-
في عهد الترويكا رأى التونسيّون التريّف السياسي والصلف في الخطاب والتعالي على الواقع والاستهانة بالثورة وبشبابها وبمطالبها وبقواها التقدميّة. بفضل تهاون الترويكا حقّق الإرهاب ما كان يطمح إليه دائما في التركّز في أرضنا. ورأى التونسيّون قادة الترويكا يعانقون المتشدّدين ويستقبلونهم رسميّا في مراكز السيادة ويحضرون اجتماعاتهم المغلقة والمفتوحة بل ويساندونهم ويساعدونهم في رسم طريق الاستيلاء على المجتمع التونسي.
وكم كان محزنا أن يرسل رئيس الجمهوريّة المؤقّت منصف المرزوقي رئيس ديوانه إلى المطار لاستقبال دعاة الفتنة القادمين من الخارج لتخريب تونس! وكم كان مؤذيا للتونسيّين أن يقيم دعاة التكفير والجهاد المحاضرات والندوات في قصر الرئاسة بقرطاج برعاية من رئيس الجمهوريّة المؤقّت نفسه! ولم ينقذ تونس من الترويكا إلاّ الحوار الوطني الذي كان ثمار نضالات مدنيّة وسياسيّة مريرة دفع فيها الشعب التونسي أكثر من ستّين شهيدا أمنيّا وعسكريّا ودفعت فيها الجبهة الشعبيّة أربعة شهداء هم القائدان شكري بلعيد والحاج محمد براهمي والمناضلان محمد بلمفتي ومجدي العجلاني.
ولم تذعن حركة النهضة للحوار الوطني ولم تلتحق به إلاّ في شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل 2013 بعد أن تمسّك نوّاب المعارضة بتعليق نشاطهم في المجلس التأسيسي وتقدّموا المعتصمين أمام قبّة المجلس بساحة باردو. فأيقنت حركة النهضة باستحالة مواصلة العمل في المجلس وأقرّت بالفشل في تمرير دستور جوان/ يونيو 2013. أمّا حزب الرئيس المؤقّت حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة فقد رفض الحوار الوطني وقاطعه.
لم تكن تجربة حكم الترويكا في تونس تجربة عابرة هيّنة. بل إنّها وسمت تاريخ تونس الحديث بسماتها واحتلّت فيه موقعا سيظلّ محلّ نقد وتقييم لعقود قادمة. الترويكا تركت في تونس ندوبا عميقة لن تتعافى منها بسهولة لاسيما أنّ بعضها تعفّن حين وصلت مظاهره إلى نقطة اللاعودة مثل ظاهرة الإرهاب.
وقد اخترت من بين مقالاتي 63 مقالا مرتّبة ترتيبا كرونولوجيّا. ويعدّ نقد تجربة حكم الترويكا موضوعها الرئيسي أو موضوعها القادح. وعدت إلى المقالات المختارة مادّة لهذا الكتاب فأضفت إليها ما يلزم من التدقيقات والتعريفات في هوامش حرصت قدر الإمكان على ألاّ تتجاوز الضروري المفيد.
وقد أردت تجميع منتخبات من مقالاتي في نقد تجربة حكم الترويكا في تونس بين دفّتي هذا الكتاب الذي تحمّس الصديق الدكتور عبد الجليل بوقرّة مدير دار آفاق برسبكتيف لنشره. فله كلّ الشكر والامتنان. والغاية من تأليف هذا الكتاب هي الإشهاد والاعتبار والقياس، أوّلا، وحفظ الذاكرة الوطنيّة من التلف، ثانيا، والتوثيق لتاريخ قد يطاله التلبيس والمحو أو قد يسقط من الذاكرة التي ينهشها اليومي فيسقطها في النسيان، ثالثا. وهي، على كلّ حال، مساهمة منّي في تفكيك الشأن العام للرأي العام. ويبقى هذا الكتاب محاولتي الثالثة في نقد زمن الترويكا في تونس..
مصطفى القلعي
الرئيسية / صوت الثقافة / الكتاب الجديد للكاتب والباحث السياسي مصطفى القلعي يصدر تحت عنوان: “تونس في زمن الترويكا”
الوسوم :الترويكا تونس تونس في زمن الترويكا مصطفى القلعي