الأستاذة المحترمة رجاء بن سلامة تدعو إلى التظاهر أمام مقرّ الجبهة الشعبيّة للضغط عليها من أجل منح الثقة للنسخة 2 من حكومة حبيب الصيد..! الحقيقة لم أقرأ أغرب من هذا منذ مدّة طويلة. أنا أفهم أنّ السيّدة بن سلامة وبعضا من مثقفي نداء تونس ومن غير الندائيّين لاسيما العلمانيّين منهم في ورطة كبيرة بسبب تنامي احتمال إشراك حركة النهضة في الحكومة. والورطة مأتاها أنّ هؤلاء المثقّفين بذلوا كلّ ما في وسعهم ومارسوا كلّ أنواع الهرسلة لحصر الصراع الانتخابي بين مشروعين الأوّل مدني حداثي والثاني أهلي رجعي أصولي. وقد كانت السيّدة بن سلامة من أكبر من لعب لعبة الاستقطاب التي خدمت النداء والنهضة بالتساوي وكانت الجبهة من أكبر ضحايا لعبة الاستقطاب الثنائي تلك. السيّدة بن سلامة وبقيّة مثقّفي نداء تونس كانوا أشدّاء على الجبهة الشعبيّة قبل الانتخابات لأنّ الجبهة كانت ترى أنّ الصراع ديمقراطي مدني، هذا صحيح، ولكنّه أيضا اجتماعي بوجهين وجه العدالة الاجتماعيّة ووجه العدالة الانتقاليّة. ولهذا كانت الجبهة تنبّه إلى التقاطع الليبرالي بين النداء والنهضة. وهذا لم يكن يروق للسيّدة بن سلامة ولمثقّفين آخرين كثيرين. اليوم يبدو أنّ ما حدست به الجبهة يكاد يكون هو الحقيقة إذ ذابت الخلافات الإيديولوجيّة وغلب التقارب الليبرالي بين النداء والنهضة. وهذا ما أحرج السيّدة بن سلامة وجعلها لا تتوقّف عن مهاجمة الجبهة. للسيّدة بن سلامة، أقول: الجبهة الشعبيّة لم تمارس الابتزاز والمساومة شأن حلفاء النداء، بل كانت في منتهى النضج والمسؤوليّة إذ اشترطت شروطا سياسيّة وأخرى برنامجيّة لمنح الثقة للحكومة دون أن تشارك فيها إذ لم يعتبرها النداء شريكا منذ البداية بل وقع فرزها وإفرادها واكتفى بالجوقة التي شاركت في حملة السبسي الرئاسيّة. الجبهة منسجمة مع أطروحاتها وبرامجها ووعودها الانتخابيّة. والشعب التونسي لم يشرّفها بالحكم. وهي ليست مسؤولة عن خيارات حزبكم الحاكم. وأحرى بك أن تنقدي خيارات حزبك الذي دافعت عنه بشراسة وأن تعاتبي قياديّيه لا قياديّي الجبهة. وإذا لم تمنح الجبهة الثقة للحكومة فهي تمارس حقّها الديمقراطي الذي يكفله لها الدستور. فعلام ستحتجّين؛ على حزب يمارس حقّه الدستوري بديمقراطيّة وبمنتهى الوضوح والشفافيّة ولا يناور ولا يداور كالآخرين؟ لا يليق بك أن تبحثي عن منتصف النهار عند الثانية، كما يقول المثل الفرنسي. فإذا اختار النداء التحالف مع النهضة فهذا اختياره هو ويجب أن يتحمّل مسؤوليّته ولا دخل للجبهة في ذلك. فاتركي الجبهة وشأنها واهتمّي بحزبك المكلّف بالحكم. هذا أسلم وأنفع وأفيد. أمّا إن كنت نادمة عن خيارك الندائي فليس التهجّم المستمرّ على الجبهة هو التعبير الأسلم عن ندمك..
(مصطفى القلعي)