ورد بجريدة “صوت الشّعب” في عددها 161:
تهاوت النسخة الأولى من حكومة الحبيب الصيد بسرعة متناهية وقد كانت الأسباب المجمع حولها أولاّ غياب البرنامج وثانيا هشاشة التركيبة. والغريب في الأمر أنّ عديد الأطراف طبّلت لمسؤولين سابقين بعينهم قصد تكوين رأي عام ملائم للإبقاء عليهم في تشكيلة الحكومة ونخص بالذكر وزير الشؤون الاجتماعية الحالي السيد عمار الينباعي الذي لم يعد خافيا حصوله على دعم رئيس مجلس النوّاب.
وإن كان ذلك لا يثير الرّيبة باعتبار العلاقة التي تربطهما فإنّ ما يبعث على الدهشة استماتة الاتحاد العام التونسي للشغل في التمسك بهذا الوزير الفاشل دون تقديم مبررات موضوعية تدعم هذا الموقف، والحال أنّ عمار الينباعي بصفته عضو حكومة وفي وزارة مسؤولة عن الحوار الاجتماعي ارتبطت به كلّ عناوين الفشل وبيّنت الوقائع تزكيته المطلقة لكلّ مقترحات الحكومة في الزيادة في الأسعار وتجميد الأجور والانتدابات ومن قبله لم يتردّد السيد محمد الناصر ذاته في تفكيك المجلس الاقتصادي والاجتماعي وصندوق 26-26 الذي كان واردا تحويله إلى صندوق للتنمية المحلية. كما تم تمرير مشاريع أوامر أحدث بموجبها ما يسمّى بالشركات المالية التجارية وفرضت قيودا تعجيزية على الجمعيات التنموية التي تسند القروض الصغيرة للفئات المعوزة وهي إجراءات تعسّفيّة خيّمت على بعض المكاسب التي تمّ تحقيقها. وفي فترة السيد عمار الينباعي أيضا تمّ وضع الاتّحاد التونسي للتضامن الاجتماعي في أزمة وبيعه للترويكا، والتعامل مع وضعيات الجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية بارتجالية واضحة وتم تنفيذ قرارات جائرة في حق المعوزين الأشد فقرا الذين يجمعون بين منحتي برنامجي الحضائر والمعوزين بقرار فردي، وقد نشرت وسائل إعلام عديدة عينة من هذه الممارسات.
عمار الينباعي معاد لمصالح الشغّالين والفقراء
ما تزال ذاكرة آلاف العمال المطرودين تستحضر تفكيك خيرة مؤسساتنا الوطنية (الشركة الوطنية لنقل البضائع والأنابيب وآخرها ليوني الزهراء سنة 2013 ). ورغم استماتة القيادات النقابية القاعدية والوسطى في الدفاع عن مؤسساتهم كان السيد عمار الينباعي بصفته متفقدا عاما للشغل ينفّذ تعليمات داعميه ويسارع بتفكيك هذه المؤسسات وبصمت من المركزية في تلك الفترات التي شهدت تشريد المناضلين النقابيين. وكان من المفروض أن يحاسب السيد الوزير على قراره بحذف 2500 معوزا من المنحة القارة في غمرة موجة الثلج الأخيرة موهما الرأي العام بأنّ ذلك تمّ بقرار جلسة عمل وزارية والحال أنه خلال الجلسة ذاتها كان صاحب مقترح الحذف. وفي نفس الفترة يقوم بجولات وصولات لتوزيع مساعدات بولايات الشمال الغربي على عائلات أغلبها ممّن تم حذفهم من برنامج المعوزين. وللأسف فإنّ وسائل الإعلام قدّمت هذه الحملة على أنها مشتركة مع اتحاد الشغل كما تم تنظيم مهرجان خطابي داخل قبة المجلس وبهرج لإعلان إطلاق مسار المفاوضات الاجتماعية في مناورة أصبحت نتائجها معلومة للشغالين والموظفين حيث تنصّلت حكومة مهدي جمعة من مسؤولياتها ويبدو أنّ هدف وزير الشؤون الاجتماعية ليس خدمة هؤلاء بقدر ما هو حملة دعائية للبروز في موقع المرشح الوحيد القادر على تحقيق التوازن في العلاقات الشغلية وفي المجال الاجتماعي وقد نجح في ذلك إلى حين لكنه لن ينجح في مغالطة الجبهة الشعبية والشغالين والفقراء.
