” هل تحمّمت بعطر……..وتنشّفت بنور؟”
أعرف أنّك تحبّ أن تسمع فيروز التّي أحبّ أن أسمعها أنا كذلك، وأعرف أنّك قرأت جبران “النبيّ”.
– قال كاهن شيخ حدّثنا عن الدّين. فقال المصطفى:
من ير في العبادة نافذة يفتحها ثمّ يستطيع أن يغلقها، فإنّه لم يُلمَّ بعدُ بمسكن روحه، حيث النّوافذ تُشرع من فجر إلى فجر. (جبران، “النبيّ”، [ترجمة موازية للنّصين الانجليزيّ والعربيّ]، ثروت عكاشة، الطّبعة10، دار الشّروق، مصر،2005، ص86.)
– قال خطيب حدّثنا عن الحريّة. فقال المصطفى:
وهيهات أن تسموا فوق هذه الأيّام وهاتيك اللّيالي، إلاّ إذا حطّمتم الأغلال التّي وُلدت مع فجر يقظتكم وكبّلتم بها شمس حياتكم. (جبران، “النبيّ”، [ترجمة موازية للنّصين الانجليزيّ والعربيّ]، ثروت عكاشة، الطّبعة10، دار الشّروق، مصر،2005، ص50.)
– قال النسّاج حدّثنا عن الثّياب. فأجابه المصطفى:
إنّ ثيابكم تحجب من جمالكم الكثير، ولكنّها لا تُخفي ما قَبُح فيكم. (جبران، “النبيّ”، [ترجمة موازية للنّصين الانجليزيّ والعربيّ]، ثروت عكاشة، الطّبعة10، دار الشّروق، مصر،2005، ص50.)
أعرف أنّك قرأت أدونيس وأنّك تعرف قصيدته التّي كتبها عن “اليمن السّعيد” وعنوانها “المهد“( أدونيس، أبجديّة ثانية، دار توبقال للنّشر، المغرب، الطّبعة1،1994) وقد كرّر فيها لازمة “”لي في تراب اليمن عرق ما”” وأعرف أنّ أكثر ما أعجبك فيها هو المقطع التّالي:
نكتب لتلك الجهة المطموسة من عروبة القلب،،، لأولئك المسحوقين يموتون وهم يتقاسمون الرّغيف،،، لأولئك التّائهين يسقطون وهم يتشبّثون بالأعالي،،، يشاركون الحقول كآبة الجدب ويصادقون الهواء،،،لأولئك المنبوذين ينتعلون الأودية ويلتحفون الجبال…
أقول في تراب اليمن
لي عرق ما
وأنتمي إليه
بلدا بلا عمر
كأنّه وجه اللّه
وبين العربيّ الذّي يلتهمه الغرب والعربيّ الذّي يلتهمه العرب سيكون مكان لتاريخ آخر.
أعرف أنّك قرأت درويش وأنّ قصيدة ” شكرا لتونس” تعجبك-ربّما- أكثر من غيرها:
شكرا لتونس. أرجعتني سالما من
حبّها، فبكيت بين نسائها في المسرح
البلديّ حين تملّص المعنى من الكلمات (درويش، لا تعتذر عمّا فعلت، رياض الريّس، الطّبعة1، 2004،ص113،ص114)
لعلّك تحبّ هذه القصيدة أكثر،،، لأنّها زُرعت في تربتك أو لأنّها تعيد بناء قصّة حبّك لتونس على نحو آخر،،،
نحبّ البلاد
كما لا يحبّ البلاد أحد،،،
(كما لا يحبّ البلاد أحد) هذا غير ما تقصده يا “صغيّر” لأنّك تقصد: كما لم يحبّ البلاد أحد،،،
لكنّك بهذا الخطأ المتعمّد تصبح جبران تونس،،،
هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور؟
قالها جبران فانفتحت العربيّة على مجهول لم تكن تحلم به،،، ما تحلم به العربيّة هو ما تحلم به تونس،،، أن تنفتح على مجهول الثّقافة العربيّة المتعدّد: على إبداع خارج خانات النّقد الضيّقة،،، كنتَ تُذيب نور عينيك في عبور الصّفوف المنضبطة إليه، مذ عرفتك في الثّمانينيّات،،، أن تنفتح على ديمقراطيّة تشرّدتَ من أجلها وسُجنت وكُفّرت، ولكنّك ظللت واقفا شامخا عاليا كنخلة في طريق نائية يستظلّ بها غريبٌ وطائرٌ وتائهٌ…
أرى النّخل يمشي في الشّوارع،،،
أذكر أنّي سألتك مرّة عن رأيك في شعر الطّاهر الهمّامي: فقلت لي هو أطول شاعر في تونس،،،
أذكر أنّك طرقت بابنا منتصف اللّيل تقريبا وكنت في زيارة إلى قفصة،،، فقلت لأمّي البدويّة: هاو الصغيّر ،،، هذا هو الشّاعر اللّي تشوفي فيه في التّلفزة،،،
فرحت،،، وسألتني عندما غادرتَ: على من يُشعر؟؟؟
فأجبتها: على تونس،،،
قالت: تو يربطوه،،،
نعم “”يمّا”” ربطوه وكمّلوا ،،، تربط وخرج،،، على جال تونس
“””على جال تونس”” نعم فأنت صوتها باستمرار، وأنت نشيد أيّامها الماضية والقادمة،،،
هل أنت مريض؟؟؟
لا ،،،،،،، أنت لم تُشف من حبّ تونس فقط،،، وأنت من فرط الهوى صرت نحيلا شفيفا كقصيدتك،،، أنت زفرتنا الأخيرة،،، وأنت تونس تصرخ وتضحك وتغضب وتثور وتلين ،،، وأنت جبرانها،،،
تحيّاتي
عمر حفيّظ