الدكتور أبو بكر مصطفى بعيرة: عضو البرلمان الليبي وقائد الحوار الوطني الليبي وهو الشخصية السياسية والأكاديمية الليبية التي جمّعت البرلمان الليبي المُنتخب الجديد (جوان 2014) في مدينة طبرق في أوت 2014 في ظروف سياسية صعبة ودقيقة، في حديث لصوت الشعب:
– يتجه الحوار الوطني إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، ماهي مواصفات هذه الحكومة تركيبة ومعايير ؟
أولا تحية للشعب التونسي الشقيق الذي يقف مع الشعب الليبي في هذه المحنة التي نأمل أن يخرجنا الله منها بخير.
كما تعلمين ليبيا الآن منقسمة إلى دولتين هناك حكومتان، حكومة في الشرق وحكومة في الغرب، هناك برلمان شرعي منتخب في شرق لببيا وهناك مؤتمر يحاول أن يضفي على نفسه شرعية موازية في غرب ليبيا، نحن في البرلمان طلبنا في مرحلة من المراحل من المجتمع الدولي التدخل بين الأطراف الليبيبة لأنها يبدو أنها عجزت على حل مشاكلها بمفردها، فاستجاب المجتمع الدولي لذلك وترجم هذه الاستجابة عبر ارسال البعثة الأممية الموجودة في ليبيا للاشراف على الحوار بين الفرقاء الليبيّين والأطراف المتنازعة للوصول إلى اتفاق وقد عقدت في هذا الشأن عديد الجلسات منها جلسة “غدامس” في 29 سبتمبر 2015 ثمّ لأسباب أمنية انتقلنا إلى جنيف لجلستين دامت كل واحدة منها تقريبا يومين و توصلنا إلى بعض النقاط التي قد تؤدي إلى حلحلة الأوضاع و على رأسها تشكيل حكومة وفاق وطني تذوب فيها الحكومتان الموجودتان حاليا وتصبح هي التي تسيّر شؤون البلاد وترجع إلى العاصمة طرابلس حيث المقر الرئيسي للوزارات التي استولت عليها الميليشيات المسلحة، وضعنا طبعا معايير ومقاييس صعبة لهذه الحكومة لأنها تريد أن تبدأ بجدية وبحزم نظرا لدخولها على مرحلة صعبة في تاريخ البلاد، هذه الحكومة التكليف الأساسي لها هو إخراج البلاد من الوضع الصعب الذي تعيشه الآن .
رأينا أن نبدأ برئيس الحكومة ونائبيه ويجب هنا أن يراعى التوزع الجغرافي لأن ليبيا تتكون من ثلاث أقاليم (برقة، طرابلس و فزان ) فمثلا اذا كان الرئيس من طرابلس يجب أن يكون نائبيه من الإقليمين المتبقيين والعكس بالعكس حسب التركيبة، أيضا ضمن المعايير أن لا يدخل هذه الحكومة شخص له علاقة مع الميليشيات أو أي تعامل معها، باعتبارها هي المسؤولة على تأجيج الوضع في ليبيا وإدخالها في هذا الوضع الصعب. كذلك من الشروط أن لا يدخل هذه الحكومة أي من القياديين في الأحزاب التي لوثت الحياة السياسية في السابق في عهد المؤتمر الوطني، هناك أحزاب بارزة مثل حزب العدالة و البناء و الذي يمثل الإسلام السياسي، حزب تحالف القوى الوطنية، حزب جبهة الإنقاذ الوطني… هذه الأحزاب دخلت في معارك مع المؤتمر الوطني وأدت إلى فشل الحياة السياسية في ليبيا فلا نريد أن نرجعهم من جديد ونعيد التجربة السابقة. وخلال جلسة “الصخيرات” يوم الخميس 19 مارس 2015 سيتم طرح أسماء لاختيار رئيس الحكومة و نائبيه وبعد ذلك هو يختار وزرائه وفق المعايير التي قمنا بوضعها سلفا، نحن لا نريد أن نكلف رئيسا للحكومة ونفرض عليه وزراء ثم نأتي بعد ذلك لنحاسبه، وبالتالي نتركه يتحمل مسؤوليته ويختار وزرائه وفق الكفاءة، لأن أهم عامل تتشكل على أساسه هذه الحكومة باالنسبة لنا هو الكفاءة، مع مراعاة جانب التوزع الجغرافي وجانب تمثيلية المرأة و الحمد لله هناك عديد النساء الليبيات الكفوءات.
– بأي معنى يمكن الحديث عن حكومة وفاق وطني في ظل إقصاء الأحزاب التي ذكرتها والتي يمكن أن تتوحّد ضد الحكومة الجديدة وتعيقها؟
بكل الأحوال فليكونوا أينما شائوا نحن لا نريد أن نضعهم في مراكز القرار ما دون ذلك فليعارضوا، أحيانا المعارضة مفيدة وتنبّهنا إلى أخطائنا، لأنهم كانوا في السلطة سابقا وأتوا بوزراء كانوا يعيشون خارج البلاد وغيرها من الأخطاء، ونحن في هذا الإطار ومن ضمن الشروط هي أن لا يكون المرشح مزدوج الجنسية.
