الكلّ يعرف الدور الإيجابي الذي لعبته نوادي السّينما في الحراك الثّقافي في تونس منذ تأسيسها في أواخر السّنوات الأربعين من القرن الماضي إلى يومنا هذا…
فهي التي ساهمت في نشر الثّقافة السّينمائيّة من خلال انشطة نواديها المنتشرة في كافة أنحاء البلاد والتي وصلت في منتصف السّنوات السبعين من القرن الماضي الى ما يفوق الخمس والسبعين ناديّا ضمتّ ما لا يقل عن الثلاثين الف منخرطا دون إعتبار المتفرجين العاديين…
وهي التّي أرست القواعد الأساسيّة للنّقد السّينمائي في تونس سواء كان شفويّا من خلال النّقاشات المفتوحة التّي تعقب عروض الأفلام و التي برزت من خلالها أسماء صالت و جالت في عديد النّوادي نذكر منها د.عبد السّلام بن حميدة (سوسلوف) وعزالدّين الحزقْي والمنجي اللّوز ود.أحمد مشارك في صفاقس ود.محمّد علي الحلواني في المنستير والأستاذ عمّار الزّايري في باجة والأساتذة محمّد الهادفي والمولدي الصّابري ود.حمّادي الرّديسي في نادي تونس والأستاذ مختار الطريفي ود.رشيدة النيفر في نادي الصّحفيين الخ..من الأسماء التي أثرت حلقات النّقاش في كافة أنحاء الجمهوريّة..
كما ساهمت الجامعة أيضا في إرساء و إثراء النّقد السّينمائيّ المكتوب بصفة مباشرة أو غير مباشرة من خلال المجلّتين السّينمائيّتين الّتين بعثتهما الأولى تحمل عنوان “نوادي” و تولّى إدارتها الطّاهر شريعة وساهم في إثرائها كوادر الحركة آنذاك، والثانيّة بعنوان “شريط” بإدارة النّاقد المنصف بن مراد…
هذا إلى جانب إحاطة جامعة نوادي السّينما بتجربة مجلّة “جحا” التي بعثها الأستاذ مصطفى نقْبو في نادي سينما القيروان وحوّلها لاحقا إلى مجلّة “الفنّ السّابع” وأيضا تجربتي الشخصيّة مع مجلّة “شاشات تونسيّة” عند بعثها سنة 1986 أو عند عودتها للصدور سنة 2009 .
كما ساهمت الجامعة في إثراء الساحة السّينمائيّة بعديد النّقاد أذكر من بينهم المرحوم محمّد محفوظ ود. الهادي خليل و الأساتذة أحمد حاذق العرف وكمال بن ونّاس و غيرهم كثر…
وقدّمت للسّينما العديد من المخرجين الذين تعلّموا الف باء الفنّ السّابع في أحضان نواديها نذكر من بينهم أحمد الخشين ورضا الباهي وابراهيم اللّطيف والمرحوم الحبيب المسروقي بنادي القيروان والنّوري بوزيد والمنصف ذويب ومحمّد دمّق والطّيب الوحيشي بنادي سينما صفاقس وسلمى بكّار والمرحوم نورالدّين المشري بنادي سينما حمّام الانف وغيرهم كثر الى جانب العديد من المختصّين في كافة فروع المهنة السّينمائيّة…
ويذكر أيضا أنّ حركة نوادي السّينما نادت في إحدى جلساتها العامة في منتصف السّنوات السّتين للقرن الماضي بضرورة بعث تظاهرة سينمائيّة كبرى ذات بعد عربي إفريقي وكانت أيّام قرطاج السّينمائيّة التي تولّى إدارتها في دوراتها الأولى رئيس الحركة الطاهر شريعة بالتعاون مع الكوادر الفاعلة في الجامعة يتقدّمهم المرحومين النوري الجنزوري والمنصف بن عامر…
كما قامت الجامعة في نفس الفترة بالتعريف بسينما العديد من المخرجين العرب أمثال توفيق صالح و يوسف شاهين وساهمت في انطلاقتهم على المستوى العربي وللتدليل على ذلك يكفي الرّجوع إلى ما قاله توفيق صالح في العديد من اللّقاءات التلفزيّة و الصّحفيّة لعلّ آخرها الشهادة المضمّنة في فيلم محمّد شلّوف عن مسيرة الطّاهر شريعة رحمه الله…
و الجامعة هي أيضا عضو مؤسس للجامعة العالميّة لنوادي السّينما وتقلّدت لفترات طويلة منصب الممثل الرّسمي لنوادي سينما البلدان العربيّة والإفريقيّة صلبها، كما أحتضنت منذ ثلاث سنوات مؤتمر هذه المنظّمة لأوّل مرّة في تاريخها في مدينة الحمّامات…
ولا يخفى أيضا على المتابعين الدور النّضالي لحركة نوادي السّينما مع جامعة السّينمائيين الهواة و جمعيّة السّينمائيّين التونسيّين في منتصف الثّمانينات من القرن الماضي من أجل فتح ملف السّينما وإرساء قوانين جديدة للنّهوض بالقطاع بعد إقرار الدّولة مبدأ التّخلّي عن مؤسّسة الساتباك، هذه القوانين التّي أدخلت حيويّة على القطاع السّينمائي وكانت في حاجة لدعمها بقراري إرساء المركز الوطنيّ للسّينما والسّينيماتاك ولكن النّفوس المريضة داخل الإدارة العميقة للوزارة حالت دون ذلك و قوّضت المكاسب التي تحققّت للسّينما..
