“ليس حرّا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة”..هي الكلمات التي قالها الزعيم الجنوب إفريقي نلسن منديلا والتي نستعيرها اليوم لنوجهها الى حكام تونس بعد الثورة في تعاملهم مع المفقرين الذين سرقت أحلامهم وتحولوا من أصحاب حق إلى متهمين فنقول لكل نفس حر يقاوم رياح الردة قاوم رفيقي، اصمد رفيقي، جوعك غضبي وشموخك شرف لنا فقد عبدت لنا طريق النضال… واجهنا ونواجه وسنواجه الظلم والقهر حتما فلست أنت أيها المعطل والعامل والفقير من تدفع ثمن الحرب ضد الإرهاب… وجب على من نهبوا ثروات البلاد ومن استثروا بين ليلة ونهار ومن هرب أمواله خارج الديار تحمل المسؤولية ودفع الثمن ورغم ذلك نقول سننتصر على الإرهاب وسينقشع الضباب وتعود الابتسامة من جديد…
شمّاعة الأمن أو الجوع
قد يذهب في اعتقاد البعض أن القرارات الموجعة التي تعتزم حكومة “الرباعي” الحاكم بقيادة حزبي نداء تونس وحركة النهضة لها علاقة بما يروّجون له إعلاميا “مصلحة البلاد”…”البلاد في حالة حرب”… “غياب الثروة “…”ارتباطات أخلاقية مع الدول الشقيقة” وغيرها من الأقاويل ولكن في واقع الأمر فإن تحالف هذه المجموعات السياسية هو في الأصل الدافع الاساسي لمثل هذه القرارات وغيرها فبرنامجها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المشترك والقائم أساسا على مزيد الارتهان للدوائر الأجنبية وآخر اهتماماتها الشعب التونسي وخاصة الفئات المفقرة منه والتي تعاني من التفقير والتهميش والتي لم تلمس تغيّرا ملموسا بعد الثورة كما طمحت، بل إن الكلمات المفاتيح اليوم “زاد الفقر..زاد الجوع” و”الغلاء والكواء”، ممّا دفع هذه الفئات إلى الاحتجاج والتعبير عن سخطها والمطالبة بحقها في الثروة والثورة ولان الحكومات المتعاقبة لم تفلح في قمعها وترهيبها استغلت حرب الشعب ضد الإرهاب لتطالب المفقرين والمهمشين بالصمت ومقايضتهم إما الصمت أم نترككم في مواجهة “الدواعش”(تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام) ولربما إنتاج ذراع إرهابي جديد تحت إسم “داعم” (تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب العربي)، وكلها أذرع الرأسمالية المتوحشة للتغطية على جرائمها في حق المفقرين والمضطهدين والإيهام بوجود صراع ديني وطائفي لا دخل للمفقرين فيه والترويج له عبر المافيا الإعلامية التي صنعت لمنع وحدة المضطهدين ومزيد تفرقتهم.
وكلما طرحت قضية جوهرية تضرب في الصميم امتيازات مافيا المال من نهب للثروات وبيعها واستغلال العمال وحق المفقرين في التنمية العادلة وتحمل الدولة مسؤوليتها إلا وتتعالى اصوات بالونات السلطة منددة، مستنكرة، مجرمة، لكل الاشكال النضالية المدنية والسلمية بل انهم برروا قمعها ولم يكتفوا بذلك بل انهم استلهموا من اساليب بن علي عدة اشكال لعل اكثرها تجليا ربط الإرهاب بالحريات الاجتماعية والسياسية فبتعلة مقاومة الإرهاب طالبوا الشعب بالصمت وتحمل ضريبة محاربة الإرهاب متناسينا عمدا ان من سرق ونهب الثروات وهرب الأموال للخارج هو من يتحمل المسؤولية في تمويل الحرب ووجب القضاء على اسباب الإرهاب وأبرزها البطالة والفقر دون أن ننسى طبعا ضرورة فتح الملفات السابقة حول من موّل ومن خطّط ومن حمى العناصر الإجرامية ومهّد لها الطريق للقتل والاغتيال والإفلات من العقاب.
“اصْبروا أو ثوروا”
إن التطرق إلى الملف الاجتماعي والحديث عن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للسلطة وكيفية تعاطيها مع الأصوات التي تتعالى طلبا للحق المشروع في الشغل والحرية والكرامة الوطنية يجرّنا بالضرورة إلى الحديث عن توجّهين كل ينظر له من زاويته. فهناك من تنكر لوعوده الانتخابية وأصبح يغرد ليلا نهارا داعيا الشباب المعطل والعمال والفقراء إلى الصبر وتحمل القرارات الموجعة، مبررا السرقة والنهب للثروات ورهن البلاد بتعلة الازمة الاقتصادية دون تحميل المسؤولية السياسية لمن فشل سابقا، ولا يهمه إسقاط أعباء ذلك على المفقرين الذين كتبت على جباههم في عهدهم “مدانون للأجنبي” ويبتسمون لمافيا المال المتهربين من أداء الضرائب والذين أصبحوا بفعل فاعل رموز سياسية.
أما التوجه الثاني فهو الداعي إلى الانتفاضة والذي خبره المفقرين دوما والذي يرفع شعار “ثوروا على الظلم” فهو خيار العدالة الاجتماعية والخيار الوطني وحق المفقرين في الثروة وحماية البلاد من الارتهان للأجنبي وفضح تسوّل الحكام من صندوق النهب الدولي.
من يدفع ثمن الحرب
ككل مرة يطل علينا الحكام الجدد بخطاب التهديد والوعيد ضد المحتجين والمطالبين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بتعلة الوضع العام بالبلاد والانشغال بمقاومة الإرهاب وضرورة مراعاة مصلحة البلاد مدّعين بأن تونس في حالة حرب ولا يجب الاحتجاج المدني السلمي الذي يعطل الدورة الاقتصادية، حسب رأي الحكام الجدد طبعا، متناسين بأنّ أموال الشعب التونسي مكدسة في البنوك الأجنبية، ومن سرقوا ثروات البلاد بذلك المسروق ينعمون في الخليج وأوروبا وكندا، أما مافيا المال المواصلة في النهب وتبييض الأموال فتوجه لها الحكومة خطاب الطمأنة والحماية، فالجباية تسلط على الأجراء وتعفى منها المؤسسات الكبرى بل إنها تتمتع بحصانة في استغلالها للعمال. ومثل هذه السياسة تطبق على من كفّر الناس ودعا للقتل والسحل في الشوارع ومن احتل دور العباد وحولها إلى خزان للسلاح ومن هرّب زعماء العصابات الإرهابية وكذّب وجود كتائب التدريب على حمل السلاح في جبال كانت بالأمس القريب قد رويت بدماء من قاوم الاستعمار الفرنسي بل إن الجرائم قد طالت حتى الرموز فنبشت قبور وهشمت تماثيل من حرّر تونس، فالمسؤولية سياسية بالأساس وتحميلها للمفقرين هو جريمة أخرى في حقهم.
حتى لا ننسى
إن الجرائم الإرهابية قد طالت رموزا وطنية وأبناء المؤسسة الأمنية والعسكرية والمواطنيين وتهدد السياسيين والحقوقيين والنقابيين والمثقفين والمرأة والمؤسسات الوطنية، وحتى كلاب الحراسة لم تسلم، ولكنها لن تنجح في ترهيبنا. فحب الوطن زرعه حشاد والحامي والفاضل ونبيل وشكري والبراهمي ومجدي وبالمفتي في عروقنا وتونس ستنتصر على الإرهاب رغم كيد الكائدين.