زياد الأخضر القيادي في الجبهة الشّعبيّة وأمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد:
* للجبهة الشعبية شرف لعب دور المعارضة الحقيقية من أجل دعم التّجربة الديمقراطية
* الإصرار على وحدة الجبهة هو الضامن للوصول إلى تقويم سياسي موحّد داخلها
* حراك شعب المواطنين” سيكون حزبا خطيرا على أمن تونس واستقرارها ووحدتها
معارض يساري شرس، حادّ في موقفه وعنيد في أرائه، عرف بمعارضته للأنظمة السابقة وبشدّة معارضته لحكومة الترويكا، مدافعا عن قضايا شعبه وهمومه، ثائر ضدّ الرجعية والظّلاميّة ومتمسّك بقيم الدولة المدنية الديمقراطية التقدمية الحديثة.. هوالقيادي في الجبهة الشعبية وممثّلها عن ولاية بن عروس في مجلس نوّاب الشّعب وأمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد زياد الأخضر كان لنا معه حوار خاص لمعرفة أرائه عن آخر التطورات السياسية في البلاد والأوضاع الإقليمية المتوترة وعن الوضع داخل الجبهة الشعبية.
“صوت الشّعب”: أجرى الحوار سمير جرّاي
- تمّ منذ أيّام اختيار أعضاء مكتب رئاسة مجلس نوّاب الشّعب وعبّرت الجبهة الشعبية سابقا عن عدم رضاها عن التمشّي الذي تمّ من خلاله توزيع المسؤوليات، ماهي أبرز تحفّظاتكم عن ذلك؟
نعم فقد أسندت المسؤوليات في رئاسة المجلس للنهضة والنداء ولم يحصل نقاش عن توزيع هذه المهام وهو ما يبيّن جزء من توافقات تحصل بين أطراف سياسية كانت بالأمس القريب تقول إنّها لن تتحالف أبدا، وطبقا للنظام الداخلي فإنّ الجبهة سيكون لها ممثّل في مكتب المجلس تحصل على المهمّة التي بقيت شاغرة.
- تعتبر كتلة الجبهة الشعبية الآن في قيادة المعارضة، ماهي رؤيتكم لدور المعارضة في المرحلة القادمة وكيف سيتم التّعامل والتّنسيق مع بقيّة الكتل والنوّاب المعارضين؟
بالنسبة لرؤيتنا لدور المعارضة، نحن الآن في مشهد ديمقراطي وصناديق الاقتراع أفرزت أكثرية وأقلية، وبطبيعة الحال فإنّ الأغلبية شكّلت الحكومة وتتولّى إدارة الشأن العام وأقلّيّة ستكون هي المعارضة ودورها لا يقلّ أهمّيّة عن دور الذين يمارسون الحكم، وبما أنّ بلادنا لم تعرف في تاريخها معارضة برلمانية حقيقية تتحمّل مسؤوليتها في أن تعبّر عن مواقفها بكامل الحرية، واليوم سيكون للجبهة الشعبية شرف أن تلعب دور المعارضة الحقيقي الذي لا يمكن إلاّ أن يدعم التّجربة الديمقراطية الناشئة من ناحية ومن ناحية أخرى سيكون للجبهة وجهات نظر في الحقيقة لا تتوافق مع ما تطرحه أحزاب الحكم اليوم في مستويات متعدّدة وهذا واضح على سبيل المثال من خلال قانون الميزانية الذي رفضته الجبهة. أمّا عن بقيّة القوى المعارضة فنحن لسنا كبقية المعارضة لسنا كحزب المؤتمر مثلا ونحن نتميز عنها، نحن معارضة وطنية، تقدمية وديمقراطية.
- طلب رئيس مجلس نوّاب الشّعب من رئيس الحكومة تقديم أولويّات حكومته للفترة المقبلة وقدّم رئيس الحكومة 24 مشروع قانون ذو طابع استعجالي بين اتّفاقيّات ماليّة وقروض ومعاهدات، هل لديكم فكرة عن هذه المشاريع؟ وكيف ستتعاملون معها من موقع المعارضة؟
بالفعل لدينا فكرة موجزة عن مشاريع القوانين ومن خلال اجتماع كتلتنا اليوم (الثلاثاء 17 فيفري) سينطلق العمل الحثيث على تناول هذه الملفات بسرعة فائقة وبدقة شديدة لأننا نعتقد أنّ هذه الملفّات معقّدة وخطيرة ويرتبط بها مستقبل البلاد.