عمار الينباعي يحيل سلك تفقد الشغل على البطالة المقنّعة
رغم أنّ عمار الينباعي في الأصل متفقد شغل فإنّ ما تعرّض إليه هذا السلك في السنوات الأخيرة من تهميش لدورهم يُعدّ أمرا غير مسبوق ممّا هدّد حقيقة السّلم الاجتماعية فالوزير يُشرف بنفسه على كلّ الجلسات التفاوضيّة على مستوى مركزي ويُمضي الاتفاقات وفق اعتبارات غير معلومة ودون أدنى تدقيق ويكاد يشعر المتابعون للشأن الاجتماعي أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية أصبحت رهينة ووقفا على ذمّة الوزير.
ما يجب أن يعرفه الرأي العام حول تعيينه على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة السيد مهدي جمعة؟
كلّ القرائن تؤكّد حصوله على دعم مطلق من كاتب الدولة للهجرة السابق السيد حسين الجزيري وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وكلّ طرف كانت له انتظاراته:
انتظارات النهضة المعلنة هي المحافظة على مشروعها في ميدان الهجرة وتمرير مشاريع إعادة الهيكلة حيث تم إحداث مرصد للهجرة، ويتم العمل على بعث مجلس أعلى. وفي الجهة المقابلة برئاسة الحكومة تت المحافظة على موقع السيد الحبيب الكشو كمستشار لرئيس الحكومة وكفاعل أساسي في مسار اتّخاذ القرار وتمّ إحداث فريق عمل مكلّف بالهجرة والدفع بتسميات عديدة في هذا المجال.
أمّا الانتظارات غير المعلنة فإنّ حركة النهضة على دراية واسعة بشخصية الرجل فهو بارع في إشاعة الفراغ من حوله حتى يسهل عليه تمرير كلّ قراراته وتقديم كلّ الترضيات الممكنة لعابري السبيل وربما تكون حركة النهضة قد ندمت على دعمه سابقا لأنه لم يقدر، رغم سعيه، على توظيف برامج الوزارة وهياكلها لفائدة النهضة في الحملات الانتخابية بالداخل ورغم الخدمات غير المباشرة التي قدّمها لها مع الجالية بالخارج من خلال تعويم خطة الملحق الاجتماعي بالتعيينات المسقطة من غير المختصّين ونتائج الانتخابات الأخيرة بالمهجر خير دليل.
أما انتظارات اتحاد الشغل فهي ليست خافية فخبرة هذا الوزير في التفاوض مثّلت الدافع الأساسي لدعمه لكنّ المتأمّل في حجم الاتفاقات غير المنفذة يلاحظ حالة التمييع التي وصلت إليها المفاوضات، وقد ساهم ذلك في ظهور تململ ضدّ الاتحاد في عديد القطاعات. وفي المحصلة فإنّ الأجور مجمّدة والأسعار ملتهبة والسلم الاجتماعية مهدّدة والاقتصاد الموازي يتحكّم في مقدّرات الدولة والاستثمار متعثر والصناديق مهدّدة بالإفلاس ونسب الإضرابات ارتفعت بـــ24.6% سنة 2014 بالمقارنة مع سنة 2013 وفي آخر فترات هذه الحكومة مثل هذا الوزير ذراع الحكومة في تهديد الاتحاد بالتسخير وفي ترحيل المفاوضات حيث قدّمت حكومة مهدي جمعة استقالتها دون إمضاء البلاغ المشترك وفي ذلك إهانة للاتحاد وخذلان للعمّال والموظفين الذي أصبحوا عاجزين عن ضمان حق العيش الكريم.
