الرئيسية / صوت الجهات / أحداث الذهيبة الأخيرة كما يراها الناشط النقابي والحقوقي عبداللّطيف الحداد
أحداث الذهيبة الأخيرة كما يراها الناشط النقابي والحقوقي عبداللّطيف الحداد

أحداث الذهيبة الأخيرة كما يراها الناشط النقابي والحقوقي عبداللّطيف الحداد

قق

حول حقيقة الاحتجاجات الأخيرة وارتباطها بالأوضاع العامة، التنموية والسياسيّة والأمنيّة، تحدّث النقابي والحقوقي عبد اللطيف الحداد والعضو السابق للمكتب التنفيذي الجهوي للإتحاد العام التونسي للشغل بتطاوين لمراسل “صوت الشعب”، فكان تصريحه كالآتي:   

• أوّلا ما هي الأسباب العميقة للاحتجاجات الشعبية ؟

يحسُن أنْ نبدأ بالأسباب المباشرة القادحَة لهذه الأحداث لنفهمَ من ورائها أسبابا أعمق وأكثر تركيبا. قبل أيام، كانت هناك مبادرة من لجنة مَحلية بذهيبة لحلحلة الأوضاع المزرية توفّقَت إلى تسوية مع مختلف الأطراف بما فيها الديوانة، تَقضي بالسماح للبعض بإدخال السلع من القُطر الليبي الشقيق بكميات محدودة وسقف لا يتجاوز الألف دينار. لكن ما راعَ الأهالي هو تصدّي قوات الأمن لهم وتحرير مَحاضر ضدّهم في خطوة فُهِمَ منها إبطال التسوية المذكورة وقطع أسباب الرزق مهما كانت محدودة. وما مِن أحدٍ يجهلُ أنّ النار الكامنة بسبب إغلاق الشريط الحدودي الذي تَقبَعُ فوقَه مدينة ذهيبة والاستهداف المباشر للقمَة العيش بالإتاوة المضروبة على الليبيين شريك الذهيبات المباشر في التجارة البيْنيّة، لم تكن تنتظر إلاّ الشرارة ليَندلِعَ الحريق .. والبقية يعرفها الجميع بعد أنْ جُوبهت الاحتجاجات بقبضة قوية وكان هناك إفراط مجنون في استعمال القوّة ضدّ الشباب والأهالي العُزّل.

أمّا الأسباب العميقة فأعتقد أنها لفرط نتوئها على السطح مع كل جولة من جولات الأزمة الاجتماعية الحادّة التي تعيشها ربوع الجنوب وما أشبَهَه من مناطق البلاد حتى تلك التي تَقَعُ على بعد 15 كيلومترا من العاصمة. هذه الأسبابُ لفرط نتوئها وظهورها و”عِشرة” الناس لها لم يَعُد فيها أيّ جديد. بيئة مُفقَّرَة ظلّت على مدى الحقبات التاريخية خارج دورة الاقتصاد “الوطني” وخارج منظومة ما يُسمّى مَجازا لا حقيقة “التنمية المُستَدَامَة” وما ذلك إلاّ نتاج طبيعي لنظام اقتصادي واجتماعي ظالم ومنوال تنموي بائس ومُفلس. ويكفي النظرُ إلى الخريطة الاقتصادية التونسية لنفهمَ هذه الترسّبات العميقة للأزمة الحالية. تطاوين مثلُها مثل مدنين مثل عديد الجهات تنتسب إلى الشريط الأضعف والمَنسيّ ومنعدم الحظوظ التنموية من الخريطة المذكورة.

 ومتى عرفنا أنّ تطاوين منطقة غنية بمصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز والبديلة كالشمس والريح، وبالمواد الإنشائية والأملاح الطبيعية، وتتوفر على مخزون طبيعي وثقافي وتراثي هائل قابل للاستغلال السياحي وعلى أراضٍ شاسعة قابلة للاستغلال في النشاط الزراعي والرعوي سيّما وأنها غنية بالمياه السطحية والعميقة، متى عرفنا ذلك وتأملنا البنية الأساسية المُهترئة والموارد البشرية والمالية المرصودة ، خلصنا إلى أن هذا الواقع ليس قَدَرا مَقدورا بل هو مُدبَّر تماما.

