بقلم حسين الرحيلي
الثورات في الأصل هي تعبيرات شعبية اقتصادية واجتماعية، تهدف من خلالها الشعوب إلى تغيير جذريّ لأوضاعها ونمط تفكيرها وعيشها نحو الأفضل.
كما تعبّر الثورات عن فشل أنماط الحكم ومنوال التنمية التي خضعت تحت وزرها. لذلك ومن أجل كلّ هذه الأبعاد والتعبيرات الثورية تُقدّم الشعوب الثائرة الدم والشهداء والجرحى كتعبير شامل عن التضحية من أجل تحقيق أهدافها التي ثارت من أجلها وخاصة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وحرية التعبير والرأي.
وثورة 17 ديسمبر14 جانفي التي جسّدتها جماهير شعبنا في تونس لم تكن إلّا امتدادا طبيعيا لهذا التصوّر فكانت من أجل «الشغل والحرية والكرامة الوطنية «، ثلاثة أبعاد لخّصت أطروحات وكتب ومسارات نضالية لهذا الشعب لأكثر من 60 عاما.
كما كانت تتويجا لحراك شعبي متواصل منذ بداية الستينات مرورا بأحداث فيفري 72 المجيدة و26 جانفي 1978 وأحداث الخبز 1984 وصولا إلى أحداث الحوض المنجمي 2008 الذي مثلت بداية النهاية لمسار ثوري تراكمي .
بعد مرور السنة الرابعة عن انطلاق المسار الثوري وهروب رأس النظام وبالاعتماد على التقييم الموضوعي لأوضاعنا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والأمني والثقافي الإبداعي يمكننا القول أنه لم يتحقق شيء يذكر. إذ تميزت الأوضاع بما يلي:
على المستوى السياسي:
– مازالت المنظومة السياسية القديمة متحكّمة ومتغلغلة في كلّ مفاصل الدولة طورا في جبهة النظام القديم وطورا في جبة الإسلام السياسي
– لم يُفتح إلى الآن وعلى قواعد شفافة ملف العدالة الانتقالية
– لم يحقق الشعب سيادته الوطنية واستقلال قراره السياسي وبقيت البلاد مرتهنة للخارج سياسيا واقتصاديا وخاصة لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي
– دخول البلاد في سياسة المحاور التي أضرّت بمصالح الشعب وبعلاقته بأشقّائه العرب.
– تحوّلت البلاد إلى وجهة للتكفيريّين وفُتحت للتدخلات الأجنبية المشبوهة من طرف دول مرتبطة بالكيان الصهيوني خاصة إبّان حكم الترويكا.
– تعدّدت الاغتيالات السياسية وخاصة اغتيال القيادات التقدمية والديمقراطية وعلى رأسهم شهيدي الجبهة الشعبية والوطن شكري بلعيد والحاج محمد براهمي.
– مواصلة سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء ممّا أفقده دوره في كشف الحقيقة
– عدم فتح الملفات السياسية الكبرى المتعلقة بالفساد وسرقة المال العام والبيروقراطية والصفقات العمومية مما جعل الشعب وبعد أربع سنوات لا يشعر بأنّ شيئا ذي بال تحقّق.
على المستوى الاقتصادي:
– ارتفاع التضخم
– تراجع كل القطاعات الإنتاجية من صناعة وفلاحة وخدمات وخاصة القطاع السياحي وقطاع الصناعات التحويلية وإنتاج وتحويل الفسفاط
– ارتفاع غير مسبوق لعجز الميزان التجاري الذي بلغ سنة 2014 حوالي 13000 مليار وهو ما يعني أننا نستهلك ونستورد أكثر ممّا ننتج
– تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة ومواصلة تدهور قيمة العملة الوطنية مما أثّر على التوازنات العامة للبلاد
– ارتفاع نسبة عجز الموازنة العامة للدولة ممّا عمّق نسبة التداين الخارجي الذي أصبح 52% من الناتج المحلي الخام سنة 2014 بعدما كان 39% فقط سنة 2010
– تراجع تصنيف البلاد بالنسبة لكل المؤشرات ممّا جعل التداين الخارجي أكثر كلفة
– انتشار التهريب بشكل كبير إلى أن أصبح الاقتصاد الموازي يمثّل حوالي 50% وهو مؤشر على ضعف الدولة وتراجع دورها الرقابي
على المستوى الاجتماعي:
– تدهور المقدرة الشرائية للمواطن والارتفاع المتواصل والدائم لكل الأسعار بما فيها أسعار الخدمات العامة من كهرباء وماء وتطهير ونقل
– مواصلة سياسات التخلي التدريجي عن صندوق الدعم تحت شعارات متعددة كترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقّيه
– مواصلة ارتفاع نسبة البطالة حيث أضيف أكثر من 200 ألف معطل عن العمل إلى عدد المعطلين لسنة 2010
– ارتفاع نسبة المعطلين عن العمل في صفوف الشباب إلى 32% وهي من أعلى النسب في العالم
– تواصل تهميش المناطق الداخلية وتدنّي مستوى الخدمات العامة والبنى التحتية
– غياب أي مشاريع للتنمية في أغلب مناطق البلاد ممّا عمّق الشعور بالغبن الاجتماعي واليأس من إمكانية تغيير الأوضاع المعيشية للناس
– ارتفاع نسبة الفقر وتقلّص نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع كمؤشر حقيقي على تدنّي مستوى العيش وانخرام توازنات البلاد اقتصاديا واجتماعيا
– ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة إراديّا ليصل هذا الرقم إلى حوالي 120 ألف تلميذة وتلميذ سنة 2013 وذلك لأسباب اجتماعية في الغالب
– مواصلة تدهور الأوضاع المالية للصناديق الاجتماعية والصندوق الوطني للتأمين على المرض ممّا ينبئ بكارثة اجتماعية في القريب العاجل إذا تواصل العجز لهذه الصناديق بهذه الوتيرة، كل ذلك أمام صمت رهيب لكل الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي 2011
على المستوى الأمني:
– انتشار الفكر الوهّابي الظلامي والتكفيري وسيطرة المجموعات الإرهابية على المساجد التي استعملتها قاعدة خلفية لتجنيد الإرهابيين وإرسالهم إلى مواقع التوتّر في العالم وخاصة لسوريا والعراق وليبيا تحت شعارات الجهاد
– انتشار الإرهاب وإدخال السلاح تحت غطاء سياسي من طرف حكومات الترويكا المتعاقبة
– دخول البلاد مرحلة الاغتيالات السياسية
– تهديد مباشر لأهم الرموز السياسية الديمقراطية والتقدمية
– تدهور الوضع الأمني العام بالبلاد جرّاء المجموعات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن والجيش والمصالح الحيوية للبلاد
على المستوى البيئي:
– انتشار مفزع للنفايات في كلّ أنحاء البلاد ممّا حوّلها إلى مصبّ عشوائي، كلّ ذلك بسبب السّطو على المجالس البلدية من طرف الترويكا التي حوّلت هذه الأطر المحلية إلى أبواق دعاية واستقطاب سياسي وحيّدتها عن مهامها الأساسية في خدمة المواطنين وتحسين إطار عيشهم
– إتلاف كميات كبيرة من النفايات الخطرة والاستشفائية في الأودية والسّباخ وفي مناطق العمران ممّا تسبّب في تلوّث كبير لمكوّنات العناصر البيئية
– انتشار للأمراض وتدهور إطار عيش المواطنين في كلّ الجهات وكان التلاميذ أكثر ضحايا هذه الكوارث البيئية وخاصّة فيما يتعلّق بانتشار أمراضٍ خلنا أننا نسيناها
كما كثرت خلال الأربع سنوات الماضية مظاهر استهداف المفكّرين والمبدعين والإعلاميين، وتكفيرهم وهدر دمهم، ولعلّ كلّ هذه المظاهر القروسطية كانت نتيجة مباشرة لوصول حركة النهضة الدينية للحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 والتي كانت تسعى إلى التمكّن من البلاد وتحقيق أهدافها في الانقلاب على المسار الديمقراطي وتأسيس دولة الخلافة السادسة.
وبناء على ما تمّ عرضه من نتائج كارثية للأربع سنوات بعد 14 جانفي 2011 يمكننا القول أنه لم يتحقق أيّ شيء من الاستحقاقات الثورية، وأنّ شعبنا لم يستطع إلى الآن أن يشعر بتجسيد ولو جزئي من شعارات ثورته من شغل وحرية وكرامة وطنية.
كما أنّ من حكموا البلاد تباعا بعد 14 جانفي، لم يغيّروا من نمط منوال التنمية السابق بل واصلوا فيه وبنفس الآليات، ممّا عمّق الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التي زادها الإرهاب ببعديه الفكري والمسلّح تعقيدا.
إننا بهذا المعنى، عدنا إلى المربّع الأوّل، وهو ما يحتّم على أبناء شعبنا أن يواصلوا مع القوى الثورية والتقدمية النضال بأكثر شراسة حتى تحقق الثورة أهدافها.