إذا عن أيّ نجاح تتحدّث بعض وسائل الإعلام التي تروّج لهذا الوزير؟ وماذا ينتظر الاتحاد مستقبلا بمثل هذا الأداء. ودون الغوص في تفاصيل أخرى فإنّ التجديد للسيد عمار الينباعي على أنه كفاءة الكفاءات وارتهان وزارة الشؤون الاجتماعية لمدة 05 سنوات أخرى سيسبّب مزيدا من التداعيات أقلّها:
– تمييع البرامج الاجتماعية الموجّهة للفئات الفقيرة والمحرومة
– تجميد كلّ المجهودات الإصلاحية التي شهدها قطاع العمل الاجتماعي
– مواصلة اتّخاذ قرارت ارتجالية تجاه أزمة الصناديق الاجتماعية
– إغراق وزارة الشؤون الاجتماعية بالتسميات العشوائية والترضيات على حساب الكفاءة ونخصّ بالذكر ملفّ الملحقين الاجتماعيين حيث تعمّد كلّ الوزراء في عهد الاستبداد وفي مرحلة بعد الثورة إقصاء الفنيين المختصّين وتعريض مشاغل الجالية إلى التهميش.
عمار الينباعي وزير فاشل يتعاظم دوره
تضمّنت تركيبة الحكومة المعطّلة حاليا إحداث كتابتي دولة الأولى خاصة بالشهداء والجرحى والثانية تحت اسم كتابة دولة للإدماج الاجتماعي وهو عنوان خاطئ شكلا لأنّ برامج الرعاية الاجتماعية من المفروض أن تشتغل على الأبعاد الرعائية والوقائية والإدماجية وهذا ما يرجّح كفة العودة للتسمية القديمة كتابة الدولة للنهوض الاجتماعي. ومن ناحية الأداء كيف لوزير فاشل ووزارة مثقلة بالملفات الدقيقة أن تحتمل تسمية لكاتب دولة اختصاصه ومجال إشعاعه قطاع الصحة العمومية، نحن نتساءل عن خلفية هذا الاختيار ومن دفع به فالسيد بلقاسم الصابري سيرته الذاتية جيدة لكن وزارة الشؤون الاجتماعية تعج بالكفاءات القادرة على تسيير البرامج وكلّ الحكومات المتعاقبة تعي ذلك جيدا لكننا نشك إن كانت نيّتها تتّجه لضمان حقوق الفقراء وتحسين أوضاعهم في ظلّ غياب التقييمات وطرح الحقائق حول أداء المسؤولين الفاشلين.
المفارقة في موقف منظّمة الأعراف من تسمية السيد عمّار الينباعي وزيرا للشؤون الاجتماعية
يبدو أنّ إصرار اتحاد الصناعة والتجارة على عدم القبول به مرتبط بعدم حيادية الوزير على حدّ تصريح السيدة وداد بوشماوي رئيسة المنظمة والسيد هشام اللومي عضو المكتب التنفيذي للمنظمة وهذا الموقف ينبني على انخراط سلك متفقدي الشغل في نقابات تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل وهو بذلك يفقد دوره الأصلي في التحكيم والتفاوض والمصالحة من ناحية والولاءات المفضوحة للوزير عمار اليونباعي للمركزية من ناحية أخرى.
ومن المفارقات الأخرى خروج اتحاد الشغل عن حياده وحصول تضارب في المواقف فالسيد سمير الشفي يؤكّد حرص الاتحاد على أن لا يكون وزير الشؤون الاجتماعية معاديا للاتحاد ومتمسّكا بالقانون وفي المقابل فإنّ موقف السيد المولدي الجندوبي على موجات إذاعة موزاييك مساء يوم الثلاثاء 27 جانفي يسير في الاتجاه المعاكس حيث صرّح “أنّ كلّ المؤشرات تؤكّد بقاء السيد عمار الينباعي وزيرا للشؤون الاجتماعية وإن تمّ المساس بهذه التسمية فلكلّ حادث حديث” وهذا الموقف يبعث على الريبة هل أنّ الاتحاد يدافع عن البرامج والأداء أو عن الأشخاص؟
نبيل ساسي