عرفت هشام بن عمار باعث هذه التظاهرة السينمائية المتميزة منذ نهاية السبعينات …عرفته مناضلا شرسا من اجل ارساء قواعد السينما الوطنية في تونس..
بدأ حياته السينمائية منشطا بنوادي السينما ثم دعمّ تجربة النقد بالصحف السيارة قبل أن يصبح أحد ركائز مجلة «الفن السابع».قمنا معا وثلّة من النقاد أمثال مصطفى نقبو ونائلة الغربي وعادل موتيري والنوري الزنزوري رحمة الله عليه ببعث أول جمعية للنقد السينمائي تحت إسم جمعية النهوض بالنقد السينمائي.
قمنا مع بعض ايضا بصياغة مشروع ارساء السينيماتاك في تونس و قدمناه للوزارة لتدارسه و محاولة العمل به وبعد لقاءات ماراطونية جمعتنا بالساهرين على حظوظ القطاع السينمائي بالبلاد في تلك الفترة ( منتصف الثمانينات) تم اجهاض المشروع لانه لا يخدم مصالح البعض ولان المتقدمين به غير مضمونين سياسيا..
و بقت علاقتنا متواصلة الى يومنا هذا نتشاور في كل التجارب التي نقدم عليها لخدمة السينما في تونس…
من جملة المشاريع التي حدثني عنها هشام بن عمار اعتزامه بعث مهرجان الفيلم الوثائقي بدوز و كان ذلك سنة 2011 في خضم الحراك الثوري في تونس و كانت له وجهة نظر في اختيار نوعية اختصاص هذه التظاهرة و مكان اقامتها…
و في هذا اللقاء كان لنا نفس التشخيص للواقع السينمائي في البلاد و ما يجب ان نقوم به من موقعنا للنهوض به و حدثني عن مشروعه هذا و عن مشروعه الاخر الخاص بالقافلة السينمائية و حدثته عن تطوير مجلتي شاشات تونسية و تنويع المتدخلين فيها..
وكنا متفقان على ان الثورة التونسية خلقت حركية في جميع المجالات غير أنّ القطاع السينمائي، وبالرغم من بعض المحاولات، لازال يتخبّط في عشوائيته المعهودة. و يشهد الحقل السينمائي ترسّخا لنفس العقليات البائدة التي أبت أن تتغيّر أو أن يتمّ تغييرها بعد الثورة، حيث لا تزال نفس الأسماء الإدارية الجامدة ملتصقة بكراسيها الأبدية التي قد لا يفارقونها حتى بعد التقاعد باعتبار أنّها منبع للجاه ومصدر لتكوين العلاقات وإقامة الرحلات السياحية المجانية.
و كنا مقتنعان ايضا بأنّ الرهانات تهمّ ، بشكل آخر، مستقبل الفيلم الوثائقي الذي أصبح يمثل شكلا من أشكال المقاومة من خلال نقل الواقع والوقائع، حاملا لسياقات دلالية وجماليات خاصة من أجل نقل صورة الواقع الجديد.
وفي عام 2011 أسَّس هشام بن عمار هذا المهرجان و تواصل منذ تلك الفترة بدون انقطاع ،وستقام دورته الخامسة من 12 الى 17 اكتوبر القادم. و قد خصني رفيق العمر بمعلقة المهرجان الاشهارية التي تم اختيارها من جملة العديد من المعلقات شارك بها اصحابها في مناظرة اقترحها المهرجان على الشباب الطالبي..و قد فازت في هذه المناظرة الطالبة انيسة الككلي(سنة ثانية اختصاص اشهار بمعهد الايساد) ..
و تعتبر أيام دوز للفيلم الوثائقي وليدة الحركة الثقافية التي شهدتها تونس الثورة بمبادرة من هشام بن عمار، حيث انطلقت القوافل الوثائقية في محاولة لإرساء مشروع إبداعي يختصّ بنشر الفيلم الوثائقي مما جعله مشروع مواطنة بامتياز. و غاصت القوافل السينمائية في اعماق الحقل الاجتماعي المهمّش سعيا إلى تكريس لامركزية ثقافية من ناحية، ونشر الثقافة السينمائية في أعماق تونس المهمّشة. لقد شهد النشاط السينمائي طيلة الفترة السابقة اقتصارا على حركة ثقافية اتخذت من العاصمة المركز مقابل تهميش الأعماق التونسية واقتصارها على دور تسييحي وفولكلوري بالأساس. وبالتالي فإنّ القوافل السينمائية جاءت ضمن مشروع فكري لنشر الثقافة السينمائية في كامل أرجاء تونس قصد خلق موازنة إبداعية وترسيخ ثقافة الصورة وجعل الوثائقي منهجا للتربية والتغيير. كما أنّ هذه القوافل سعت إلى اقتراح حلول بديلة قصد إحياء استهلاك الصورة السينمائية بعد اندثار القاعات التي يبلغ عددها الفعلي حاليا 13 قاعة في كامل أنحاء البلاد.
نظمت القوافل السينمائية حدثا كلّ شهر يهتمّ أساسا بموضوع معيّن مثل ذكرى تجارة الرقيق وإحياء اليوم العالمي لأدب السجون على سبيل المثال، وهي مبادرات أنتجت حركية في المدن والقرى التونسية التي زارتها واسترجاع لاستراتيجية البداية الفعلية للسينما التونسية خلال فترة الأربعينيات حيث كانت القوافل تجوب البلاد لعرض الأفلام الأمريكية والأوروبية بالأساس قصد نشر السينما.
ولقد أنتجت حركية هذه القوافل تأسيس تظاهرة أيام دوز للفيلم الوثائقي التي تعتبر محاولة رائدة لمزيد تأسيس بنيات إبداعية تساهم في تأمين الاهتمام بهذا الجنس الإبداعي.
اعداد منير فلاح
الوسوم :ايام دوز للفيلم الوثائقي دوز مهرجان هشام بن عمار