- هناك طرف سياسي جديد بصدد التّشكّل من المنتظر أن يعلن عنه في أواخر شهر مارس القادم وهو “حراك شعب المواطنين” يتزعّمه رئيس الجمهورية السّابق والمترشّح المنهزم في الانتخابات الرئاسيّة السّابقة منصف المرزوقي، كيف تنظرون إلى هذا المكوّن السّياسي؟ وكيف سيتمّ التّعامل معه؟
كما تعلم كان النقاش الدّائر في الجبهة الشعبية خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة في مدى تقديرنا لكلا المرشّحين والجبهة الشعبية حينها طرحت موقفا واضحا ضدّ المترشّح المنصف المرزوقي باعتباره يمثّل قوى خطيرة على تونس في اللّحظة الرّاهنة مصنّفة في أقصى اليمين تنتمي إليها عناصر إجراميّة ورابطات حماية الثورة وعناصر قريبة من السلفية الجهادية وهذا الجمع كاملا كان يشكّل بخطابه وأدوات عمله ومشروعه تجسيدا للأحزاب الفاشيّة بسلوكاتها وممارساتها، وعليه قلنا إنّ هذا التجمّع الذي تشكّل حول شخصيّة المنصف المرزوقي في ذلك الحين يمكن أن يتحوّل إلى حزب خطير على أمن تونس واستقرارها ووحدتها ولذلك طرحنا التصدّي له، واليوم نرى أنّ هذا الحزب الذي سيتم الإعلان عنه “حراك شعب المواطنين” يجسّد هذا التّوجّه وهو يلتقي في جزء كبير منه مع توجّهات أصبحت واضحة في الوطن العربي ومنطقتنا وهي توجّهات لا تخدم إلاّ تفتيت المنطقة وإدخالها في اقتتال أهلي لن يستفيد منه إلاّ أعداء الأمّة العربية وأعداء التقدّم والديمقراطية.
- يمكن أن نقول إذا أنّ الجبهة الشعبية تعارض الحكومة وتوجّهها وتعارض المعارضة أيضا؟؟
لا ليس هذا فالجبهة أبدت تحفّظات جوهرية عن هذه الحكومة وبرامجها ومسار تشكّلها منذ البداية وهي تعارضها وهذا لا يغنينا عن اعتبار أطراف في المعارضة هي أكثر خطورة من الحكومة والائتلاف الحاكم في الوضع الراهن.
- نعود إلى الجبهة الشعبية، تعدّدت الأقاويل منذ مدّة عن صراع مؤجّل أو أزمة داخل الجبهة الشعبية وبين بعض الأحزاب داخلها وهناك من قال إنّ هناك مؤامرات تحاك ضدها، ما ردّكم عن هذه الأقاويل وكيف حال الجبهة اليوم؟
الحقيقة كلام من قبيل مؤامرة ضدّ الجبهة وتفسيرات من هذا النّوع لا أميل إليها بشكل عام ودعني أقول إنّ الجبهة هي كيان سياسي يتشكّل من أحزاب سياسيّة متعدّدة لها استقلاليتها التقت على أرضية سياسيّة جامعة وهي أرضيّة كلّ القوى التقدمية والديمقراطية والوطنية تقريبا منذ عقود وهذا لا ينفي أنّه من منعرج إلى آخر في تسلسل الأحداث السياسية في تونس قد تحصل تقديرات وقراءات مختلفة وهذا يقتضي تعميق النقاش ومزيد الحوار بين مكوّنات الجبهة وهو لا يشكّل استثناء ونعتقد أنّ الاختلاف هو القاعدة والتّماثل هو الاستثناء والنقاش، والإصرار على وحدة الجبهة هو الضّامن للوصول إلى تقويم سياسي موحّد داخلها. أمّا أن يكون هذا حاضرا في تاريخ الجبهة القصير فطبعا لا، هناك بعض الهنات وبعض الممارسات المتحزّبة أكثر من اللاّزم والروح الجبهوية لم تصبح بعد هي الطاغية في الجبهة وهياكل الجبهة لا تعمل بشكل فعّال. كما أنّ الممارسة الديمقراطية وطريقة اتّخاذ الموقف السياسي داخل الجبهة مازلنا نعتقد أنه يمكننا تحسينها أكثر ودفع المناضلين في الجبهة مركزيا وجهويا إلى أن يكونوا فاعلين في اتّخاذ القرار السياسي ما يمكّنهم لاحقا من القدرة على تنفيذه والسّهر على إنجاحه. كلّ هذا مؤخوذ بعين الاعتبار ولا يمكن أن نكون عدميّين في تقييمنا لأداء الجبهة بشكل عام، فالجبهة الآن رقم سياسي مهمّ في البلاد، خرجت من تسميات أعدائها بأنها صفر فاصل وأصبح لها وزن سياسي يسمح لها بالتأثير في المشهد العام برصيدها الشّعبي المحترم وهذا ما نثمّنه. كما أنّ للجبهة شهداء سقطوا من أجل إنقاذ البلاد من مشروع رجعي يريد أن ينسف كلّ ما راكمه التونسيون والتونسيات منذ عقود. وأعتقد أنّ على الجبهة اليوم أن تطوي صفحة مرحلة مضت وتدخل مرحلة جديدة تبدأ بتقييم المحطّات السّابقة وطرح مقترحات جديدة سواء في الهيكلة أو في تكتيتها وخطّها السّياسي وفي سبل توسيع الجبهة بما أنها منفتحة على عدّة مناضلين من مستقلّين وأحزاب سياسية أخرى، ووجب أيضا تطوير مشاريعها وقراءاتها لواقعها بما يخدم مصالح هذا الشعب وهذا الوطن. وهذا ما أراه سيكون جدول أعمال ندوة وطنية قادمة يقع الإعداد لها بكلّ جدّية وتكون المنعرج الجديد للجبهة لترتقي إلى مرحلة جديدة يقتضيها الوضع السياسي في البلاد.
