قبل أيام، أجرى عبد الفتاح السيسي حواراً مع قناة فوكس نيوز الأميركية. وبعيداً عن مضمون الحوار الذي لم يحمل سوى مزيداً من الكلام من دون أي معنى حقيقي، فإن توقيت الحوار حمل رسالة واضحة، هي محاولة “تلميع” صورة الجنرال قبل أيام من المؤتمر الاقتصادي المنعقد في شرم الشيخ، وتقديمه للرأي العام الأميركي باعتباره “قائداً” و”زعيماً” إصلاحياً.
حوار السيسي جزء من حملة “تسويق” مستمرة منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وهي ركن أصيل من أركان “الثورة الإقليمية المضادة” التي يمولها ويرعاها الحلفاء الإقليميون للجنرال. وتشمل هذه الحملة مؤسسات وهيئات وشخصيات غربية عديدة، ويتم التخطيط لها وتنفيذها بدقة، والإنفاق عليها بغزارة، تصل أحياناً، إلى حد الإسراف والسفه. فهناك صحافيون وإعلاميون وباحثون وسياسيون منخرطون فى هذه الحملة، ويعملون من دون كلل مقابل آلاف الدولارات. بل هناك برامج ومراكز أبحاث يتم تدشينها ورعايتها خصيصاً لتحقيق الهدف نفسه. فلا يمر أسبوع، إلا ونرى مقالاً أو تعليقاً لأحد المنخرطين فى هذه الحملة، يقوم فيه بتسويق نظام الجنرال السيسي وتلميعه، على الرغم من أخطائه وفشله السياسي، وذلك من دون استحياء أو خجل.
المؤتمر الاقتصادي الذي تُشارك فيه وفود من نحو 100 دولة من جميع أنحاء العالم، إلى جانب 25 منظمة إقليمية ودولية في مؤتمر يستهدف ضخ أصول استثمارية جديدة في شرايين الاقتصاد المصري، فطبقاً لما أعلنته الحكومة، بلغت حصيلة وعود الاستثمارات والاتفاقات في المؤتمر147 مليار دولار، استحوذت على ثلثيها ثلاثة مشاريع عقارية فقط هي العاصمة الجديدة (45 مليار دولار) و«جنوب مارينا» (24 مليار دولار) و “واحة أكتوبر” (20 مليار دولار).
وبصرف النظر عن جدوى مشروع العاصمة الجديدة الذي أسند بالأمر المباشر ولم يطرح على نقاش عام رغم أهميته وتكلفته الكبيرة، لا نحتاج كثيراً لندرك حجم الإضافة التي يقدمها بناء منتجع سياحي آخر في الساحل الشمالي أو “كومباوند” جديد على أطراف القاهرة يضم ملاعب جولف وواحة ترفيهية!
وحتى قطاع الكهرباء الذي كان ثاني أكثر القطاعات جذباً لوعود الاستثمار في المؤتمر، فيرجح فتحه أمام الاستثمار الأجنبي الإسراع بالتوجه إلى خصخصة خدماته الذي لم تخفه الحكومة، ما يعني رفع أسعار الكهرباء وبالتالي تحميل عموم المصريين فاتورة أرباح القادمين الجدد إلى السوق. أما ثاني المؤشرات فهو الانحيازات الواضحة الذي تبنته حزمة قوانين تحت عنوان تحفيز الاستثمار.
بدأت هذه التشريعات بقانون أتاح تخصيص الأراضي بالأمر المباشر نهاية العام الماضي، ثم قانون الاستثمار الذي منح المستثمرين حصانة قضائية غير مسبوقة وفتح باباً للفساد بإعطاء رئيس الوزراء سلطة منح حوافز وإعفاءات تقديرية، وصولاً إلى قانون الإرهاب الذي تبدو الصياغة الفضفاضة لبعض مواده سيفاً مشهراً على رقبة العمال والكيانات النقابية لمصلحة رجال الأعمال.
في هذا الإطار تبدو السياسات المعلنة في المؤتمر، والقوانين التي سبقت انعقاده، امتداداً لمشروع الليبرالية الجديدة الذي أطلقه جمال مبارك وفريقه. وهذا النموذج الذي يركز على أرقام النمو دون غيرها لا يخدم سوى قلة، وإن حسنت النوايا. فحتى في لحظات ارتفاعه في سنوات مبارك الأخيرة والتي وصلت لمعدلات نمو قاربت 8 في المائة تحمل عموم المصريين فواتيرها، ما كرّس فجوة العدالة الاجتماعية ومهد للانفجار الكبير في الخامس والعشرين من يناير.
المؤتمر الإقتصادي الذي أجبرنا على تلبية شروط المستثمرين في فرض أجندتهم ، بسن قانون موحد للاستثمار يحميهم من المسألة القانونية حال ارتفاع رائحة الفساد، وتخفيض عجز الميزانية برفع الدعم التدريجي، وتحرير سعر الجنيه أمام الدولار مما هوى بالعملة إلى مستوى قياسي، ورسم سياسة اقتصادية بعيدة عن التنمية الحقيقية والمشروعات ذات العائد طويل الأمد، وتبني مشروعات عقارية بلا عائد اقتصادي وتتميز بدورة سريعة لرأس المال تضمن سرعة جني أرباح المستثمرين.
لقد رأى النظام أن حل الأزمة الاقتصادية عن طريق تحرير السوق وفتح الاقتصاد المصري أمام الاستثمار الأجنبي، وتنفيذ كل شروط المستثمرين وضمانات حقوقهم على حساب الغالبية من الشعب المصري والتي وصلت معدلات البطالة بين صفوفه إلى 13.6%، أي بما يعادل 4 ملايين مواطن.
بقلم/ علي يسري
*عضو بحركة الاشتراكيون الثوريون بمصر