دخلت المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة أسبوعها الثاني. وإلى حد الآن لم ترشح أشياء هامة عن نتائج هذه المشاورات. وقد التقى، خلال الأسبوع الماضي، وفد من الجبهة الشعبية السيد الحبيب الصيد المكلّف رسميا بتشكيل الحكومة وأبلغه موقف الجبهة من هذه المسألة. ويمكن تلخيص موقف الجبهة في أنها لا ترى نجاحا لأية حكومة إلاّ إذا التزمت بأهداف الثورة وسعت إلى تحقيقها من خلال برامج ملموسة تكرّس ذلك الشعار الذي ردّدته الجماهير المنتفضة في مختلف مناطق البلاد: “شغل، حرية، كرامة وطنية”. كما أنّ حكومة ملتزمة بأهداف الثورة لا يمكن أن تضمّ في صفوفها رموزا من النظام البائد الذي ثار عليه الشعب أو من حكومة الفشل التي جاءت بعد انتخابات 2011 والتي عملت بكل الوسائل على الالتفاف على الثورة مما جعل الشعب يتصدّى لها. وفسّر وفد الجبهة أنّ حكومة بهذه المواصفات ينبغي أن تكون محدودة العدد، قليلة الكلفة على ميزانية الدولة، متركّبة من كفاءات مؤمنة بضرورة خدمة الوطن والشعب.
لقد شرح وفد الجبهة الشعبية هذا الموقف للسيد الحبيب الصيد وأمدّه لا حقا بوثيقة مكتوبة تتضمن ما تراه الجبهة إجراءات عاجلة لوضع البلاد على سكة الخروج من الأزمة. ولكن الجبهة لئن قبلت الدعوة لإبداء رأيها في تشكيل الحكومة الجديدة وفي برنامجها فإنها لا تحمل أيّ وهم حول مآل هذه المشاورات. فهي تدرك أن نتيجتها ستكون حكومة تحظى بدعم حركة النهضة، وإن لم تشارك فيها مباشرة، وكذلك بدعم باقي القوى الليبرالية، حكومة لا تقطع مع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية السابقة التي ثار ضدها الشعب التونسي. وقد ظهرت بوادر هذا التوجّه بوضوح من خلال الاتفاق الحاصل بين هذه الأطراف في تشكيل مكتب مجلس النواب وفي التصويت على ميزانية العام الحالي التي أعدّتها حكومة مهدي جمعة وفقا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية وفي تعارض تام مع مصالح الشعب التونسي الذي دمّرت أبناءه وبناته البطالة والتهميش وغلاء المعيشة وتردّي الخدمات الصحية والتربوية الخ…
ولكن هذا التوجّه إذا ثبت، والأرجح أنه سيثبت، لن يربك الجبهة الشعبية التي ستواصل النضال مع جماهير الشعب وفي طليعتها من أجل تثبيت المكاسب الديمقراطية، والتصدّي لكلّ محاولة التفاف عليها ومن أجل وضع حدّ لسياسات التفقير والتجويع المفروضة من الخارج وتلبية مطلب الشعب في توفير مقوّمات العيش الكريم لكافة أبنائه وبناته.
إنّ الجبهة الشعبية تدرك أنّ طريق التحرر من الاستبداد والاستغلال بشكل فعلي وتام، طريق شاق وصعب وأنه يتطلب عملا دؤوبا في صلب الشعب من أجل مزيد الرفع من درجة وعيه السياسي ومن أجل تنظيم صفوفه. ولكن هذا الطريق هو الوحيد الصحيح والضامن للنجاح. وقد سلكته الجبهة منذ تأسيسها وحققت بفضله نجاحات بوّأتها اليوم مكانة هامة في المشهد السياسي، ومن المؤكد أنّ مواصلة السير في نفس الطريق وبنفس الجرأة والتصميم سيجعل من الجبهة الشعبية قوة المستقبل التي يلتفّ حولها الشعب ويحقّق معها آماله وطموحاته.