثورة ومصالح الجماهير الشعبية الواسعة؟
وحتى وإن قامت مجموعة من التوافقات فعلى أساس مبدئي يهدف إلى تحقيق جزئي للبرنامج الذي من أجله أصبحت الجبهة خيار جزء مهم من جماهير الشعب.
وهنا لا بد من الإقرار بأن هناك خطّين متصارعين في البلاد حول هذه القضية، أي قضية الحكم، فهناك من يرى أن هناك مشاكل للأحزاب القوية يجب حلها بتقسيم المنابات كل حسب مصالحه وحجمه وهناك من يرى أن هناك مشاكل للشعب يجب حلها وعلى أساس برنامج الحل تأتي التوافقات والمناورات والمواقف والتحالفات، وهنا جوهر الخلاف ،
ولا أظن الجبهة معنيّة من زاوية خطها وأرضيتها التي تعلنها ومسيرتها التي عمّدت بدماء شهدائها بالدفاع عن خط المحاصصة والترضيات الحزبية لإسكات الأفواه الجائعة الى المناصب، حتى يتسنّى في ما بعد الإستفراد بالشعب وإسكاته نتيجة تورط الجميع في جريمة الإجهاز على صوته ومطالبه وطموحاته.

و تشنّ قوى الدعاية البرجوازية في المدة الأخيرة حملة شعواء على الجبهة وتصفها بأنها غير واقعية وأهدرت فرصة تاريخية لتكون في الحكم وأنها لم تستوعب المتغيرات وأنها يسار متكلس قدره الجمود والبقاء في منطقة اللاّءات والصراخ (وهذه الأصوات كانت قبل شهر تمجد الجبهة وتصفها بكل النعوت الإيجابية كالمسؤولية والنضج والجدية) الهدف من كل هذا زحزحة موقف الجبهة المتريّث تدريجيا وتصديع وحدتها عبر جرّ النزعة البرجوازية الصغيرة الإنتهازية إلى مربع الدفاع عن المشاركة في الحكم وتصفية الخط المستقل للطبقات والشرائح الذي يعبر عنه كيان الجبهة وبرنامجها وخطها ويتم ذلك عبر مصطلحات ومسميات ومواقف مسمومة مدسوسة في عسل الخطاب الثوري ومتجلبب بثوب الدفاع على الخط المدني الديمقراطي الحداثي.
فالأمر إذن أبعد من تزكية السبسي في الرئاسية وسد الطريق أمام دعاة التكفير والعنف والإرهاب وأبعد من اختيار شكل السلطة ونمط الحكم الذي سنعارضه في المستقبل كما يدعي البعض، الأمر متعلق بانحراف يمسّ المبادئ والخط الوطني الثوري الجامع، الأمر متعلق بتصفية أي معارضة ممكنة للخيارات التي سيتم الإتفاق حولها في المدة القادمة.

لقد تحول التصويت لرمز النظام القديم في ذهن ودعاية البعض الى حركة انقاذ وطني ضرورية شبيهة بلحظة جبهة الإنقاذ وهذا هو الأمر الخطير ،هل ان انقاذ تونس من براثن الإرهاب والدعشنة يتطلب الدفاع والدعم والتجند لحماية منظومة الإستبداد القادمة من زمن الطغاة والفساد والقمع والسجن؟ هل قدر الثوريين ان ينتحروا لتنقذ تونس من شبح الفوضى والإرهاب على يد دولة الإستبداد والبوليس؟ لا أظن ذلك فقدرنا أن نعيش وأن نصمد وأن نصارح دائما شعبنا بالحقيقة ونتحمل كل التبعات وإنقاذ تونس لن يكون أبدا على يدي بائعيها وجلادي الأمس بل سيكون بحكمة الثوار وصمودهم وبتراصّ صفوف كل التونسيين ضد انتكاس انتكاس المسار الثوري.
الجبهة الشعبية اليوم يجب أن تصارح الشعب بكل جرأة ودون تردّد ” كما قالت إحدى أبرز الوجوه النسائية في تونس ” ولكن بماذا يجب مصارحته يحب أن نقول بوضوح لا غبار عليه ان الشعب امام خيارين انتخابيين مريرين يمثلان فكي كماشة مع الأخذ بعين الإعتبار الفوارق الطفيفة في حدّة أسنان كل فك منهما ودرجة الألم الذي يسببه وكمية الدم الذي ستسيل جراء قبضته على الشعب. يجب أن تصارح الجبهة كل الشعب، وليس انصارها وناخبيها فقط، أن مستقبل تونس مرتهن باليقظة الشعبية وبعدم التراجع عن المشاركة السياسية وبمزيد المراقبة الشعبية لمؤسسات الحكم وأنه لن يكون بأي حال من الأحوال التصويت لأحد المترشحين صمَام أمان وعملية مضمونة النتائج لانقاذ لتونس. إنقاذ تونس برنامج واجراءات وقوانين ومؤسسات في خدمة الشعب ومطالبه وإلى حدود الآن فإن هذه الواجهة البرنامجية غائبة تماما.

إن دعاة الحكمة السياسية والبيعة المفضوحة للمنظومة البائدة يتصورون إنهم بحملتهم التي ترتكز على التهرئة والهرسلة الخارجية والداخلية والعزل والتحريض والتشويش الإعلامي المفتعل قد يظفرون بموقف يتم اقتلاعه من هياكل الجبهة لصالح الوحدة مع قوى النظام القديم ثم القبول فيما بعد صاغرين بعلاقات تطبع مع حركة النهضة التي كانت بالأمس عدو البعض وكل ذلك بإسم الرصانة والمسؤولية الوطنية والوحدة (وحدة الأحزاب ضد الشعب ومصالحه).

هل سأل هؤولاء أنفسهم ؟ هل ينتظرون كشف حقيقة الإغتيالات من طرف اختار ان يكون حليفه من تواطئ مع الإرهاب وتستر على المجرمين واسقط بصوته أرملة الشهيد الآخر ؟ بماذا أقنعوا انفسهم ان الحكومة القادمة ستكون حكومة ديمقراطية ومدنية ستنظر الى مطالبهم بعين الرحمة ؟ كيف دحضوا كل المؤشرات السياسية الواقعية الدالة على ان الإئتلاف القادم لن يكون غير محاصصة مسنودة من النهضة والنداء وحزب لوبيات الشركات متعددة الجنسيات وذلك مقابل صفقات التواطؤ والسكوت على كل الملفات الخطيرة الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والخارجية الديبلوماسية؟ إني أدعو الى لحظة حكمة ثورية، فالمشاركة في السلطة والمشاركة في الحكم والتعاطي المسؤول حدوده عدم مغالطة الشعب وعدم تزييف الحقائق، وعدم دفن الحقيقة. فالرجاء من كل نفس جبهوي حر أن يكون حذرا إلى أبعد الحدود قبل أن يساهم دون أن يدري وتحت ضغط الأعداء في مهزلة انتحار الجبهة الثورية القادمة على مهل.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×