صوت الشعب صوت الحقيقة
نجيب البكّوشي
في سنوات الجمر عندما كان السواد الأعظم من التونسيين يعتبر أنّ الإعتناء بالشأن العام رجس من عمل الشيطان وأنّ مجرّد الحديث في السياسة مرض عضال وجب إفراد صاحبه إفراد البعيرالمعبّد ، كانت هناك “فئة ضالّة” تُعدّ على أصابع اليد الواحدة قرّرت عن وعي أن ترتكب جريمة حبّ تونس، شباب في عمر الزهور ليسوا خبراء في كرة القدم كأقرانهم ولا يهتمّون بآخر أخبار “الميركاتو” والموضة بل كانوا يتحدّثون عن قيم مهرّبة من كتب يقرؤونها خلسة، يتحدّثون عن الحريّة والعدالة والديمقراطيّة، عن الثورة وفلسطين والمساواة بين المرأة والرجل ، كانوا ينشدون أغاني مبهمة ويرفعون شعاراتا تثير سخط الحاكم فيرسل خلفهم أبابيلا من الوشاة والمخبرين يتعقّبونهم في كلّ مكان. لمن خانته الذّاكرة هؤلاء هم الَّذِينَ كان بوليس بن علي يركلهم ويرفسهم ويجرّهم في ساحات الكليّات، هم الَّذِينَ تجرؤوا على الحلم في زمن الكوابيس، هم الذين كانوا يجتمعون في ركن بالمشرب حول “قهوة غير مضمونة الثمن”* ليعلنوا الإضراب عن الدروس وعندما يعودون إلى قراهم وأريافهم أيّام العطل لا أحد يجالسهم في المقهى خوفا من عيون المخفر. بنات وأبناء الإتّحاد العام لطلبة تونس الَّذِينَ تمّ فرزهم أمنيّا يخوضون اليوم معركة شرف وقودها أجسادهم النحيلة كي يرى التونسيين آثار جرائم نظام المخلوع. حدّثني بكلّ حرقة صديق تجاوز عقده الرابع ولم يعمل رغم حصوله على إجازته منذ منتصف عقده الثاني فقال لي؛”لو منحوني كلّ أموال الدنيا لن أعمل بشهادتي الجامعيّة”، قلت له لماذا؟ قال لي؛ “لقد ماتت والدتي كمدا على حالي ولم أستطع أن أشتري لها يوما واحدا رغيف خبز وهي الّتي ضحّت بالغالي والنفيس لأكمل دراستي”. هؤلاء بناتك يا تونس والبياض في ضفائر شعرهنّ عربون محبّة لك؟ هؤلاء أبناؤك يا تونس فهل لهم في قلبك مكان؟
نجيب البكّوشي
باريس في 21 مارس 2015.
*كلمة “قهوة غير مضمونة الثمن” لصديقي علي عرايسيّة.
