من عوائق النظام التربوي الحالي هو تهميشه لمادة الفلسفة، باعتبارها مادّة أساسية دورها حاسم في تشكيل وبناء العقل النقدي لدى الشباب التّلمذي.
وقد وعت الدولة الدكتاتورية هذا البعد فقلّصت من دور هذه المادة، وحوّرت برنامجها. وحتى توسيع دراستها لتشمل تلاميذ السنوات الثالثة ثانوي. فقد ظلّ أقرب إلى الشكلية منه إلى الإجراء الذي يساهم في توسيع نطاق مادة ضرورية للتفكير.
ضرورة تدعيم حضور مادّة الفلسفة
لا مناص اليوم، بحكم رهانات النظام التربوي الذي تطمح إليه بلادنا ويتطلع إليه شعبنا، من تعميم تدريس الفلسفة منذ السنة الأولى ثانوي ليكون كما يلي:
المستوى |
الشعبة |
عدد الساعات |
الضارب |
السنة الأولى |
— |
03 |
02 |
السنة الثانية |
— |
04 |
02 |
السنة الثالثة |
الشعب العلمية |
04 |
03 |
السنة الثالثة |
الآداب |
06 |
03 |
السنة الرابعة |
الشعب العلمية |
06 |
03 |
السنة الرابعة |
الآداب |
08 |
04 |
علما وأنّه يمكن التصرف في هذه الجوانب وفقا لرؤية جديدة للتوجيه. وهذا في حدّ ذاته ملفّ في حاجة إلى النظر والمراجعة، على أنّ الأساسيّ في تقديرنا هو الترفيع في عدد السّاعات والضّارب بما يعطي للمادة حضورا مميّزا يعكس نزوعا واضحا ومعلنا هو الانتصار للعقل النقدي ولمنظومة مضمونية جيدة.
تطوير المحتوى وربطه بالواقع
أمّا فيما يتعلّق بمحتوى المادة، فيمكن أن يتمحور حول مقدّمات عامّة لمميّزات التفكير الفلسفي (السنة الاولى)، ولأهمّ المدارس الفلسفية وتحولاتها التاريخيّة (السنة الثانية)، وصولا إلى الاشتغال على محاور ومسائل تقترب أكثر من الاختصاص، مثل التركيز أكثر على ما هو ابستمولوجيا وتاريخ العلم في الشعب العلمية، على أن تتخلّص المادّة نهائيّا من الكثافة الكميّة وإتاحة الفرصة أكثر للحوار والجدل. إضافة إلى ضرورة الاشتغال على أمّهات القضايا التي تشغل بال الإنسانية اليوم بما فيها مجتمعنا مثل قضية الإرهاب والعنف والعولمة والثورة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية… حتىّ تكون المسائل المدروسة لها علاقة مباشرة بالمعيش وبالهواجس الإنسانية والاجتماعية الحقيقية، وبما يمكّن فعليّا من الاستفادة من درس الفلسفة الذي يجب أن ننزع عنه إغراقه في مسائل مجرّدة وغريبة عن الحياة كما يريدها البعض لغاية في نفس يعقوب.
ويجب أن تتّسم البرامج بالتدرّج بما يخلق التّحفيز والتعلّق بالمادة ويمكّن التلاميذ من اكتساب قدرات جديدة تهمّ التّعاطي مع المفاهيم الفلسفية والقدرة على الأشكلة والحجاج. فالتلميذ له استعداد للتفكير المنطقي وقدرة على الاستدلال العقلي. ودور درس الفلسفة كما قال “جان وايت” هو تطوير “موقعية عليا تمكّنه من الاستدلال العقلي“، علما وأنّ “جان وايت” هو مؤسّس تيّار تدريس الفلسفة للأطفال.
ضرورة تشريك كلّ المعنيّين
إنّ مراجعة الوضع الحالي يقتضي ضرورة المشاركة الفعلية لأهل الشأن من أساتذة ومتفقّدين في تقديم مقارباتهم في هذه القضية. وفي هذا الإطار لابدّ من تنظيم أيّام دراسيّة للاستشارة تُنظّم جهويا ثم وطنيّا، بمشاركة كلّ المعنيّين، وتُفرز ورقات حول مختلف جوانب الموضوع وزواياه.
إنّ إصلاح شأن التّعليم لا يمكن أن يكون دون مكانة خاصة ومخصوصة للتفكير الفلسفي الذي يجب أن يكون حاضرا في مختلف المواد (التاريخ، التربية المدنية، الأدب…) ومؤلفا بينها. ولا يجب أن يقتصر الأمر على تلاميذ شعبة الآداب. فتلاميذ الشعب العلمية في حاجة أكثر ربما إلى الفلسفة. فممارستهم للعلم ظلّت دون رؤية علميّة، وظلّ تعاطيهم مع العلم دون إلمام بفلسفته ولا تاريخه ولا علاقته ببقية العلوم الأخرى ومع الفلسفة تحديدا.
لذلك لا غرابة أن يكون الاحتياطي المحبّذ للتيّارات التكفيريّة والإرهابيّة هو من تلاميذ وطلبة الشّعب العلميّة. إنّ الوضع الحالي لتدريس مادة الفلسفة لتلاميذ الشعب العلمية، بعدد ساعاتها والمحاور المبرمجة فيها وضواربها، خلق وضعيّة هامشيّة للمادة التي ظلّت مرفوضة من أغلبهم ويُنظر إليها نظرة ازدراء واحتقار.
وهو وضع غير سويّ يجب تجاوزه فورا. علما وأنّ مسألة توازن التكوين بالنسبة إلى الشعب العلمية تبقى عاجلة ولا تحتمل التأجيل. فالالتحاق بهذه الشّعب لا يجب أن يعني في حال من الأحوال رفضا لمواد التاريخ والجغرافيا والأدب واللغات والفلسفة. لأنّ التخصّص العلمي لا يتناقض مع التكوين الأدبيّ والإنساني، والاختصاصوية تبقى في كلّ الحالات وضعا غير موات لإنتاج عقول متوازنة ومقتدرة.
لكنّ هذه المقاربة الطموحة لن يُكتب لها النّجاح ما لم تقع مراجعة برامج التكوين الخاصّة بالأساتذة الذين هم في حاجة إلى تحيين ملكاتهم، وإلى تجويد قدراتهم التأطيرية بما فيها توظيف الوسائط الالكترونية في عملية تدريس الفلسفة التي تفقد شرط تحصيلها إن احتكمت إلى منطق الإملاء والحشو والاستفراد بالكلمة.
إنّ تحسين الاقتدار البيداغوجي لإطار التدريس هي مهمّة عاجلة وملحّة. وهذا في حدّ ذاته ملفّ من ملفات إصلاح المنظومة التربوية، الذي يجب إفراده بقراءة وقرارات لتجاوز وضعه الحالي المتّسم بالسّلبية والسّوء.
علي جلّولي: عضو لجنة مركزية لحزب العمّال
(صوت الشعب: العدد 183)