- في خصوص قضيّتي الشّهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي هل هناك جديد خاصّة وأنّ التيّار الشّعبي قال إنّ هناك هيئة دفاع موازية تدفعها أطراف سياسيّة تحاول التّشويش على القضية، كما أنّكم ذكرتم سابقا أنّ هناك طرف في الحكومة الحاليّة لا يسعى إلى كشف الحقيقة بالجدّيّة المطلوبة؟
في هذا الخصوص مسار كشف الحقيقة عمليّة معقّدة وليست بسيطة لأنّ الشّهداء قتلوا في مسار سياسي تدخّلت فيه أطراف عديدة سبق للجبهة ولحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد في ما يخصّ شكري بالعيد والتيار الشعبي في ما يخصّ محمد البراهمي أن حمّلوا المسؤولية لطرف سياسي معيّن كان يتزعّم الترويكا وأعني حركة النهضة، وهذا واضح فقد كانت هناك حملات ممنهجة سبقت الاغتيال السّياسي. والمطلوب اليوم من أجل كشف الحقيقة أوّلا مراجعة مسار التّحقيق الأمني الذي تمّ تعطيله ولنا في ذلك عدّة قرائن وأدلّة وثانيا مراجعة المسار القضائي من أجل التقدّم بالتحقيقات ونذهب إلى محاكمة تتوفّر فيها كلّ شروط المحاكمة العادلة. وهذا التّعطيل الذي تحدّثت عنه كان يجري بقرارات سياسية زمن الترويكا ولم تستطع الفرق الأمنيّة أن تقوم بعملها بكلّ استقلالية وكذلك الأمر بالنسبة للقضاة. وهنا وجب طرح أسئلة عديدة على الحكومة الحالية عليها أن تجيب عنها على مستوى وزارة الدّاخلية ووزارة العدل، فبخصوص وزارة الداخلية لا يمكن لوزير تبدي عنه عدّة أطراف مشهود بمصداقيّتها ونضاليّتها تحفّظاتها أن يتحمّل مسؤوليته بجدية ويكشف الحقيقة كاملة فلا يمكن لهذا الوزير أن يصمد أمام الضغوطات. ونحن في الجبهة وفي أحزابنا سنواصل الضّغط من أجل أن تبقى هذه القضايا أولوية ماثلة.
- أكيد أنكم تابعتم ما عاشته منطقتا الذهيبة وبن قردان في الجنوب التونسي قبل أيام من احتقان كبير وعمليات احتجاج واسعة، كيف تنظرون في الجبهة إلى هذه التحرّكات الاجتماعية وكيف قيّمتم أداء الحكومة في التّعامل معها؟
رأينا بخصوص الاحتجاجات الاجتماعية عبّرنا عنه منذ عهد الترويكا لأنّ هناك أطرافا تعتبر أنّ المسار الثوري انتهى وهذا غير صحيح لأن الاحتجاجات متواصلة وذلك لعدم تحقّق مطالب الشعب وعدم الاستجابة لتطلّعاتهم، لذلك ستبقى هذه التحرّكات الشّعبية متواصلة ويجب التّفاعل معها بجدية والعمل من أجل تحقيقها، هذا من ناحية، من ناحية أخرى الاحتجاجات اليوم تطال جهات معيّنة وهي جهات حسّاسة بحكم موقعها الجغرافي فهي أماكن عزيزة من وطننا لكنها محاذية للشقيقة ليبيا التي تعيش فوضى عارمة وحرب أهلية وتعرف توتّرا شديدا. وأعتقد أنّ بعض الأطراف تسعى إلى استغلال هذه الاحتجاجات الشرعية لاستعمالها في أتون هذه الحرب الاقليمية الدائرة وهذا الأمر الذي يجب أن ننتبه إليه دائما، فهذه المناطق الحدودية مازال يتمّ فيها تهريب السّلاح والأموال وحتى الأشخاص، وبالتالي فإنّ النّوايا في الزجّ ببلادنا في هذه الحرب الاقليمية مازالت قائمة وهو مشروع يهدف إلى إشعال المنطقة ككلّ ودفع أهلها إلى الاقتتال الداخلي وتفتيت الدول. أمّا عن الاحتجاجات الشّعبيّة التي تطالب بالتنمية والتّشغيل ويطالب من خلالها الشّعب بالقوت والكرامة ومراعاة المقدرة الشرائية والصحة وغيره فنحن نساندها.
