بدأت معالم الديبلوماسية التونسية الجديدة تتضح حول القضايا العربية الحارقة. إنّها قائمة على قديم يُعاد واتّقاء التجديد. فنظريّة المواربة واللاموقف قد تفيد أحيانا كما هو الشأن مع الملف السوري طالما أنّه لم يُطلَب موقف رسمي من تونس. فلا أحد يعرف الموقف بالضبط من النظام السوري ومن معارضيه ومن مسانديه. وموقف الازدواج اعتمدته أيضا الديبلوماسية التونسية في التعاطي مع الشأن الليبي بالاعتراف بحكومتين واحدة شرعيّة والأخرى غير شرعيّة.
ديبلوماسية الترويكا بقيادة منصف المرزوقي حاولت اللعب مع الكبار وتوجّهت إلى روسيا لتعلمها بتوفير منفى آمن للرئيس السوري بشار الأسد في الوقت نفسه الذي أقامت فيه على عجل حوار أصدقاء سوريا الذين ظنّتهم الترويكا والمرزوقي من السوريين المسالمين المطالبين بالحرية ولكنّهم جاؤوا مقاتلين مسودّين ملتحين قاطعي أيدي ورقاب وحارقي أجساد من 100 جنسيّة تجمعهم الرغبة الكامنة في تجريب الرعب الفظيع أثناء حلمهم بالخلافة.
بقي الموقف الرسمي التونسي من سوريا مواربا رغم الوعود الانتخابية ورغم توضّح الصورة. فالمشروع الداعشي الذي يتمدّد من المشرق إلى تونس مرورا بليبيا لم يدفع الديبلوماسية إلى إعادة نظرها في أخطاء الترويكا من أجل مصلحتها أوّلا باعتبار الخطر القادم من هناك. فبقي الموقف على حاله واختارت تونس أن تكتفي بامتصاص الكدمات الداعشية التي تأتي من أرض العراق والشام من إرهابيين لم يتمكّنوا من ممارسة دعشنتهم هنا فجنّدوا من يقوم بذلك بالنيابة عنهم. وتونس تعرف أنّ الدواعش يعملون بالوكالة عند الرجعيّة العربيّة التي فاضت عنها أموالها فسخّرتها لخدمة الإمبرياليّة المعولمة.
الرجعيّة نفسها، التي خلقت الدواعش في خاصرة سوريا لتفتيتها بعد أن نبّهتهم المخابرات الغربيّة إلى ضرورة الركوب على الاحتجاجات السلميّة واستلابها وتحويل وجهتها نحو عمل مسلّح لمشروع تقسيمي يقوم على أسس إيديولوجيا تكفيريّة ظلاميّة، هذه الرجعيّة هذه الأنظمة تحتضن داعش وتقصف الحوثيّين.
أليس الدواعش أولى بالقصف؟ هل الوضع في اليمن أسوأ منه في العراق وسوريا؟ طيّب، إذا كانت لكم مشكلة مع النظام السوري ولا تريدون التنفيس عليه هل لديكم مشكلة مع العراق؟ لماذا لم تساعدوه للتخلّص من داعش في الموصل وفي تكريت في محافظة صلاح الدين؟ إذا لا توجد أجندا عربيّة خاضعة للامبرياليّة الغربية ومشروع الشرق الأوسط الجديد التقسيمي لماذا لا توضع خطة عربية شاملة للتدخل وإنقاذ الشعوب العربية من الإرهاب الداعشي قبل الدفاع عن شرعية فاترة للرئيس اليمني عبد ربو منصور هادي؟ هذه الأسئلة كان على الديبلوماسية التونسيّة أن توجّهها إلى القمّة العربيّة،.فلو لم تتجرّأ الرجعيّة العربيّة على سوريا والعراق لما تجرّأت إيران على اليمن.
الديبلوماسية التونسية تختار كعهدها قبل الثورة المواقف الضعيفة المهادنة التي تساير الركب دون أن تؤثّر في توجيهه. الموقف التونسي ما كان بالضرورة ليكون متماهيا مع الموقف السعودي المصري. مصر والسعوديّة كلتاهما سبق لهما التدخّل في اليمن وذلك في الحرب الأهلية (1962- 1970) ولكن بشكل مختلف عن اليوم. فالسعودية كانت تساند الموالين للمملكلة المتوكليّة مع بريطانيا وعبد الناصر أرسل 70 ألف جندي لمساندة الجمهورية العربيّة اليمنيّة. وكانت السعودية حينها قد أنهكت الجيش المصري وأثّرت على مردوده في حرب 67.
اليوم السعودية ومصر تتساندان في التدخّل في اليمن عسكريا لدعم هادي ضدّ الحوثيّين الشيعة. المسألة إقليميّة إذن. ولكن كان على السعوديّة أن تعيد لليمنيّين أراضيهم التي تستحوذ عليها أوّلا، وعليها أن تحترم العمالة اليمنيّة على أراضيها وأن تمنحها حقوقها لتتمكّن من بناء وطنها. وكان على مصر أن تنسّق مع اليمن من أجل حسن استثمار معبري “المندب” و”قناة السويس” وستتدفّق الخيرات عليهما. وكان على الديبلوماسية التونسية أن تخرج من دائرة التبعية السلبية التي تؤثّر التواطؤ الصامت من أجل أن تقول كلمة الحق إنصافا للشعوب العربية المقهورة. من المخجل أن تسير الديبلوماسية التونسية سيرا ذليلا أعمى في طاعة الرجعية التي تستجدي منّا حبّة علم وحداثة وأدب..
(صوت الشّعب: العدد 170)