كان يبحث عن شيء ما لدى شوقي بزيع،،، في دواوينه،،، هو لا يعرف ما الذي يشدّه إلى هذا الشّاعر،،، هو يعرف أنّ شوقي من الجنوب اللّبنانيّ،،، وهو يتذكّر أنّه هو أيضا جنوبيّ،،، كيف له أن ينسى الجغرافيا؟؟؟
أليس للجغرافيا سلطة على البشر والحجر؟؟؟
لو لم يكن من الجنوب لما نهض في الثالثة صباحا ليصل إلى عين الماء صافية في واد بين جبلين قرب وليّ كان يستأنس به من “العبيثة” و”أشباح المقابر” قرب الوليّ الصالح سيدي بوريقة،،،
كان يقرأ ديوان “سراب المثنّى”. نظر إلى بزيع الذّي كان غائبا وسأله: لماذا كتبت هذا الأبيات؟
–رأى صورتين لأطيافها
في مرايا تشّهيه
إحداهما ما يُريه التّرابُ
وأخرى التي ظلَّ في سرّه
يتمنّى///
لم يُجبه،،، في حينه،،، تركه ساهما. ثمّ قال له: ألست كنت تقول للجغرافيا سلطة على البشر،،، دعك الآن من الحجر،،، ثمّ أردف :ليت الفتى حجر
أيّها السّاهم أليس الجسد جغرافيا؟؟؟ أوليس الجغرافيا قد نحتتك كما تُنحت الجبال،،؟
لم ينتبه،،، وفجأة سمع صوتا،، أمازالت كعاتها باذخة في القصيدة أم غادرتها إلى جهة الرّيح؟؟؟
شوقي،،، دعنا من جغرافيا الجسد ،،، فأنا مكتظّ به ولم يبق لي درويش حيّزا للسّؤال،،، درس من كاما سوطرا عنوان قصيدة ،،، انتظرها،،، وكتاب الهند الأوّل في الحبّ كاما سوطرا أرهقاني،،،
ولماذا أنت في ما أنت فيه؟؟؟
سمعناهم يقولون لنا: أنتم لا تحبّون الوطن؟؟؟ لا تحبّون تونس،،
فقلنا لهم: لم بحمرّ علَمُها إلاّ من دماء الجنوب،،،هاك العام،،، ومنذ سنتين أو ثلاث؟؟؟ من الذي أذهله جبل الباروك
أنهى وغمرت عينيه الدّموع،،، تذكّر كلّ رحيل،،، وفراغ الشّوارع،،،
ارتفع صوت شوقي:
–كأنَّما جبلُ الباروك أذهله
أن تنحني فمشى في يومك الشجرُ
والأرزُ أفلت من حرَّاسه، ومشى
وفي ثناياه من جرحٍ الرَّدى خدرُ
لمَّا هويتَ هوى من برجه بردى
وبانكسارك كان النِّيل ينكسرُ
والمشرقُ العربيُّ الحزنُ يغمره
عليكَ، والمغربُ الأقصى بهِ كدرُ
كأنَّما أمَّةٌ في شخصكَ اجتمعتْ
وأنتَ وحدكَ في صحرائها المطرُ
أظنُّها طلقاتُ الغدرِ حين هوتْ
تكاد لو أبصرتْ عينيك تعتذرُ
قُتِلتَ؟ لا لم تمتْ لكنّهم كذباً
توهَّموا وأماتَ الغدرُ من غدروا
//////
ولماذا تقرأ هذه الأبيات الآن؟؟؟ لم يكن يتوقّع منه أن يقرأ هذا المقطع بالذّات؟؟؟
أقرؤها لهما،،، هما دون غيرهما؟؟؟ هل عرفتها؟؟؟ ألم يكونا في هذا الوقت يحلمان بما نحلم به جميعا،،، ألم تكن تحلم بيوم يطير فيه الحمام،،،
عرفتهما،،، وأعرف أكثر أنّ الأسماء قاتلة،،، تقتلنا الأسماء،،، تقتلنا فتسيل دماؤنا أو تسيل قلوبنا ودموعنا،،،
مشت خلفهما ،،،
–قُتلت ؟ لا لم تمت لكنّهم كذبا
توهّموا ،،، وأمات الغدرُ من غدروا
الغدرُ يقتل الغادرين،،،
أنا سأتركك الآن،،، سأعود ،، الجنوب بعيد والساعة الآن الثالثة،،، بالكاد أصل لأرى شروق الشّمس في الجنوب،،،
بقي وحيدا ،،، أعاد قراءة
–كأنَّما جبلُ الباروك أذهله
أن تنحني فمشى في يومك الشجرُ
فخرج في الظّلام يضرخ كمن جاءته “عبيثة” الصّغر:
إلى أين تأخذنا يا سيّدي؟؟؟ إلى أين سنسير معكم أيّها الموتى؟؟؟
ألست ميّتا؟؟؟ كان في حال من الانفعال الأقصى،،،
-كنّا نعرف أنّك ستدخل اللّيل ،،، ولن تخرج منه،، فشموعك مطفأة وعطورك تذكّر بما يرشّ به الموتى،،،،،
أعجبتك الحكاية في ألف ليلة وليلة؟؟؟ أتُعجبك حكايات الصّغار: عليّ بابا والأربعون لصّا،،،
–أ عود صغيرا أحيانا،،، أيرعجك أن أعود صغيرا أحيانا،،،
–قطعا ،،، لا ،،، لأنّك منذ ولدت لم تكبر،،، ظللت صغيرا،،،
–أيقال لي هذا الكلام،،،وأنا في الحكاية بطلٌ ،،، ألست تعرف مقتضيات السّرد؟؟؟ ألا تعرف الحبكة والتّشويق؟؟؟ ألست ممّن علاّهم الحظّ الجنوبيّ؟؟؟
–أعرف التّسويف في الحكاية،،،وأعرف السّخريّة في الكرنفال،،، وأعرف بطل المقامات،،،
انزعج،،، وبدا مستعجلا،،،
–أين ستذهب الآن،،،؟؟؟
— سأدخل في اللّيل أكثر،،، ستأكلني “العبيثة” المهمّ أن لا أظلّ هنا وأنت تسألني سؤالك القاتل: إلى أين تأخذنا يا شيخ؟؟؟
رأى صورتيهما،،، وسمعها تهمس:
ببطء أمسّد نومك. يا اسم الذي أنا فيه
استيقظ يغمغم: شكرا لتونس أرجعتني سالما من حبّها،،، شكرا لدرويش ينقذنا ذائما ويعيدنا إلى ذواتنا،،،
نظر إليها،،، وكيف وصلت أنت على بعد المسافات؟؟؟
سمع وقع خطى على الدّرج… كانت هيفاء تحمل له قهوة كعادتها كلّ صباح،،،
الوسوم :الأدب النقد الأدبي عمر حفيّظ