والشئ المؤلم انّ التصوّرات التّي طرحتها الجامعة وشريكيها كانت وراء نجاح التجربة المغربيّة وهذا ما أقرّ به النّاقد و النّاشط السّينمائي ومؤسس المركز الوطني للسّينما بالمغرب نورالدّين الصايل، حيث قال في إفتتاح أيّام قرطاج السّينمائيّة الأخيرة بوصفه رئيس لجنة تحكيم الدّورة بأنّهم في المغرب نهلو من التجربة التّونسيّة الكثير من خلال تعاونهم مع نوادي السّينما التونسيّة وحصولهم على العديد من المقترحات والنّصوص التّي أعدّتها الحركة في خصوص بعث المركز الوطني للسّينما وفي هذا الإتّجاه نذكر إستعانتهم أيضا عند إرساء مشروعهم بخبرة نجيب عيّاد أحد الوجوه التاريخيّة لحركة نوادي السّينما…
هذه النّجاحات التّاريخيّة لحركة نوادي السّينما وحضورها الفاعل على الساحة السّينمائيّة جعلها تصتدم بالسلطة المتمثّلة في الإدارة العميقة لوزارة الثّقافة في العديد من المناسبات وفي كلّ حقبات الحكم في تونس قبل وبعد الثّورة لأنّها تمثّل ولا تزال الرأي المخالف والمشروع البديل والرؤيّة الصحيحة للنهوض بالقطاع السّينمائي في تونس..
وأنتج هذا الصّراع حقدا دفينا لدى البعض في الإدارة العميقة يتمّ تصريفه بضرب مقترحات الحركة وتقزيم دورها و نصب الفخاخ لها لإغراقها في الدّيون حتى ينحسر دورها و تضمحل..
وهذا ما تمّ بعد إقامة المؤتمر الدّولي لنوادي السّينما حيث تمّ تحميل الجامعة تبعات التجاوزات الماليّة وتضييق الخناق عليها لولا التفاف مناضلي الحركة حول جامعتهم مقدّمين العون المادي والمعنوي وتفهّم الوزير السّابق وكسره للطوق المضروب من طرف الإدارة العميقة على الجامعة بضخ مزيد من الدّعم …
نفس هذه العناصر تلكّأت في تلبيّة مطلب الجامعة في توفير تذاكر سفر عناصر الفرقة الموسيقيّة التّونسيّة الألمانيّة المكلّفة بإقامة ثلاث حفلات في تونس وبنزرت والكاف ضمن فعاليّات مهرجان سينما السّلام في مارس الفارط وحسب قول رئيس الفرقة الفنّان الفاضل بوبكّر انّ المسؤول الأوّل في إدارة السّينما قال له قبل يومين من العرض “مانيش باش نعاون ها الجمعيّة ما نحبّهاش ”
ولم توفّر الإدارة التذاكر المطلوبة وتحمّلت الجامعة تكاليف سفر العناصر…
وآخر ما صدر رفض لجنة الدّعم، التي نعرف من يقف وراء تركيبتها، للمرّة الثّالثة على التّوالي تمكين فيلم عن تاريخ حركة نوادي السّينما من منحة إنتاج تكميليّة لقبر المشروع نهائيّا وهناك من قال أنّ ذلك يرجع بالأساس لأنّ من تقف وراء المشروع رئيسة سابقة لحركة نوادي وقياديّة سابقة في الجبهة الشعبيّة…
في الختام نقول لهؤلاء المرضى نوادي السّينما أكبر شأنا منكم وستبقى شوكة في حلق كل من يريد الدّوس على المكتسبات السّينمائيّة في تونس.
منير الفلّاح
ناقد سينمائي