- ما رأيكم في تمشّي الحكومة في معالجة هذا الملف؟
الحكومة حاولت أن تعالج هذه المشاكل بما أتيح لها من حلول في وقت قصير ووضع صعب لكن ما قدّمته من التزامات في برنامجها لا يمكن أن يستجيب إلى مطالب الناس ولذلك الجبهة الشعبية عارضت برنامج الحكومة لأنه غير قادر على توفير الحدّ الأدنى من مطالب الشعب في المسار الثوري.
- بما أنّنا تحدّثنا عن المناطق المجاورة للجارة ليبيا، بعد حادثة إعدام الأسرى المصريّين من قبل التّنظيم الإرهابي “داعش” في ليبيا كيف تنظرون الآن إلى الوضع في ليبيا وما رأيكم في ردّة الفعل المصرية بقصف بعض المناطق الليبية؟ وهل أنتم مع تدخّل عربي أو غربي على التّراب اللّيبي؟ وكيف يجب على تونس التّعامل مع هذا الوضع؟
المسألة أصبحت معقّدة جدّا في ليبيا فهي الآن مفتوحة لمن هبّ ودبّ وهي على قاب قوسين أو أدنى من التّدخّل الخارجي وقد بدأته فعلا مصر وعلى ما يبدو هناك تنسيق مصري فرنسي وطلب لانعقاد مجلس الأمن الدولي. أنا أعتقد أنّ الحل العسكري لا يمكن أن يؤدّي إلى الاستقرار في ليبيا، لكن التنسيق العربي وخاصة بين دول الجوار يمكن أن يفرض على الأقل السير نحو تسويات تحقن دماء الليبيين. فاليوم هناك صراع دولي على منابع النفط في ليبيا والتنظيمات الإرهابية تسعى إلى السيطرة على المناطق النفطية كذلك وهو ما أدّى إلى تأجيج الوضع وتبرير الاقتال ممّا يدفع إلى التّدخّل الأجنبي الذي يهدف إلى السّيطرة على منابع النفط ولا يسعى إلى صالح ليبيا وشعبها لذلك نحن ضدّ أيّ تدخّل خارجي عموما. أمّا عن دول الجوار التي لديها مصلحة حقيقية في استقرار الوضع في ليبيا فيجب عليها التنسيق أكثر من أجل تفعيل مؤتمرات الحوار والمصالحة الليبية. وبالنسبة للتّدخّل المصري عسكريا كان ردّة فعل عن عمليّة القتل الجبانة للمصريين ولا يمكنني أن أتّخذ موقفا ضدّه.
- في ختام هذا الحوار أترك لك المجال لتوجيه رسالة أو كلمة للجبهة الشعبية وقواعدها وأنصارها
كثر اللّغط عن الخلافات داخل الجبهة الشعبية وهو ما يمكن أن يبعث الفرح والارتياح عند خصومها وأعدائها وأريد أن أقول لخصوم الجبهة قبل أن أقول لأنصارها إنّ الجبهة تأسّست لتبقى، من أجل تحقيق أهداف الثورة وهي من سقت أرض تونس بدماء شهدائها الأربعة. والجبهة اليوم ليست ملكا لأحزابها ومناضليها فقط بل هي ملك لتونس، كما أنّ الجبهة لا تخجل من أن تعلن لمناضليها عن نقد أخطائها وتجاوز سلبيّاتها والتّقدّم على درب تحقيق أهداف الثورة خاصة وأنّها تستعدّ لعقد ندوتها الوطنية الثالثة فليدلي كلّ بدلوه من أجل إنجاح هذه الندوة سواء بالكتابة أو بالنّقد أو بما من شأنه يدعم مستقبل الجبهة.