استطاع الارهاب تنفيذ اختراق خطير وضرب قلب العاصمة. بعد أن كان الارهابيّون متحصّنون بالجبال ويتحركون على تخومها. نجحوا في تنفيذ عملية نوعية على بعد أمتار فقط من المؤسسة السيادية الأولى بالبلاد .حدث هذا في واضحة النهار وكانت النتيجة ثقيلة جدا: 22 من القتلى المدنيين العزّل، مواطنان تونسيان و 20 من السياح كانوا في زيارة لمتحف باردو، أحد أشهر المعالم الثقافية والحضارية في بلادنا، هذا إلى جانب عدد كبير من الجرحى ما زال بعضهم في حالة حرجة .
العملية غادرة وجبانة والمصاب جلل، والضربة موجعة وتداعياتها الاقتصادية ستكون مؤلمة خاصة على القطاع السياحي.
ولكن رغم عظمة المصاب وحالة الذهول الشعبي تجاه ما جرى علينا إستخلاص الدروس بأقصى سرعة والتحرك بكل ثقة وثبات في اتّجاه المعالجات الجدية، و قبل كل ذلك مصارحة أنفسنا بعديد الحقائق المرّة أحيانا.
-١- الضعف الأمني مايزال واضحا رغم مجهودات وتضحيات الأمنيين الشرفاء مما يؤكد أن السياسة الأمنية عموما وخاصة ما يهم منها مقاومة الارهاب في حاجة الى اعادة ضبط وترتيب في كافة الجوانب الإستعلاماتيّة والإستخباراتيّة واللوجستيّة والإجراءات الأمنية الإحتياطية والعمليّات الإستباقيّة، ناهيك عن الأخطاء الفادحة في خطط التمركز والإنتشار وتفعيل درجات اليقظة المطلوبة في محيط المؤسسات السياديّة والحيويّة .
2 – إن بلادنا تجني اليوم ثمار ما زرعته حكومات الترويكا وحكومة مهدي جمعة التي تغافلت جميعها وتساهلت في معالجة هذا الملف. بل إنّ حركة النهضة -الطرف الرئيسي في حكومات الترويكا- كانت دائما تعتبرالارهابيين “أصحاب ثقافة جديدة” يمكن التعايش معهم، والقرائن عديدة على تشابك المصالح وتداخلها بين الطرفين في اطارعلاقات وأدواراقليمية مشبوهة ترتبط بإعادة ترتيب وضع المنطقة بين كبريات الدول الاقليمية والخارجية .
-3- إن الحرب ضد الارهاب ليست شعارات ومراسم وخطب رسمية سرعان ما تتلاشى بعد مرور أيام على كل جريمة ارهابية تزهق أرواح أبناء شعبنا الأبرياء، بل حرب شاملة وجريئة ترتكزعلى إتخاذ اجراءات عاجلة تتعلق بالتحقيق الجدّي في أنشطة عديد الجمعيات والمنظمات والمساجد وفتح ملف الأمن الموازي وكشف حقيقة الاغتيالات السياسية والشروع جديّا في مراجعة السياسة التربوية والثقافية بما يشيع قيم العقل. إن ثورة ثقافية يجب أن يعلنها شعبنا للقضاء على جيوب التفكير المتحجّر وثورة اجتماعية يجب أن تستهدف الفقر والبطالة وغلاء المعيشة والاستغلال، ثورة ضد التهريب والتهرّب الضريبي والتبعية، في كلمة لابدّ من ثورة ضد حواضن الارهاب كي نتخلّص فعلا من الإرهاب.
4- لقد آن الأوان لوضع استراتيجية وطنية شاملة تصهر جهود مؤسسات الدولة وفعاليات المجتمع لمقاومة الإرهاب على جميع المستويات السياسية والأمنية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية وذلك عبر عقد مؤتمر وطني للتصدي للإرهاب الذي طالما نادت به الجبهة الشعبية وقوى سياسية ومدنية عديدة.
إن شعبنا سيكون مرّة أخرى شوكة في حلق المشروع التكفيري الظّلامي الذي يريد الحاق بلادنا بمسلسل التخريب على الشاكلة الليبية والسورية والعراقية، وذلك بفضل وعيه وفطنته ووحدته ورفضه لهذا الوافد الغريب، وما على القوى السياسية والمدنية والمنظمات الوطنية والفعاليات الشعبية التي تريد فعلا الخير لوطننا أن تنطلق في المشاورات والتحضير للتعبئة الشعبية العامة لفرض المؤتمر الوطني للتصدي للإرهاب دفاعا عن الأرواح والعقول وعن تراب هذه البلاد وسلامة شعبها.