واليوم بعد الثورة، يتواصلُ هذا التدبير في خيانة شنيعة لكل ما استشهَد من أجله كل مَن سَقَط في ساحات المُواجَهة مع النظام البائد. ورغم كل ما شنّه النقابيون والقوى الحيّة في المجتمع المدني والأحزاب بتطاوين من إضرابات عامة [4 في عهد الترويكا المطرودة من الحُكم و1 في الأسبوع الأول من عُهدة هذه الحكومة] واعتصامات دام بعضُها أشهرا عدّة، فإنّ شبابَ الجهة لم يَنلْ إلاّ الوعود بل إنّ الجهة قفزت إلى المرتبة الأولى وطنيا في نسب البطالة التي استفحلَت في الأشهر الأخيرة مع التسريح الجماعي لعمالة الحقول النفطية وشركات الخدمات في الصحراء التي تفعل فيها الشركات الأجنبية والمحلّية ما يحلو لها دون أيّ رادع.

 كيف تُفسِّر تزامُن تفاقُم الهشاشة التنموية بتفاقم المخاطر الإرهابية بالمناطق الحدودية ؟

المُتابع الفَطِن والنزيه للأحداث الجارية في ربوع الجنوب، لا يَفوتُه أبدا التنبّهُ إلى المَخاطر الجمّة المُحدقة بالمنطقة باعتبارها مَنفَذا واسعا على الرقعة الليبية التي تسودها الفوضى الشاملة وتُطلِقُ فيها المليشيات من كل الأنواع والعصابات التكفيرية أياديها ممّا يُؤشّر لحرب طويلة الأمد وتشكّل بؤرة جديدة للإرهاب الجهادي العالمي على شاكلة ما جرى في الصومال وأفغانستان والعراق. ومع الهشاشة التي يتصف بها وضعُنا الداخلي، والصعوبات التي يُواجهها الموقف الأمني بعد ما شهدَه من مُحاولات الاختراق والإرباك في ظلّ الترويكا، وتنامي المدّ التكفيري في أوساط عدّة سيّما لدى الشباب المُحطّم واليائس وتغلغل هذا التكفير في الداخل لبناء قلاعه وحواضنه مستفيدًا من هشاشة الأوضاع وتهاوي مَطالب الثورة في التنمية والكرامة والعدالة، من الطبيعي ومن الضروري في آنٍ أنْ نكون واعين بالتحالف الموضوعي بين الإرهاب والتهريب -وهو ليس التجارة الموازية أو البيْنيّة التي ينشط فيها الأهالي في ذهيبة وراس جدير إلى حدّ ما في غياب أيّ بديل آخر للعيش واللقمة-. لذلك عليْنا أنْ نكون يَقظين ولكن علينا أيضا ألاّ نخلط الأوراق ونُخطئ في العناوين. فهل بالضرائب والإتاوات ووصفات صناديق النهب الدولية وبالكرطوش الحيّ، نُقاوم الإرهاب ونفكك احتياطياته بمناطق الجنوب ونُحيّد مَخاطره؟ هل بالخطابات التمييزية الوصْمِيّة التعميمية إزاء الناس في جنوب البؤس والفقر، نُمتّن الوحدة الوطنية ونُحصّن الجبهة الداخلية ؟ قطعا لا ومليون لا ! لنَكُنْ مُنصفين ويَقظين في الوقت نفسه. فأهلُ الجنوب علّمونا عبر تاريخهم القريب والبعيد أنهم القلعة التي تحطّمت عليها كل مشاريع النيْل من الوطن مهما كان شعار تلك المشاريع وغطاؤها وقناعُها وزمانُها.

                        الحبيب الزمّوري “صوت الشّعب”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×