– هل يمكن للأطراف الدولية المشرفة على الحوار أن تتدخّل في التركيبة أو في ترشيحات الحكومة الجديدة؟
الأطراف الدولية قد تقترح علينا بعض الأسماء بالنظر إلى الترشيحات الليبية و لكن لا يحق لها أن تفرض أو تتمسك بأحد لأن ذلك موكول لليبين فقط. هناك شرط أساسي كنّا قد وضعناه هو أن لا يتمّ اعتماد هذه الحكومة بصفة نهائية الا من طرف البرلمان الليبي باعتباره هو المنتخب شعبيا و الممثل الشرعي للسلطة في البلاد.
– صرّحتم في السابق أن من أهم الخطوات التي يجب قطعها في الفترة القادمة هي نزع السلاح للميليشيات المسلحة، فأي مستقبل لهذه المجموعات في ضلّ الحكومة الجديدة؟
الحكومة الجديدة لن تستطيع أن تمارس عملها في ضل الوضع الحالي، ستصطدم بما اصطدمت به الحكومات السابقة، كل يوم تطلع علينا سيارات مسلحة وميليشيات مسلحة. نحن في الحوار لدينا عدة مسارات منها المسار السياسي والذي نحن بصدده، والمسار العسكري حيث جلست الأمم المتحدة مع هذه الميليشيات والمجموعات المسلحة والكتائب والجيش الذي يتقاتل أي مع كل الأطراف المقاتلة وتم الاتفاق معهم أن يخرجوا من العاصمة ويتركوا الحكومة تعمل هناك ثم يسلّمون أسلحتهم إلى الأمم المتحدة وإذا عجزت على تحقيق ذلك فهي لديها أساليبها ووسائلها الخاصة في التعامل مع ذلك الأمر.
– هل للأمم المتحدة سلطة على هذه المجموعات لنزع السلاح؟
نعم الأمم المتحدة قادرة على ذلك ولديها وسائلها، نحن لم نجلس مع هذه المجموعات لأن بعضها صنفها مجلس النواب كميليشيات إرهايبة وقرّرنا عدم التعامل معها، فمن يتحاور معها هو المجتمع الدولي، في هذا الإطار حصلت تجارب كثيرة في رواندا، في سيراليون في يوغسلافيا… وغيرها من الأماكن التي تدخل المجتمع الدولي فيها من أجل إرساء الاستقرار.
– إلى أي مدى يكتسي الجانب الأمني في التعامل الدبلوماسي مع تونس أهمية لدى هذه الحكومة؟
نتفهّم أن تونس قلقة ولها الحق في ذلك لأنها مجاورة لليبيا، مجاورة لتدفق السلاح لتهريب الشباب التونسي إلى داعش وإلى المنظمات الإرهابية. في حديث مؤخّرا مع وزير الخارجية الليبي في إطار الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي لتونس طلبت منه إكساء علاقة تونس مع ليبيا خصوصية لأنها تعتبر الآن الرئة التي يتنفس بها الليبيون مع العالم الخارجي لأنه إذا اقفلت نافذة تونس سيموت الشعب الليبي، طبعا هذا الوضع يجعل تونس في مخاوف أمنية لأن الآن يوجد تقريبا مليون ليبي لا تستطيع أن تميز منهم الإرهابي من الخارج تحت ضغط الظروف، هذا يقلقها لكن لاخيار أمامها إلا أن تساعد الشعب الليبي ولا خيار أمام ليبيا كحكومة وكدولة إلا أن تقف إلى جانب تونس في محنتها الاقتصادية وفي إطار ذلك اقترحت عليه أن يتمّ مد تونس ببعض المنح النفطية سواء بأسعار منخفضة أو حتى مجانية لأنها تمسك بشريحة كبرى من الشعب الليبي و مساعدة تونس اقتصاديا هي في نفس الوقت مساعدة للشعب الليبي كذلك المقيم هناك.
– ماهي أهم الصعوبات التي تعترض الحوار الوطني حسب رأيك؟
الصعوبة الرئيسية الأولى التي يمر بها الحوار هي إصرار المؤتمر الوطني الذي انتهت ولايته على البقاء في المشهد السياسي وهو الآن يظهر وكأنه طرف وطبعا الأمم المتحدة مضطرة للتعامل مع أي طرف سواء كان شرعيا أو غير شرعيا لأنها تريد أن تحلّ المشكلة وهم الآن بصدد استغلال الوضع وأصبحوا يتعاملون معنا وكأنهم طرف شرعي.
الصعوبة الثانية هي خروج قوات مصراطة إلى مناطق ليبيا الأخرى وذهبت إلى الموانئ النفطية وذهبت إلى جنوب ليبيا في شكل ما يسمى بالقوة الثالثة وذهبت إلى طرابلس وورشفان وإلى مناطق أخرى وأحرقت منطار طرابلس وارتكبت عديد الأعمال. الأمر الذي جعلنا نصنف هذه المجموعات بالإرهابية، نحن لا نصنف الناس إرهابيين لأشخاصهم وإنّما لما يقومون به من أعمال، فهذه الصعوبات إذا تمكنا من تجاوزها نكون قد حققنا أشواط كبرى، وإخواننا في مصراطة يميلون حتى إلى حوار داخلي في ليبيا مع القبائل ليس حوار دولي فقط، فاقترحنا عليهم أن يسحبوا قواتهم إلى مصراطة وبالتالي يساهمون كثيرا في حل هذا المشكل.