ورد بجريدة “صوت الشّعب” في عددها 160: “من سيدعم الحكومة القادمة ومن سيعارضها؟”
كثر الحديث في الفترة الاخيرة عمن سيشارك في الحكومة القادمة ومن سوف لن يشارك فيها. وأثار موقف الجبهة الشعبية من هذه المسألة وبصفة خاصة من تشريك حركة النهضة العديد من التعاليق وردود الأفعال من قبيل استنكار العقلية الاقصائية للجبهة واعتبار ذلك غير مقبول واستحسان ما سمّي بـ”ترضية” حركة النهضة واعتبار ذلك إيجابيا بكلّ المقاييس.
والجدير بالذكر انّ الجبهة الشعبية ما كان لها أن تولي تركيبة الحكومة والأطراف المشاركة فيها مثل هذه الأهمية لولا ما لهذه المسألة من علاقة مباشرة ببرنامجها وأولوياتها والملفات المطروحة أمامها. فالقضية لا علاقة لها بالأحقاد الشخصية ولا بالاختلافات الايديولوجية وإنما مرتبطة بما لذلك من انعكاسات على ملفات حارقة على غرار ملف العدالة الانتقالية والاغتيالات السياسية وفي مقدّمتها اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، اغتيالان سياسيان لرمزين من رموز وقادة الجبهة الشعبية حدثا في ظل حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة ولم تتمكن الحكومة المذكورة من التقدم في كشف الحقيقة حولهما وإماطة اللثام عمّن يقف وراءهما إضافة إلى اعتقاد عديد الأطراف، ومنها الجبهة الشعبية، أنها ليست عديمة المسؤولية في حدوثهما.
لا احد ينكر اليوم أنّ من أهم الأولويات المطروحة ملف العدالة الانتقالية والاغتيالات السياسية. فمن له مصلحة في فتح هذه الملفات ومن ليس له مصلحة في ذلك؟ وهل بحكومة تضم النهضة والنداء وبقيادة الحبيب الصيد الذي عمل مع نظام بن علي وكذلك مع حكومة حركة النهضة يمكن أن نتقدّم في فتح هذه الملفات؟ أم أنّ النية مبيّتة وتتّجه نحو تطمين هذا وذاك والاتجاه نحو ما سمّي بالالتفات نحو المستقبل وترك البقية للتاريخ لعله يلعب دوره في جعلها تبقى طي التجاهل والكتمان. وللحقيقة فالجبهة الشعبية ليس لها “فيتو” على هذا الطرف أو ذاك وهذه الشخصية أو تلك بقدر مانعتقد أنّ أيّ حكومة لا يمكن أن يكتب لها النجاح في هذا الظرف بالذات إن لم تلتزم بأهداف الثورة ولم تكن في قطيعة مع رموز النظام البائد وكذلك رموز حكومة الفشل التي تركّزت بعد انتخابات أكتوبر 2011.
إنّ شعبنا أيضا في حاجة، قبل أيّ كان، إلى حكومة تطمئنه ورموز يطمئنونه ونحن نعتقد أنّ من لا يتمكن من طمأنة شعبه لن يقدر على نيل رضاه ودعمه، وحكومة لا تستجيب إلى طموحات شعبها ولا تضع في أولوياتها تحسين أوضاعه على كلّ المستويات لن يكتب لها النجاح مهما كانت الأغلبية البرلمانية التي تدعمها ومهما كانت الأغلبية البرلمانية التي تدعمها ومهما كانت قوّة الأحزاب التي تشارك فيها. بالطبع ، من حقّ حركة نداء تونس أن تشكل الحكومة باعتبار نتائج الانتخابات الأخيرة ومن حقّها أن تعمل على تجسيد برنامجها على أرض الواقع وأن تبحث عمّن يتّفق معها على قاعدة هذا البرنامج لتضمن أكبر دعم ممكن وأوسع قاعدة ممكنة لحكومتها. وقد تضطرّ في سبيل ذلك لتقديم تنازلات لهذا الطرف أو ذاك كأن تتنازل عن مناصب وزارية أو تتغاضى عن فتح هذا الملف أو ذاك مقايضة بصفة معلنة أو غير معلنة. إنّ ما يقرّب حركة النهضة من نداء تونس هي المصلحة المشتركة، والخطر كلّ الخطر أن يكون لهذا التقارب تكلفة باهضة على حساب مصلحة الشعب والوطن وعلى حساب أهداف الثورة التي قدّم الشهداء أرواحهم من أجلها. وحركة النهضة تتشبث بالمشاركة في الحكومة أولا وقبل كل شيء لتلافي المحاسبة على ما ارتكبته من أخطاء وجرائم خلال فترة حكمها وثانيا لعدم وجود خلافات جوهرية بينها وبين النداء- الحزب المعني بتشكيل الحكومة- وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك الوطني.
أمّا حركة نداء تونس فهي في حاجة لحزب قوي يدعمها ويشد أزرها في ظل مسار ثوري مازال متواصلا وحركة احتجاجية ما انفكت تتنامى وتتأجج. وفي هذا الإطار يبدو تحالف النهضة والنداء أمرا لا مناص منه وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضغوطات عديد الأطراف الخارجية التي تدفع في هذا الاتجاه رغبة في إيقاف المسار الثوري وخدمة لمصالحها. والجبهة الشعبية لا يقلقها أن تكون في المعارضة وتتحمّل مسؤوليتها تجاه الشعب والثورة وهي لا تعتبر ذلك عزلا أو إقصاء من الحكم وبقاؤها في المعارضة مسألة طبيعية وأفضل لها من المشاركة في الحكومة على قاعدة برنامج لا علاقة له ببرنامجها ولا بمصلحة الشعب وأهداف الثورة.
إنّ مسألة المشاركة في الحكومة من عدمها ليست مسألة إرادية ومرتبطة برغبات هذا أو ذاك وإنما هي مسألة مصالح وبرامج وتوجّهات وميزان قوى.
عبد المؤمن بلعانس (نائب بمجلس نوّاب الشعب عن الجبهة الشعبيّة)