بقلم عمّار عمروسية
أسدل السيد” الحبيب الصيد” صبيحة يوم الاثنين 02 فيفري الستار على مسرحية “المشاورات” من خلال الكشف عن النسخة الثانية من حكومته التي جاءت مثلما كان متوقعا مثقلة بهيكلة أسقطت عنها معايير الفعالية والجدوى في العمل الحكومي . ذلك أنها كانت نتيجة ماراطون من التفاهمات والمناورات الملغومة مورست فيها أحط آليات المحاصصة الحزبية وكرّست فيه عقلية اقتسام المغانم وحتى الترضيات الشخصية. فالتركيبة النهائية لهذه الحكومة ضمّت بعض الوجوه المصنّفة تحت يافطة “التكنوقراط المستقلين” ووجوها أخرى توزعت بين خمس أحزاب برلمانية يصل عدد نوابها الـ181 نفرا ممّا يضمن بسهولة كبيرة نيلها أغلبية مجلس نواب الشعب ويمكنها لاحقا من فرص مريحة للإفلات من المحاسبة والمساءلة البرلمانية والمرور بخطى حثيثة في تنفيذ خياراتها اللاّشعبية واللاّوطنية وفق إملاءات الدول الاستعمارية ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. فالمتأمل في الائتلاف الحكومي الجديد يقف دون شك على غرابة هذه “الخلطة” التي وقف القائمون على إعدادها حتى هذه اللحظة عاجزين عن إيجاد توصيف دقيق لها. فمن قائل إنها حكومة وحدة وطنية إلى زاعم بأنها “محصلة إكراهات سياسية” مرورا إلى متحدث عن “عبقرية تونسية” … الخ
والحقيقة التي يتوجّب الوعي بها أنّ الفرق الجوهري الوحيد بين “حكومتي الصيد” لا يتجاوز مسألة توسيع القاعدة السياسية الداعمة لفريقه الحكومي الذي نجح هذه المرة في التّوسّع عبر ضمّ حركة النهضة وحزب آفاق تونس. هذا الانفتاح الذي اقتضى إعادة توزيع المناصب الوزارية بما يضمن إرضاء جميع الوافدين الجدد، ويقلّص من بؤر الغضب داخل “نداء تونس” مع ترك الباب مفتوحا لترضيات لاحقة في التعيينات والتسميات بقصر قرطاج وسواه !!
والملفت للانتباه أنّ ما جمع الأوائل والجدد في هذه التشكيلة الحكومية كان مرّة أخرى الولع بالسلطة والكراسي دون النظر إلى مضامين الحكم والسياسات التي يتوجّب اتّباعها، الأمر الذي يفضح بصفة قاطعة الأسباب الحقيقية للوافدين ونقصد بالخصوص حزبي ” النهضة” وآفاق تونس.
فالحكومة الجديدة ليست سوى تكتلا لقوى ليبرالية فيها من يتستر بالدِّين وفيها من يتزيّن بالحداثة والعصرانية. وهو تجمّع تحكمه حسابات اللحظة الراهنة والتوجهات العامة المعادية للنهوض بأوضاع تونس وشعبها الذي يصعب على أيّ حكومة مهما توفر لها من عوامل القوة والبطش كبح جماحه نحو مواصلة الاستمرار في مساره الثوري بما يرسّخ مكاسب الحرية والديمقراطية ويعززها بتحقيق انتصارات على الواجهة الاجتماعية.
وفوق هذا كله فحكومة “الصيد” تحمل بذور فشلها وتمزّقها وانشطارها بالنظر إلى الحسابات الخاصة لأغلب مكوّناتها التي ينطلق البعض منها بقلاقل مهمة داخل أحزابها وفي صفوف المتعاطفين معها، إضافة إلى تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية التي لا يستبعد أن تحمل معها شروط انفراط العقد الحكومي القائم.