بعد مضيّ اكثر من ثلاثة اشهر على انتخابه مازال مجلس نواب الشعب يراوح مكانه اذ باستثناء التصويت الاستعجالي (دون نقاش) على قانون المالية لسنة 2015 لم يقم المجلس الى حد الان باي عمل تشريعي وهو أمر غريب غير انه لم يثر حفيظة احد ولم نسمع كلاما (مثلما حصل للمجلس التاسيسي) عن إضاعة الوقت وإهدار المال العام…
اكثر من ذلك إنّ هذا المجلس وبعد مضي اكثر من ثلاثة اشهر على انتخابه لم يتمكّن من إرساء هياكله الداخلية (المكتب واللجان…)
وقد أثيرت أخيرا مسألة تعيين رئيس لجنة المالية بالمجلس اهتمام السياسيين والإعلاميين والرأي العام نظرا للخرق الواضح للقانون الى حدّ اغتصابه من جهة والمناورات السياسية الدنيئة من جهة أخرى.
أوّلا- اغتصاب القانون
تعرّض دستور 2014 في فصله 60 الى مسألة رئاسة المعارضة للجنة المالية وتعلقت الفصول 46 و70 و87 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بصورة مباشرة او غير مباشرة لهذه المسألة.
1- ينص الفصل 60 من دستور 2014 على مبدأ إسناد رئاسة لجنة المالية للمعارضة دون الدخول في التفاصيل إذ نص الفصل المذكور على ما يلي:
” المعارضة مكوّن أساسي في مجلس نواب الشعب لها حقوقها التي تمكّنها من النهوض بمهامها في العمل النيابي وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كل هياكل المجلس وأنشطته الداخلية والخارجية وتُسند إليها وجوبا رئاسة اللجنة المكلفة بالمالية وخطة مقرّر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية كما لها الحق في تكوين لجنة تحقيق كل سنة وترؤّسها ومن واجباتها الإسهام النشيط والبنّاء في العمل النيابي.”.
2- يجب الرجوع في هذه الحالة للنظام الداخلي للمجلس الذي تعرض في فصله 46 لتعريف المعارضة التي قد تتكون من كتلة او كتل او افراد غير منتمين لكتل.
وقد نص الفصل المذكور على ما يلي: ” يقصد بالمعارضة على معنى هذا النظام الداخلي:
– كل كتلة غير مشاركة في الحكومة ولم تمنح بأغلبية أعضائها ثقتها للحكومة أو لم تصوّت بأغلبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها.
– النواب غير المنتمين لكتل الذين لم يصوّتوا لمنح الثقة للحكومة أو للثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها
ويعد الاحتفاظ بالصوت رفضا لمنح الثقة للحكومة
ولا يصح التصنيف في المعارضة إلاّ بتقديم تصريح كتابي لرئيس المجلس من الكتلة أو النائب المعني
يفقد النائب أو الكتلة التي خرجت من المعارضة آليا المهمة التي أسندت اليها بصفتها تلك.
ينشر التصريح المتعلق بالانتماء الى المعارضة او سحب الانتماء منها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المتعلق بمداولات مجلس نواب الشعب.”
اما الفصل 87 من النظام الداخلي فقد نص على أنّ لجنة المالية يرأسها احد اعضاء المعارضة وهو بالتالي تكريس للمبدأ الدستوري. و قد ورد النص كما يلي:
” لمجلس نواب الشعب 9 لجان قارة تشريعية… وهذه اللجان هي:…
– لجنة المالية والتخطيط والتنمية… ويتولى رئاستها احد اعضاء المعارضة“
3- ان النصوص الآنفة الذكر أقرت ضرورة ترؤّس المعارضة للجنة المالية وعرّفت المعارضة غير انها لم تحدد اجراءات تعيين الرئيس.
وقد تعرّض الفصل 70 من النظام الداخلي لإجراءات تعيين رؤساء اللجان اذ نص على ما يلي: “يضبط مكتب المجلس حصة كل كتلة نيابية من المسؤوليات في مكاتب اللجان من نفس الصنف مع مراعاة قاعدة التمثيل النسبي. وفي حالة الاختلاف يسند مكتب المجلس اولوية الاختيار انطلاقا من الكتلة التي تضم العدد الاكبر من الاعضاء.
ويتم اسناد رئاسة اللجان من نفس الصنف بحسب التمثيل النسبي للكتل“
ويتضح مما سبق ان اجراءات تعيين رؤساء اللجان تكون على اساس تمثيلية الكتلة او اهميتها في المجلس ولا تكون على اساس اغلبية الاشخاص (المنتمين وغير المنتمين لكتل) المعارضين.
وهذا النص واضح والمبدأ القانوني انه لا تأويل لنص واضح وهو ما جعلني اقول إنّ عملية التصويت التي تمّت بالمجلس عملية اغتصاب للقانون.
ومن هذا المنطلق فإنّ موقف نواب الجبهة بالمجلس سليم ومن حقهم بل من واجبهم أن لا يقبلوا ما حدث بالمجلس من اغتصاب للقانون بالتالي من حق نوّاب الجبهة أن يستعملوا كل الوسائل القانونية المتاحة للدفاع عن حقهم وأساسا اللجوء إلى القضاء.
ثانيا- المناورة السياسية
1- من الناحية السياسية الأكيد أنّ النداء والنهضة لهما رغبة ملحّة في إبعاد الجبهة عن المشهد السياسي لأسباب عدة وهذا طبيعي ومنتظر.
التناقض واضح وجليّ (منذ مدة) بين الجبهة والنهضة كما احتد التناقض شيئا فشيئا بين الجبهة والنداء (الانتخابات الرئاسية والمشاركة في الحكومة واختلاف البرامج…)
كما أنّ باقي المعارضة – في جزء كبير منه – معاد على قدم المساواة مع النداء والنهضة للجبهة الشعبية لأسباب مختلفة حسب الاطراف.
وقد كان تعيين رئيس لجنة المالية فرصة لإبراز هذا التناقض الذي يصل حدّ العداء مع بعض الأطراف تحت غطاء قانوني.
وتدخل مواقف الاطراف المشار اليها من ترؤّس الجبهة للجنة المالية بالمجلس في باب المناورة السياسية.
2- الاكيد أنّ نواب الجبهة بالمجلس سيجدون انفسهم في مثل هذه الوضعية في اغلب الحالات اي انهم سيواجهون ممثلي الحكومة بالمجلس وممثلي باقي المعارضة.
هذه الوضعية صعبة لا محالة وتتطلب قوة جأش وخاصة إلماما بالمواضيع وتمكّنا من المعطيات إذ أنّ قوة المواجهة لا يمكن لها النجاح إلاّ اذا انبنت على امتلاك المعلومة وفهمها وتحليلها تحليلا علميا.
لذا فان الجبهة مطالبة اكثر من اي وقت مضى بالعمل دون هوادة اي انّ مناضلي الجبهة بداية من النواب يجب أن يعملوا اكثر من أي شخص عادي.
واعتقادي الشخصي أن الوضع السياسي بالبلاد وهذا الفرز الذي ما فتئ يتوضح بين يمين ليبرالي وديني وتوابعه من جهة ويسار تمثله الجبهة الشعبية من جهة اخرى يخدم مستقبل الجبهة ايما خدمة لكن بشرط اساسي وهو العمل الجدي والمتواصل والمنظم.