الانتفاضة الثّالثة تشكّل منعطفا كبيرا في حياة الشّعب الفلسطيني والأمّة العربيّة. وإذا كتب لها أن تتجاوز المطبّات التي تضعها أمامها الرّجعيّة العربيّة في الدّاخل والخارج والعدوّ الصّهيوني والامبرياليّة العالميّة تُضاف إليهما الآن القوى الإرهابيّة فإننا سنكون أمام مرحلتين، مرحلة ما قبل الانتفاضة ومرحلة ما بعدها. فهذه الموجة الثّوريّة الجديدة في الأرض المحتلّة تختلف كثيرا عن الانتفاضات السّابقة، لا من حيث الأهداف ولكن من حيث المميّزات نظرا لتغيّر الواقع فلسطينيّا وعربيّا ودوليّا.
فالانتفاضة الثّالثة تنطلق في ظلّ انقسام سياسي فلسطيني، وفي ظلّ انهيار جزء من النّظام الرّسمي العربي الذي حكم الوطن العربي خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وفي ظلّ تفاقم كبير للإرهاب عربيّا وعالميّا وتبدّل الظروف وتغيّر الأحوال ممّا حتّم ابتداع أساليب مقاومة جديدة. فما كان يصلح للانتفاضة الأولى والثّانية قد لا يكون مناسبا لهذه الانتفاضة… وهنا تظهر عبقريّة الشّعب الفلسطيني وقدرته على تغيير الأدوات والأساليب دون تغيير الأهداف والغايات لحركة التحرّر العربيّة في فلسطين، الانتفاضة الحاليّة فسحت المجال للمرأة الفلسطينيّة بشكل كبير وتجاوزت الأطر والتّنظيمات التّقليديّة. فقفزت فوق الانقسام الذي تعيشه القوى السياسية إلى رحاب الشّعب الواحد في كلّ الأرض المحتلّة بما فيها الأراضي المحتلّة سنة 1948. وهو ما يشكّل تطوّرا هائلا في المسيرة الكفاحيّة للشّعب الفلسطيني. والانتفاضة الثّالثة لا ترفع شعار تحسين الأوضاع وإنّما ترفع شعار التّحرّر والدّولة.
الانتفاضة الثّالثة شمعة في الظّلام العربي الكبير، ففي الوقت الذي تعيش كلّ الأقطار العربيّة على وقع الفتنة والانقسام الدّاخلي والصّراعات الطائفيّة والإثنية، حيث تتسارع وتيرة العنف والتفكّك الاجتماعي والسّياسي بعد الانحراف بالصّراعات الدّاخليّة، من طابعها السّلمي الدّيمقراطي الاجتماعي في إطار الوطن الواحد من أجل تحقّق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية إلى طابع آخر مفبرك متعصّب عنيف على أساس ديني وطائفي ومذهبي وإثني تقوده الحركات الأصولية والإخوانية الإرهابية التي باتت الأداة الأكثر فاعلية في يد القوى الامبريالية والصهيونية والرّجعية العربيّة لتنفيذ مشروع التقسيم الجديد، وسط كلّ هذا الرّكام من الصراعات الداخلية على كامل الوطن العربي تسير الانتفاضة بالشّعب الفلسطيني من الصّراع الدّاخلي إلى الوحدة الوطنيّة في مواجهة العدوّ. وأمام تراجع الجماهير العربيّة عن الشّعارات التي رفعتها الثّورة التونسيّة المطالبة بالحرّيّة والسّيادة الوطنيّة والعدالة الاجتماعيّة وتحرير فلسطين إلى مطلب الأمن وكفى، جرّاء تفاقم العنف وسيطرة الجماعات الإرهابية ومن ورائها اليمين الليبرالي بكلّ أصنافه على كلّ مناحي الحياة السياسية، يعود الشّعب الفلسطيني إلى الشّعارات الكبرى للتّحرّر عربيّا وإنسانيا.
الانتفاضة الثّالثة مختلفة ومتميّزة ووجب علينا جميعا أن نكون مختلفين ومميّزين في تعاطينا معها حتى تستمرّ لتكون بوّابة الانعتاق الفلسطيني والعربي والإنساني. فنحن معنيّون حتى أكثر من الشّعب الفلسطيني باستمرارها ونجاحها لتنقذنا الانتفاضة من صراعاتنا الدّاخلية ولتنقذنا الانتفاضة من الفتنة الطائفيّة والمذهبيّة ولتنقذنا الانتفاضة من تجّار الدّين ومن مقاولات الإرهاب. نحن نحتاج الانتفاضة مستمرّة ومبدعة وخلاّقة حتّى نتمكّن من التّخلّص من الأدران التي علقت بنا جرّاء التّعفين الكبير الذي مارسته القوى الرّجعية العربيّة، دولا ومؤسّسات وتنظيمات ومن ورائها الصهيونية والاستعمار، للحراك الشعبي العربي فتمكّنت من قطع الطّريق على الجماهير وقواها الحيّة وحالت دونها في تونس ومصر واليمن… وغيرها من أن تحقّق أهداف وغايات نضالها في الديمقراطية والعدالة الاجتماعيّة والتّحرّر من التّبعيّة والاستعمار. هذه الانتفاضة هي فرصتنا كقوى وطنية تقدمية على طول الوطن العربي وعرضه من أجل تصويب مسار الأحداث الذي جرى إلى غير ما تريد الجماهير الشعبية، فعلينا حمايتها من الرجعية ومؤامراتها ودعمها بطرق متجدّدة ومبتكرة تجعلها نبراسا لنا وللأحرار في العالم.
تجريم التّطبيع مع العدو الصهيوني في تونس خطوة جديدة تليق بالانتفاضة الثالثة وبالشّعب التونسي الذي استمات بشكل كبير وبذكاء خارق وبتضحيات جسيمة من أجل أن يُبقي على شيء من الأمل لنفسه وللعرب والمضطهدين في العالم في الانتصارعلى الرّجعيّة والاستعمار. وقد أكّد الشّعب التّونسي إلى الآن أنّ الفوضى والفتنة وتفكيك الدّول الوطنيّة ليس قدرا برغم ما قامت به الامبريالية وعملائها من تحشيد لكلّ أدواتها والأكثر فتكا منها الجماعات الارهابية الفاشيّة التي تنفّذ حروبا متنقّلة بالوكالة.
“صوت الشعب”: محسن النابتي (قيادي بالجبهة الشعبيّة)